حرية التعبير، أم حرية التدمير!
صباح علي الشاهر
سنكون جميعاً على موعد بعد أيام قليلة لمعرفة من كان يكذب ويبالغ إعلامياً، من بين الأخوة الأعداء ؟
لقد سمعنا إدعاءات لا حصر لها، وليس لدينا ما يؤكد أي منها، إلا أنها صدرت من قياديين، أو أشخاص عاديين من كل الأطراف .
لقد شن الإعلام حملة بالغة السوء، إفتقدت أبسط مستلزمات المصداقية، حيث كان يكذب ليس على مدار اليوم، وإنما على مدار الساعة..
وبعد إختفاء مهرجين، ظهر مهرجون جدد لا يقلون تهريجاً عمن سبق، وإستمر بعض المهرجين السابقين في تهريجهم، رغم خسارتهم في الإنتخابات الأخيرة، وكأنهم يعوضون خسارة ثقة الناس بهم بالتهريج والصخب، والخطاب المتشنج، الذي هو خطاب الخاسر لذي لن يفقد شيئاً إذا تأزمت العلاقات بين القوى السياسية أكثر مما هي متأزمة.
من المعروف ان أي وسيلة إعلامية تتمسك بالحدود الدنيا من المصداقية تكون حذرة من تكرار الأخطاء، أو في الأقل توالي هذه الأخطاء في أوقات متقاربة، ليس فقط خشية من فقدان المصداقية، وإنما خشية أيضاً من المحاسبة من قبل الإدارة والممولين، الذين وضعوا أموالهم في هذا المشروع الإعلامي كي يربحوا، ولكي يربحوا فإن عليهم جذب المستمع أو القاريء أو المشاهد إلى وسيلتهم الإعلامية عن طريق التفنن في هذا الجذب، ليس فقط بتطوير التقنيات، وإنما بإرتداء رداء الموضوعية، ولو الموضوعية النسبية، أما وسائل إعلامنا فقد تجاوزت كل حد، وباتت مسخرة، تماماً مثلما أضحى ممولوها الذين هم سياسيون فاشلون ومختلفون بعضهم مع بعض مسخرة أيضاً، كيف يمكن أن نتوقع المصداقية من وسيلة إعلامية مديرها، وصاحبها ، وممولها كذّاب أشر، من أسس هذه الوسيلة، إن كان هو فعلاً من أسسها، لم يؤسسها إيماناً بالإعلام والكلمة الحرة، وإنما كي تكون وسيلة لخدمته شخصياً، وخدمة مصالحه وتطلعاته، ولإسقاط خصومه، ليس السياسين، فلا منهج ولا برنامج ولا فكر سياسي محدد لسيساسي الصدفة هؤلاء، وإنما خصومه الذين يقفون أو سيقفون أمام مصالحه الذاتية الضيقة، التي يلبسها أحياناً لبوس الدين، أو المذهب، وأحياناً المدينة والعشيرة، والجماعة المتغيرّة بإستمرار ، والتي لا تثبت على شيء، لا موقف ولا رأي .
أليس أمراً ملفتاً للإنتباه، أن لكل مسؤول، كبير أم صغير، قناته التلفزيونية، وجريدته، وحشد من الكتبة، الذين إمتهنوا الإرتزاق بالحرف والكلمة؟
لو تتبعنا مسيرة البعض من هؤلاء لهالنا أنهم، وإلى ما قبل الإحتلال بأيام، لم يكن لهم أي إهتمام بالشأن الثقافي، الذي لم يتعاطوه في حياتهم كلها، ثم اصبحوا بعد الإحتلال، وبقدرة قادر ، قادته وسادته، المحددين لمساراته!
هؤلاء المأزومون، نقلوا أزماتهم إلى إعلامهم الذي يملكون، ونشروا غسيلهم القذر على الملأ ، مستعملين خطاباً يعف عنه خطاب الشوارع الخلفية، خطاب لا تربطه بالسياسة، والثقافة، والإعلام أي رابطة، وإنما هو خطاب ردحي، سوقي بإمتياز.
هل كان مطلوب منهم إجترار هذا الخطاب الإحترابي، التسقيطي، المؤدي حتماً إلى إسلوب واحد الا وهو تصفية الآخر المختلف، هذا الآخر الذي شيطنوه لدرجة سلبوا منه أي ملمح إنساني، وبالتالي باتت تصفيته أمر مبرر ومطلوب.
تُرى هل إنتهاج هذا النهج بسبب تخلف وغباء هؤلاء، أم أنه أمر مَطلوب ومُستهدف، ومُخطط له من قبل اولئك الذين منحوهم قدرة التحكم بالإعلام، بكل أشكاله، وبالترافق مع سياسة الترويع والصدمة، وصولاً لجعل العراقي يشهر بندقيته بوجه أخيه العراقي، ليس بإعتباره مختلف مذهبياً وعرقياً فقط، بل بإعتباره مختلف من حيث الجماعة والتوجه، ولا أقول مختلف سياسياً ، إذ لم تبلغ العملية السياسية مرحلة الإختلافات السياسية بعد، إذ لم نر بعد إنقضاء أكثر من عشر سنوات إختلافات سياسية برنامجية، مؤطرة بفكر سياسي، وإنما الذي نراه تناحرات بليدة، بالغة السذاجة والسطحية، آنية الهدف والغرض، تتعلق بالكرسي، والمواقع، والمنافع الشخصية، والإستئثار، وهو ماكان يرغب به من أطلقوهم، وجعلوهم المتحكم بالإعلام، ومنحوهم إحتكاره ورسم سياساته، وتحديد ساحات عمله.
لقد أسس هذا الإعلام المُخرّب للتناحر، والإختلاف حد التقاتل بين العراقيين، ليس فقط بين قومية وأخرى، ومذهب وآخر، وإنما بين الناس بعضهم مع بعض، وأسهم بحفر الخنادق العميقة ليس بين قومية وأخرى، ولا مذهب وآخر، وإنما بين الناس بعضهم مع بعض، وحارب بقصدية إجراميّة مُمنهجة كل ما يمكن أن يوّحد أبناء البلد الواحد، أو يساعد على تلاحمهم . لقد بدأ الإحتراب على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد، ثم تكرّس في الشارع موتاً ودماراً.
لقد أُبدل الخطاب الراقي، المتسم بروحية الجدل المعرفي، والبحث عن ما يخدم، بالخطاب الإنفعالي، المُستفز، والإقصائي، لقد كانت البرنامج حزم لا نهائية من الكذب، والدجل، وإستغفال الناس، والحواريات ميداناً للتنفيس عن الأحقاد، ومدرسة لتعلم الخديعة والحيل والكذب المنظم، والإساءة التي تصل لحد هتك الإعراض، وإستحضار كل ما يثلم الوحدة، ويشرعن الإحتراب والتناحر، كل هذا كان يتم تحت يافطة الديمقراطية وحرية التعبير، التي لم تكن في حقيقتها سوى حرية التدمير.
لقد خلق الإعلام لكل حي مطربه، وياليته أطربنا، في حين كان عليه أن يخلق الأشياء التي توحدنا، مطربنا أو مطربينا الذين نُجمع عليهم، أبطالنا العراقيين، كتابنا العراقيين، فنانينا العراقيين، مبدعينا العراقيين، علمائنا العراقيين، لقد أبدل ما يجمع بما يفرق، ولم يكن هذا عبثاً ، ولا مجرد خطأ، أو سهو، أو غفلة، وإنما كان أمراً مقصوداً، ومخططاً له .
لقد أردوا للعراق أن يضيع، ويكونوا هم مشيعوه إلى مثواه الأخير، وهم أيضاً الندّابون والنائحون!
يؤسسون لديكتاتورية العائلات الدينية، وغير الدينية بحجة الخشية من إعادة الديكتاوتورية، لذا فهم حرصاً على الديمقراطية يبطلون رأي الشعب، ويتجاوزون صناديق الإقتراع، قصد الحيلولة دون ظهور صدام جديد.
وبصناديق الإقتراع التي تأتي بالرئيس، أي رئيس، يمكن أن نزيل ونسقط أي رئيس، ولكن بأي صناديق إقتراع يمكن أن نزيل مسعود، أو عمار، أو مقتدى، إفتونا يرحمكم الله يا ديمقراطيو آخر زمن!
No comments:
Post a Comment