زكريا محمد في كتابه الجديد: كتاب الحمس والطلس والحلة
مقابلة مع: جدلية
["كتب"هي سلسلة جديدة على صفحات "جدلية" نستضيف فيها المؤلفين والمؤلفات في حوار حول أعمالهم الجديدة ونرفقه بفصل من الكتاب. وباكورة السلسلة حوار مع الشاعر والباحث الفلسطيني زكريا محمد حول كتابه: "ديانة مكة في الجاهلية: كتاب الحمس والطلس والحلة"، الذي سيصدر خلال أيام عن دار الأهلية- عمان]
- كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
الكتاب الجديد متابعة لكتابي السابقين عن ديانة العرب قبل الإسلام: (عبادة إيزيس وأوزيريس في مكة الجاهلية) و(ذات النحيين: الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة). الكتاب الأول ركز على أسس هذه الديانة، وعلى علاقتها بديانات المنطقة. الكتاب الثاني كان حفرا في هذه الديانة من مدخل محدد هو: الأمثال الجاهلية. أي دراسة ديانة العرب قبل الإسلام من خلال الأمثال. فالأمثال متحجرات طقسية ميثولوجية. أما هذا الكتاب، فيدرس ديانة مكة من خلال طوائفها الدينية الثلاث: الحُمْس، الطُّلْس، والحِلّة. ولعله بهذا يكون أول كتاب يخصص لهذه الطوائف في المكتبة العربية الحديثة.
وقد جرى الحديث عن ديانة مكة، أو عن ديانة العرب قبل الإسلام، مع تجاهل شبه تام للطوائف الثلاث، أو في أفضل الحالات، مع مسها عرضا. لكن يمكن القول الآن، وبحسم، أنه لا حديث جديا عن هذه الديانة من دون أن تكون هذه الطوائف جوهر الحديث. ليس ثمة ديانة جاهلية من دون هذه الطوائف. فهي التجسيد العملي لهذه الديانة. الطوائف الثلاث هي مركز هذه الديانة وتجسيدها. بالتالي، فتجاهلها، أو مسها مسا خفيفا فقط، لن ينشئ وعيا جديا بديانة العرب قبل الإسلام.
أكثر من ذلك، فنحن لن نتمكن من فهم الإسلام وبداياته من دون فهم هذه الطوائف. فهو قد نشأ بينها، وكانت حياته جدالا معها، اختلافا واتفاقا. كما أنه كان في وسط تنافراتها واختلافاتها. عليه، فما لم نفهم مذهب الرسول في الجاهلية، مثلا، أي ما لم نعرف الطائفة التي انتمى إليها وانتمت إليها عشيرته الأقربون، فلن نفهم الإسلام كذلك. إذ يفترض أن هذه الطائفة هي التي نبتت نبتة الإسلام على أرضها. وتجمع المصادر العربية على أن هذه الأرض أرض حمسية. أي تجمع على أن الرسول وعشيرته الأقربين كانوا على مذهب الحمس في الجاهلية. لكن الكتاب يتوصل إلى عكس هذا تماما. أي يتوصل إلى أن الرسول كان حليا، وكانت عشيرته الأقربون حلية المذهب مثله. وهذا يعني أن الإسلام نشأ في بيئة حِلّية، لا حمسية. وهو ما يعني أيضا أن لهذا المذهب على وجه الخصوص تعلقات بالإسلام وبهويته.
- ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
يمكن لي أن أقول أن المشكلة الأكبر التي واجهتني تتعلق بعدم وجود بحوث جدية سابقة عن الطوائف المكية الثلاث لكي أستند إليها. بالتالي، فقد كنت كمن أدخل الغابة لأول مرة. ليس ثمة طرق وممرات فتحها أناس من قبلي كي أبدأ منها. لذا كنت أتحسس طرقي تحسسا. وزاد من صعوبة الأمر انه لم يكن هناك أحد كي أنافشة في ما أتوصل إليه كي أتثبت منه. كنت أعمل وحدي إلى حد مخيف. ولولا صديقي زهير أبو شايب لقلت أنه لم يكن هناك احد كي أبوح له باستنتاجاتي.
بالطبع، علي أن أقول أن المصادر الحديثة، العربية وغير العربية، التي تمر عرضا على طوائف مكة الثلاث تردد ما تقوله المصادر العربية، التي كثيرا ما تكون خاطئة. بالتالي، فقد كان جدالي ضد مسلمات المصادر العربية غالبا، وضد بعض أفكار بعض الباحثين الغربيين جزئيا.
- ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
ثمة عدد من الأطروحات التي توصل إليها الكتاب:
- أولا: أن الطوائف الثلاث (الحمس، الطلس، الحلة) هم عبدة الثالوث المكي (اللات، العزى، مناة) وبالترتيب ذاته. يعني: الحمس هم عبدة اللات، والطلس عبدة العزى، والحلة عبدة مناة.
ثانيا: أن انقسام قريش إلى قريش البطاح وقريش الظواهر هو انقسام ديني. فقريش البطاح هم عبده الإله الذكر في وجهيه الصيفي والشتوي، أي اللات ومناة، أما قريش الظواهر فهم عبدة الإلهة العزى.
ثالثا: أن رحلة الشتاء والصيف الجاهلية كانت رحلة دينية رمزية بين وجهي الإله الذكر- اللات ومناة- وأنها كانت تنفذ من خلال الطواف بين الصفا والمروة. فالصفا تمثيل للصيف والمروة تمثيل للشتاء.
رابعا: أن الرسول كان على مذهب الحلة في جاهليته، وأن عشيرته الأقربين كانوا من الحلة أيضا. وهذا يعاكس القناعة الراسخة عند المصادر العربية التي تقول أن الرسول كان حمسيا. هذه القناعة انطلق من فرضية تقول أن قريشا كلها حمس. وهذا غير صحيح بالمرة، فقريش القبيلة ضمت الطوائف الثلاث. أي كان فيها حمس وطلس وحلة. أما بنو عبد المطلب وبنو هاشم فقد كانوا حلة.
خامسا: وهذا يعني أن الإسلام نشأ في بيئة حِلّية، لا حمسية. وهو ما يعني أيضا أن لهذا المذهب على وجه الخصوص تعلقات بالإسلام وبهويته.
سادسا: أنه كان للجاهلية حجان لا حج واحد. حج صيفي هو حج الحمس، وحج خريفي- شتوي هو حج الحلة، وأن الإسلام وحد الحجين في حج واحد، وخلط شعائر الحجين في هذا الحج. مثلا كان الحمس يفيضون في حجهم الصيفي من المزدلفة التي تعتبر من داخل الحرم المكي، في حين كان الحلة يفيضون في حجهم الشتوي من عرفة الذي يعتبر خارج الحرم. أما الحج الإسلامي، فجمع المفيضين معا. إذ يفيض المسلمون من عرفة ثم من المزدلفة.
سابعا: أن جهد الإسلام في السنتين الأخيرتين من حياة الرسول تركز على إتمام المصالحة بين الحمس والحلة، وعلى توحيد شعائرهما، وخاصة شعائر الحج.
ثامنا: أن الإسلام ألغى النسيئة، أي تلك العملية الحسابية التي تتم من خلالها معادلة السنة الشمسية بالقمرية، كي يوحد بين الحمس والحلة.
تاسعا: أن الإسلام أحدث تغييرا في أشهر الحج،. فأشهر الحج الجاهلية كانت أربعة؛ واحد يقع في الصيف وهو (رجب مضر)، وثلاثة متتابعة تقع بين الخريف والشتاء، وهي: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، أي الأشهر الثلاثة الخيرة في الأسنة. وقد أزال الإسلام شهر شوال من هذه الأشهر الثلاثة، وأحل محله الشهر الأول من السنة التالية، أي (صفر) الذي صار اسمه (محرم). والسبب أن الحلة كانت تبيح الصيد في شهر شوال (رجب ربيعة). بالتالي، فقد سمح لها بالصيد فيه، لكن بعد أن اخرج من الشهور الحرم.
عاشرا: أن (أولاد نزار) الأربعة (الصريحان: مضر وربيعة، وغير الصريحين: إياد وأنمار) هم ممثلو الفصول الأربعة. فالصريحان هما الصيف والشتاء، أما إياد وأنمار فهما الربيع والخريف. أي أن قصة أولاد نزار تتحدث عن انقسام القبائل العربية بين الآلهة الثلاثة (اللات والعزى ومناة) فاللات والعزى هما الصيف والشتاء، والعزى هي ممثلة الاعتدالين الربيعي والخريفي.
- ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية؟
أظن أن هذا الكتاب أكمل البرهنة على فرضيتي الرئيسية حول ديانة العرب قبل الإسلام، باعتبارها ديانة منظمة، عقلانية، وذات نسق، وليست فوضى آلهة وأصنام. وفي اعتقادي انه لن يكون بالإمكان الحديث عن ديانة العرب قبل الإسلام بالطريقة ذاتها بعد هذا الكتاب. ربما ستحتاج أفكار الكتاب إلى زمن كي تستوعب وتنتشر، لكن هذا الكتاب غير المدخل إلى ديانة العرب قبل الإسلام. وحين فعل ذلك، فقد وضع الأساس لفهم مختلف لبدايات الإسلام. يعني: اعتقد أن الكتاب سيؤثر بقوة، مستقبلا، على دراسة الإسلام المبكر.
- من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
الكتاب موجه إلى جمهور المثقفين والمهتمين بديانة العرب قبل الإسلام. لكنه موجه بالدرجة الأولى نحو الأجيال الجديدة من الباحثين، الذين يأتون من خارج ما يسمى ب (الحقل). وأقول (ما يسمى بالحقل) لأنه لا يوجد عندنا حقل لدراسة ديانة العرب قبل الإسلام. فهذا الحقل مسرح لتلامذة يكررون ما يقوله الباحثون الغربيون، لا غير.
- كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
كتابي هذا ليس تاريخا، رغم أن فيه أحيانا شيء من التاريخ. إنه أقرب إلى أن يكون دراسة ميثولوجية- دينية. أي انه دراسة في عقائد العرب قبل الإسلام، وطقوسهم وأساطيرهم.
كتابي هذا ليس تاريخا، رغم أن فيه أحيانا شيء من التاريخ. إنه أقرب إلى أن يكون دراسة ميثولوجية- دينية. أي انه دراسة في عقائد العرب قبل الإسلام، وطقوسهم وأساطيرهم.
- ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
لدي مشاريع كثيرة. فقد انفتح لي عالم يمكن أن أتجول فيه عمرا آخر. لكن ما بدأت بإنجازه فعلا إنما هو:
أولا: كتاب يمكن أن اسمية (كتاب الطقوس الثلاثة: طقس الذبيح، طقس سرقة غزال الكعبة وتقطيعه، ولعبة الميسر). وقد تحدثت في الكتاب السابق عن (طقس الذبيح)، لكنني انوي التوسع فيه. أما (طقس غزال الكعبة) فهو واحد من اشد طقوس ما قبل الإسلام روعة وإبهاما. فهو طقس كانت تشارك فيه مكة كلها، وهو يتحدث، في نهاية الأمر، عن انقسام الكون على خبز وخمر، جسد ودم، صيف وشتاء. أما لعبة الميسر فليست مجرد لعبة، بل هي نتاج لطقس الذبيح في ما يبدو. وقد توصلت في أعتقد إلى فك ألغازها. يعني: يمكنني الآن أن اشرح كيف كانت هذه اللعبة الملغزة تجري وتدار.
ثانيا: كتاب عن "برج أريحا". وهو برج من العصر الحجري عثر عليه في (تل السلطان- أريحا العصر الحجري). وهو أول برج في التاريخ يعثر عليه حتى الآن. وهناك من يصفه بأنه أول ناطحة سحاب في العالم. الغرض من هذا البرج ما زال موضع جدال. فهو إما جزء من نظام دفاعي، أو أداة لدرء الفيضان، أو منشأة طقسية- دينية. أما فهدفي أن أثبت في هذا الكتاب أنه لم يحصل انقطاع في ديانة المنطقة بين ديانة العصر الحجري حتى ما قبل الإسلام. فكلها ديانات تدور حول الماء العذب وحركته في الكون.
__._,_.___
Recent Activity:
Messages in this forum reflect the author's opinion only and do not necessarily express the Forum�s point of view
.
__,_._,___
No comments:
Post a Comment