لعنة بغداد تلاحق كل الأنظمة العربية ولن تتوقف إلا بسقوطها وقف شارون عندما سقطت بغداد وقال: " على الفلسطينيين أن يفهموا معنى سقوط النظام العراقي جيدا". وهو يدرك هذا القول بحكمة بليغة ، ولم يرد عليه أي سياسي عربي حينها لأن الأمر لا يعني دولنا العربية في شيء، فهو لا يشتم زعيما عربيا وهذا جل هم أنظمتنا . صفق الزعماء العرب لإسقاط بغداد وكان صدى تصفيقهم يداعب الأذن الفارسية والصهيونية ، فالفرس سقط أمامهم الحصن الذي كان يمنعهم من التمدد ومد يدهم إلى الخليج العربي، أما أنظمتنا فكان همها هو التخلص من الخطاب الثوري للشهيد صدام حسين لأنه كان يحرجهم خاصة في موضوع القضية الفلسطينية ووقوفه ضد الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي . ولكن تأبى الطبيعة إلا أن تطبق قانونها ؛ فلكل فعل رد فعل، والطبيعة تكره الفراغ، والأمة العربية أصبحت مستسلمة للهيمنة الأمريكية في كافة المجالات دون وجل أو مقاومة، ومع محاولات إيران التوسعية سواء على الصعيدين: الفكري أو الاحتلالي ، ظهر الانقسام جليا في الأمة العربية ، فهناك اتجاه يتبع للفرس ويقف ضد الصهيونية وأمريكا ليس بهدف تدميرهما بل بهدف تعرية الاتجاه الآخر المضاد والموالي للهيمنة الأمريكية. فحزب الله مثلا لا يسعى لتدمير إسرائيل بقدر ما يسعى إلى إحراج الدول العربية التي تسير في الفلك الأمريكي، بينما تقف الدول العربية هذه إلى جانب أمريكا وتنفذ مخططاتها للقضاء على حزب الله أو أي ذراع إيراني يمتد للمنطقة بحجة أن هذا الذراع يشكل خطرا على وحدتها ووجودها. لقد وصل الحد ببعض الدول العربية أن تدعم إسرائيل ضد حزب الله وضد إيران علنا ، مما أعطى فرصة لإيران لتدخل إلى البيت العربي والقلب العربي ضد هؤلاء من بوابة العداء للصهيونية وأمريكا، وهذا أدى إلى بروز تيار موال لإيران في معظم الدول العربية وصل به الحد ليس فقط لتأييدها سياسيا بل واعتناق مذهبها مما زاد من تأجج الصراع الطائفي بشكله الفكري تمهيدا لتحوله إلى صراع عسكري ميداني. ما من شك إن هذا الصراع قد وجد تربته الخصبة بعد سقوط بغداد ودخول أمريكا والفرس في تحالف لتقسيم العراق وتمزيقه إلى طوائف متناحرة تمتد إلى باقي المناطق العربية، فتضعف بذلك كافة الأفكار والتيارات القومية واليسارية لصالح الاتجاهين الدينيين المتصارعين، وبذلك يتهدم النسيج الاجتماعي العربي، ويصبح الإنسان العربي غير مهتم بعروبته ووحدة شعبه على أساسها، بل يسعى لتكون طائفته هي سيدة الموقف. إن لعنة العراق تسير تلقائيا وبمخطط تدريجي تنفذه ديمومة الحياة وقوانينها، فثورة الجماهير العربية على الأنظمة الديكتاتورية التي سلبتها حقها في اخذ دورها الطبيعي جزء بسيط مما سيأتي لاحقا، وكأن الشهيد صدام حسين كان يرى عشرات السنين إلى الأمام عندما قال :"سوف تهز عروش". فهو لم يقل هذا من فراغ بل قالها عن حكمة بليغة لمعرفته بطبيعة الإنسان العربي وعدائه لأمريكا وإسرائيل. وهذا ما حدث فعلا ، إذ لم يكن البطل بوعزيزي هو المفجر الحقيقي للربيع العربي وإن كان الشرارة التي أطلقت على وقود قطاره ليسير بخطى واثقة ويمر في عدد من العواصم العربية واعداً بان لا يبقي عاصمة إلا وسيزورها. لا شك أن قطار الربيع العربي يستطيع أن يحمل كل الاتجاهات التي تريد الركوب فيه ويمنحها مقعدا قد يكون متقدما وإن كانت أفكارها خريفية وعفا عليها الزمن ولكن هذه الأفكار سوف لن تستطيع تحمل أجواء الربيع العربي ، لهذا سوف تترك هذا القطار مرغمة في اقرب محطة يقف فيها، وهذا ما ينطبق على كل الأفكار الضبابية التي لم يكشف الشارع العربي زيفها. لهذا أؤكد أن في آخر محطة لقطار الربيع العربي لن يتبق من الأفكار إلا كل ما ينسجم مع الطرح العروبي الموحد الذي كانت ترفع شعاره بغداد، على أن يكون منسجما مع الحياة العربية الجديدة، أي لا بد من التعديلات العميقة على الفكر العروبي ليصبح متناسبا والمرحلة الجديدة مع المحافظة على الأسس المتينة واهمها: 1- رفض الهيمنة الأمريكية بشتى أشكالها سواء التبعية السياسية أو الاقتصادية 2- رفض التقوقع والتكتل وراء الطائفية والأحزاب الدينية والعمل على مواجهة المد الفارسي ونبذ الإسلام السياسي 3- رسم مستقبل النسيج الاجتماعي العربي على أساس ديمقراطي تعددي يتماشى والتحولات في العالم، بحيث تترجم هذه الخطة إلى مفهوم وحدودي عربي يمهد لقيام وحدة عربية في المدى البعيد. 4- وفي خضم هذه الأحداث سوف يعيش الكيان الصهيوني حالة من المد والجزر على أن يصل لمرحلة التفكك، وستكون بداية هذه المرحلة بعد انهيار الدول العربية التي تدور في فلك أمريكا رغم أن مسيرة قطار الربيع العربي ستكون طويلة وأن ما حدث في مصر وتونس هو بداية الطريق ولن يزهر الربيع العربي بعد، والنهضة الحقيقية ستكون بعد مرحلة تكون فيها الأحزاب السياسية العربية ناضجة لتحمل مسؤوليتها وقيادتها للصدام القومي مع القوى المهيمنة، وكل من لا يستطيع العمل لصالح طموح الجماهير العربية بالشكل الصحيح سوف يضمحل ويأتي الدور على غيره وسيظل الغربال يعمل عمله حتى نصل لزبدة الحراك . لهذا أقول لكل من يريد أن يحجز مقعدا في الربيع العربي، عليك أن تكون مستعدا للتضحية والعمل بإخلاص ولا تكن أول الفائزين في أي انتخابات ، وذلك لان تجربتك ضئيلة في هذا المضمار ، وهذا الحديث للأحزاب العربية طبعا وليس للأفراد. إن ما أفرزته الانتخابات في معظم الدول العربية ليس سوى استمرارا لتزويد قطار الربيع العربي بالوقود لأن مرحلة الأنظمة الديكتاتورية خلقت ثقافة مشوهة ولا بد لعملية تطهير لتشوهاتها ، فالإسلاميون الذين نجحوا في البلدان العربية لن يستطيعوا الاستمرار في ركوب القطار وهم الذين سوف ينزلون في أول محطة له وذلك لان مفاهيمهم الديمقراطية متأثرة بتلك الأنظمة الديكتاتورية التي عاشوا في كنفها وحاولوا محاكاتها تارة والمضي معها في كثير من الأحيان رغم أنهم يعلنون عداءهم لها. إن ما يثبت هذا القول هو أول خطاب للدكتور مرسي الذي أعلن فيه بأنه يلتزم بكافة الاتفاقيات ، وهو يعلم أن النظام البائد كان يعتمد في حكمه على الاتفاقيات أكثر من القانون، فهذه الاتفاقيات هي التي قيدت مصر وحولتها إلى أداة أمريكية في كل الجوانب، فكيف سيصلح الدكتور مرسي الاقتصاد المصري إذا ما التزم بالاتفاقيات مع أمريكا التي تؤكد على السوق الحر وعدم حماية الصناعات والزراعة في مصر؟؟؟ وكيف سيعيد مصر إلى دورها العربي وهو ملتزم باتفاقيات كامب ديفيد التي تمنع مصر من الوقوف مع أشقائها ضد إسرائيل؟؟؟ وكيف سيطبق مرسي المفهوم الديمقراطي والمحافظة على الحريات وهو مؤمن بالفكر الإسلامي الذي لا يؤمن أصلا بالشراكة مع الأحزاب اليسارية والعلمانية والقومية ويكفرها، أي يعتبرها معادية لفكره وأهدافه؟؟؟ ماذا سيفعل السيد مرسي عندما سيأتي السيد نتنياهو لزيارة مصر بحكم الاتفاقيات ؟؟؟ وهل سيتقبل السفير الصهيوني عندما يسلم أوراق اعتماده له؟؟؟ إذا كان للسيد مرسي القدرة على حل كل هذه المعضلات ، فسيكون لديه القدرة على الاستمرار بركوب قطار الربيع العربي، والذي ستكون تذكرة دخوله بعد مرحلة مرسي هو الأسس القومية والثورية، فلو قال مرسي في خطابه انه عازم على مراجعة كافة الاتفاقيات السابقة وعرضها على استفتاء جماهيري لامتلك نصف تذكرة القطار وبعد أن ينفذ الاستفتاء سيكون قد ضمن مقعده إلى النهاية طالما أنه متمسك بهذا الموقف. إن لعنة بغداد ستظل تلاحق الانظمة العربية تماما كلعنة فلسطين، فبعد نكبة فلسطين حدثت انقلابات في العديد من الدول العربية التي تعد من الدول الأكثر وعيا، فكانت ثورة الضباط الأحرار وكانت الانقلابات في كل من سوريا والعراق ومحاولات انقلابات في معظم الدول العربية، وبعد سقوط بغداد ببضع سنوات جاء الربيع العربي بشكله الواسع والذي يعود سبب اتساعه إلى زيادة التراكمات وزيادة الهيمنة الغربية وسيطرتها بالكامل على كل مقدرات الأمة وثرواتها، ووصول الدول العربية إلى مرحلة التبعية الكاملة لأمريكا في كل المجالات، مما سلب المواطن العربي قوته وكرامته ومستقبله وحريته. خالد حجار فلسطين
|
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
To unsubscribe from this group, send email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
For more options, visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi?hl=en.
No comments:
Post a Comment