على من فُتحت نار جهنم؟!
صباح علي الشاهر
هدد رئيس الوزراء العراقي بإن نار جهنم ستفتح إذا لم يتم التمسك بالسياقات الدستورية، هو يرى أنها ستفتح، أما نحن فنرى إنها فُتحت، فُتحت يوم دعا إلى الأغلبية السياسية، فُتحت من الأقربين والأبعدين، الحلفاء والأعداء، الداخليين والخارجيين، ولكن على من؟ عليك يارئيس الوزراء، لقد ركبت مركباً صعباً، فهل تراك أعددت العدة له؟
نظام الأغلبية السياسية، هو النظام المعمول به في البلدان المسماة ديمقراطية، بفارق صوت واحد يحكم نصف الشعب، ويصبح نصف الشعب معارضة، ولا من معترض، ولو تم اللجوء إلى غير هذا الإسلوب، لما تمتعت هذه الدول بالإستقرار والإستمرارية وتراكم الإنجازات، لأصبح حالها كحالنا اليوم، كل مجموعة، مهما صغرت، تأخذ قطعة من السلطة، وتزاول مهامها في النهب والفساد، وهي تلعب في آن معاً دور السلطة والمعارضة.
لم يختاروا لنا النظام الذي إختاروه لإنفسهم، بل إختاروا لنا نظاماً لا يحقق القواعد الثلاث الاساسية في تطور أي بلد، ألا وهي الإستقرار والإستمرارية والنمو.
أما بالنسبة لنا فقد إختاروا نظاما لايحقق الإستقرار والإستمرارية، ولايشكل سلطة حقيقية قادرة على بناء مؤسسات وطنية بمقدورها تضميد جراح وطن أبتلي بالديكتاتورية السوداء عقوداً وبالإحتلال الهمجي والتدمير الذاتي ما يقارب العشر سنوات .
أحيوا في نفوس الناس وممارساتهم أكثر الأمور ظلامية وتخلفاً، وإنغلاقاً، حشرونا رغماً عنا بالطائفة والعنصر، والقبيلة، والجهة، وقالوا لنا تقاسموا هذا القدر من الكعكة الذي تركناه لكم.
حرضونا أن نهدر الجهد والوقت في الدفاع عن الطائفة، والمذهب، والعنصر، والجماعة، والمدينة التي نريدها إقليماً، ولربما دولة يتسابق العالم كله لخدمتها إسوة بدبي، ولم يدفعوننا يوماً للدفاع عن وطن اسمه العراق. نظروا لنا كأكراد، وتركمان، وسنة وشيعة، وشبك، وإيزيديين، وصابئة، ومسيحيين، وحرضوا بعضنا على بعض سراً وعلانية.
ولم يكن العراق يوماً بئر نفط نشأت عليه شركة، أنشأت فيما بعد دولة، وإنما كان العراق منذ أكثر من سبعة آلاف عاماً دولة بكل ما في الدولة من معنى، بسلطة وجيش وقانون، ونظام وحدود، وقواعد تحدد علاقة الناس بعضهم ببعض وعلاقتهم بالسلطة، وما كنا بحاجة في عام 2003 لكي تخلق لنا أمريكا دولة من عدم، كما خلقت بريطانيا أمثال هذه الدول في مناطق مختلفة من العالم.
المؤسف أننا، وبفعل السفهاء منا، نسينا هذا، وتصرفنا كشيع وقبائل وجماعات ما قبل التحضر، وبعد أن دقوا بيننا (عطر منشم) إمتهنا مهنة القتل والتدمير الذاتي، وتفوقنا بهذا الفعل على سوانا، وهو أمر لا يُفتخر به، بل يُخجل منه.
لقد فتحت يا رئيس الوزراء على نفسك نار كل من خطط كي يكون العراق هكذا، ليس أمريكا وبريطانيا فقط، بل العديد من دول المنطقة وما أبعد من هذا، فهل وضعت هذا بالحسبان، إذا كان الأمر هكذا فما بال كبار موظفيك يأملون دعم أمريكا وبريطانيا في حربكم ضد داعش؟.
كي تضع برنامجك في الأغلبية السياسية قيد التنفيذ ينبغي اليأس من هؤلاء، وعدم توقع الدعم منهم، بل الحصافة تستوجب الريبة منهم، وإتقاء شرورهم ومؤامراتهم، ولا أرى في الافق مثل هذا النهج، بل لقد فُتحت أبواب العرا ق، وفُتحت أبواب بغداد لآلاف الجواسيس الأمريكان والصهاينة بحجة أنهم مستشارين جاؤوا لمساعدة حكومة بغداد، فكيف يضع المرء خنجر خصمه في خاصرته؟!.
لقد أسس نظام المحاصصة، الذي تركز عبر عشر سنوات، جماعات لا تستطيع العيش من دونه، ليس فقط أحزاب وتنظيمات طائفية وعنصرية، وإنما حتى مؤسسات دينية، كانت فوق السياسة، وأصبحت في قلبها، وهذه أكبر خسارة للمؤسسات والمراجع الدينية، لأنها بدخولها في دهاليز السياسة ستقف حتماً مع طرف ضد طرف، وهذا ما بتنا نراه ونحس به بأكبر قدرمن الملموسية في الآونة الأخرى .
العراق كما خطط له المحتل، الملعب الملائم والمثالي للأحزاب والتنظيمات الطائفية والعنصرية، وهم سوف لن يقفوا مكتوفي الأيدي عند محاولتك هدّه، فكل حزب طائفي، وكل مرجعية دينية أكبر حجماً، وأعظم دوراً وتأثيراً في محيطها الطائفي والقومي، ويضعف حجمها ودورها في الفضاء الأكبر، الفضاء الوطني، فأن يتحكم حزب قومي كردي بجماعة الأكراد، أسهل وأهون بكثير من أن يتحكم بالعراق، وهذا يصدق على الأحزاب والتنظيمات الطائفية والدينية..
مع ( الأغلبية السياسية ) سيوضع العراق في الفضاء الوطني، وهذا يعني أنه سيخرج من عباءة الطائفة والعنصر، والعشيرة والجهة، وهذا الفضاء هو الذي سيبني العراق من جديد، ويعطي للديمقراطية زخمها وعنفوانها، وتأثيرها الفعلي والعملي على الساحة العراقية، باسرع مما يتصور البعض، إنهاء التناحر لا يتم بالتوافق بين مؤججي التناحر، ومشعلي الفتن، بل بإبعادهم عن ساحة القرار، وتقليم أظافر المستفيدين منه، في كل الميادين..
كل هؤلاء الطائفيين والعنصريين، بمختلف مشاربهم سيقفون بالظاهر والمعلن ضدك، لكنهم في الحقيقة ضد ( الأغلبية السياسية ) ، هم إذ يدعون إلى الحكومة الشاملة ، التي يشترك فيها الجميع، فإنما يدعون لمواصلة تقسيم ما تبقى من كعكة العراق عليهم، بإعتبارهم قد نصبوا أنفسهم ممثلين لهذه الطوائف والأثنيات والجماعات ..
أكثر من عشر سنوات مضت، و العراق كله، وليس ما تبقى من كعكته يقسم تقسيماً طائفياً وعنصرياً كما أراد المحتل وخطط، فتزداد الناس فقراً وضياعاً، وتهميشاً، وغربة في بلدها، أما الذين إرتدوا عباءة الطائفة والعنصر والجماعة، والتحقوا برأس البصل هذا أم ذاك، فيزدادون غنى، بحيث فاض غناهم فامتد على عواصم الدنيا وبنوكها..
رؤوس البصل التي تكاثرت، مع إزدياد واردات العراق النفطية، لن تصبر عليك يا رئيس الوزراء، ستتحرك ضدك، وقد تحركت فعلاً، هي لا تملك النفوذ والتأثير الإعلامي الطاغي فقط، بل تملك أظافر ستنشبها بلحمك ولحم أتباعك عندما تحين الساعة.. لقد وقفت أمام مصالهحا، لذا فقد بات اللعب على المكشوف .
لست من حزبك، ولم أنتخبك، ولم أنتخب سواك، ولم أفتخر يوماً بأني ممن صبغ إصبعه في الحبر البنفسجي، فقد كنت وما زلت ممن يعارض العملية السياسية، لأني عرفت، مثلما عرف سواي من الوطنيين أن هذه العملية المسماة سياسية، وبالشكل الذي رسمت فيه، سوف لن تؤدي بالعراق إلا إلى التناحر والدمار، وصولاً إلى التقسيم، وهو ما بات يطبق عملياً الآن مع مزيد الأسف، إلا أنني أقف إلى جانبك الآن، وأنت تخوض معركتك النبيلة ضد حيتان السياسة، وظلامي العصر، أقف معك لأنك قد لا تكون المنتصر سلطوياً، ولكن موقفك سينتصر حتماً، إذا لم يكن اليوم ففي الغد.
No comments:
Post a Comment