Tuesday, 24 June 2014

{الفكر القومي العربي} article

خرائط وهمية مُفتراة
 
صباح علي الشاهر
 
 
نشرت بعض وسائل الإعلام خريطة لدولة داعش المفترضة، تشمل الخارطة تقريباً كل المحافظات الغربية من العراق، والمحافظات الشرقية من سوريا، ولعل السؤال الأهم هنا، كيان مثل هذا يخدم من، وضد من؟
لا نحتاج إلى كثير تأمل، فالأمر أكثر من واضح، فهو يعزل إيران عن سوريا، ويضعف محور المقاومة، وينهي حلم العراق بميناء الفاو الكبير والحوض الجاف، ويوجه ضربة قاضية إلى حلم إعادة طريق الحرير، وهو موجه ضد الصين، وضد محور البريكس، والخاسر الأبرز بعد حكومة العراق، سوريا وحزب الله، وإيران، ومن المؤكد ان الذين هم ضد كل ما ذكر سيمنون النفس بإنتصار سهل، ولعلهم يتهيأون منذ الآن لإعلان الإنتصار، ولكن هل الأمور ستجري على هذا النحو، وووفق هذا التصور؟
سنبدأ بالذين أسهموا وساعدوا على إنهيار الجيش العراقي الدراماتيكي، والذين إستخدموا الخدع والإشاعات والتهويل للوصول إلى هذه النتيجة التي جعلتهم، وبحركة غادرة يحتلون كل مناطق ما أصطلح عليه بالمناطق المتنازع عليها، شرق الموصل وكركوك الغنيّة بالنفط، والعديد من مدن وقرى ديالى وصلاح الدين، وخط حمرين، ورغم يقيننا أن عظمة مثل هذه سوف تكون صعبه الإزدراء، إذ لا )زردوم( بمكنته تمرير هكذا عظمة، وأن الذين أقدموا على هذه الفعله عرضوا مصالح شعبهم إلى مخاطر، ربما لم يتوقعوها، أو لم يقدروا حجمها، إلا أننا الآن بصدد ما الذي يمكن أن يحدث بين الأخوة الأكراد وداعش التي ساعدوها.
من المؤكد ان القيادة الكردية العراقية لم تساعد داعش لكونها حليفة لها، فهي موضوعياً عدوة، لكن المصالح الآنية بين الطرفين إتفقت، فداعش ضد حكومة بغداد، اي كانت هذه الحكومة، حكومة المالكي أم سواه، والقادة الكرد ضد حكومة بغداد أي كانت أيضاً، وإضعاف الجيش العراقي وهزيمته مصلحة مشتركة للجانبين، بهذا الإضعاف وهذه الهزيمة تتمكن داعش من بسط هيمنتها على أراض واسعة ليس من الأنبار والموصل وتكريت فقط ، بل من ديالى، وعلى إمتداد جبال حمرين، وصولاً إلى شمالي الحلة، وربما يمتد التاثير والنفوذ إلى البادية الجنوبية المحاذية لمصدر إمداد داعش بالمال والرجال سابقاً، وحالياً، وربما لاحقاً، رغم بروز بعض التناحر الذي لم يتعزز بعد بمواقف ثابته بين داعش والسعودية، وهزيمة الجيش وإضعافه مصلحة أكيدة للقادة الكرد، لأنهم بذلك يستطيعون السيطرة على ما كان يسمى المناطق المتنازع عليها، وهي تشمل سهل نينوى، وكركوك الغنية بالنفط، ومدن هامة من ديالى، أهمها خانقين والسعدية وجلولاء، ولقد أتمت القيادة الكردية إحتلالها لهذه المناطق بأجمعها، بذريعة حماية قاطنيها من داعش بعد إنسحاب القوات العراقية منها، لكنها سرعان ما أعلنت أن الواقع الراهن لا يمكن القفز عليه، وهذه المناطق عادت إلى أصحابها الحقيقين، وأن البيشمركة سوف لن تنسحب، وأن على العراق منذ الآن أن يكون كونفدرالية من ثلاثة أقاليم، وإن إنشاء الإقليم السني أصبح واقعاً .. هكذا تقرر القيادة الكردية كيف يكون العراق، وتنطق لا باسم السنة فقط بل باسم العراق كله، متوهمة أنها حسمت الصراع ، ومن دون أن تطلق طلقة واحدة، ألا يبدو هذا النمط من التفكير شديد السذاجة؟!!
لقد قلنا في مقالة كتبت قبل عشرين عاماً، ونشرت حينها في القدس العربي، أن القادة الكرد لا يحاربون قادة العراق، لا يحاربون صدام، أو قاسم، أو نوري السعيد، وإنما يحاربون الكيان العراقي، إن مشلكتهم العراق ككيان، وليس الرؤساء العراقيين، ولا فرق أن يكون الرئيس الجعفري، أو المالكي، ولا يهم إن كان سنياً أم شيعياً، متأسلماً أم علمانياً، المهم أن يكون رئيساً لكيان هش، لا يملك من الدولة سوى إسمها، وأن يكون جسراً لإنشاء حلمهم في دولتهم الموعودة، ولسنا ضد حلمهم هذا، ولكننا ضد أن يتمدد الجبل فيبسط ظله ليس على السهل فحسب، وإنما لعمق الصحراء، في مغالطة لا تبني دولاً، وإنما تؤبد صراعات سوف لن تنتهي، وسوف تجعل الحلم الكردي الذي لسنا ضده من حيث الأساس، حلماً مستحيل المنال، كيف يمكن للقيادة الكردية تصور أنها عندما تستعدي عرب كركوك، بسنتهم وشيعتهم، وتركمان كركوك بسنتهم وشيعتهم، يمكن لها أن تخدم الشعب الكردي، او الناس القاطنين في إقليم كردستان العراق ، نقول أنه مثلما ليس بمقدور القوميين العرب المتعصبين بناء وطن متعدد القوميات والمذاهب اسمه العراق، فإن الكرد (القوميين المتعصبين) سوف لا ولن يقيموا دولة كردية بهذه الروحية، وإنهم سيواجهون مصاعب لا أول لها ولا آخر، تجعلهم ينشغلون بصراعهم ضد الذين كانوا أبناء جلدتهم، عن بناء دولتهم الموعودة، علماً بأن عرب كركوك غير منقطعين عن إمتدادهم، وأتراك كركوك غير منقطعين عن إمتدادهم أيضاً، والمحيط كله ( عرباً، فرساً، تركاً)، ولم يبق فيه إلا إسرائيل، التي لم يعد بإمكانها الآن حماية أحد .
هكذا دفعة واحدة أسفرت القيادة الكردية عن وجهها الحقيقي، دون مرعاة لمشاعر العراقيين، متوهمة أنها إنتصرت على العراق بالضربة القاضية عبر مساومة مع حثالات الأرض، نقول لا منجمين، ولا فاتحي فال، وإنما مستقرئين الوقائع، و تحولاتها الحتمية، لا الراهن الطاريء، الذي لا يُبنى ولا يقاس عليه، أن لا خارطة داعش المهبولة، ولا خارطة كردستان المتورمة يمكن لهما أن تفرضان على شعوب المنطقة ، لأن في الأولى تجاوز على حقوق مؤكدة لشعوب عاشت على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ولأن الثانية مفترضة من عقول تجاوزها الزمن منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، فما لم يستطع تحقيقة خوارج القرن الأول الهجري، وهم الأوعى، والأخلص، والأشجع، والأقرب إلى بساطة الحياة المعهودة آنذاك، لن يستطيع تحقيقه، مُخلقين أو مُبرمجين، مُجمعين من أصقاع الدنيا، يرون الدين لحية غير مشذبة، ودشداشة قصيرة، ونكاح جهاد، وتهديم نصب وتماثيل يرون فيها مثال صارخ للشرك، والذين يرون دخول المسيحي للكنيسة وصلاته أمام الصليب، إحياء للوثنية، ووعود وهمية بحور العين.
يوم كان الناس ، كل الناس يلبسون عباءة البدو الرحل، ويوم كان العالم يومذاك ليس أكثر من الجزيزة العربية، وبعض من العراق العربي، وأرض الشام ، ظهر أمثال هؤلاء في جزيرة العرب وقُبروا في جزيرة العرب، وإنتهى ذكرههم إلا من خلال روايات تُذكر وقصائد تُنشد، فإذا كان نجاح وإستمرار هؤلاء قبل ألف وأربعمئة عام غير ممكن، بحكم أن العرب كانوا على أعتاب تأسيس دولة مُتحضرة، فإن نجاح وإستمرار أشباههم الآن ليس مستحيلاً فقط، بل أنه يندرج في باب الخرافة، والمزحة ليس إلا .
داعش تنظيم وظيفي، وجد لتحقيق مجموعة مهام وأهداف، لا علاقة لها بالإسلام، ولا العرب، ولا علاقة لها بالحقوق، أو العدالة، وإقامة شرع الله، وليس من بين الأهداف والمهام تأسيس دولة ، فالعصابات قد تتحكم بدول لكنها لا تخلق، ولا تؤسس دول، ويوم يحقق من انشأوا داعش أهدافهم، أو يتيقنوا بعدم قدرتهم على تحقيق هذه الأهداف، تنتهي داعش فجأة كما ظهرت فجأة .
لا ولن تكون لداعش دولة، ولا خارطة، ولكن قد تكون لكردستان العراق دولة وخارطة، ولكن ليس بالحدود التي يرسمها القوميون الأكراد المتطرفون، فهؤلاء شأنهم شأن الدواعش يحفرون في بحر.
 

No comments:

Post a Comment