Monday, 11 August 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: عن كفاية والمتطاولين عليها

 
 
image
 
 
 
 
 
|
( ) 2011 (: 125 ). .. .. .. .. . ( ) .
Preview by Yahoo
 
  
 
عن كفاية والمتطاولين عليها
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(اليوم السابع 11/8/2014)
 
منذ عدة أيامٍ وقَفَ مُحامٍ فى قاعة المحكمة (تسانده آلةٌ إعلاميةٌ ضخمةٌ خارجها) وتمطّع وتنطّع واتهّم حركة كفاية بأنها قبضت ثمن اشتراكها فى المؤامرة الكونية ضد موكله العفيف الشريف النظيف اللطيف الذى كان جاثماً على مصر قبل يناير 2011 (ملحوظة: موكله هذا مُدانٌ حالياً بحكمٍ قضائىٍ بسرقة 125 مليون جنيه هى قطرةٌ فى بحر فساده وهى جريمة القرن الحقيقية التى يتعامون عنها ويركزون على القضية التى عَبَثَ نظامه بأدلتها).
مثلى لم يترك لأبنائه إرثاً بعد رحلة العمر إلا سمعةً طيبةً .. فى القلب منها انتماؤه إلى أنبل وأشرف حركات المقاومة وأكثر مبتكرات المصريين عبقريةً فى التاريخ الحديث .. الحركة المصرية من أجل التغيير ..  رفّة الفراشة الشهيرة بحركة كفاية .. لكن يبدو أن السَفَلَة يستكثرون علينا حتى هذا الاعتزاز.
عندما كان هذا المتطاول يتقاضى ثمن دفاعه عن الجواسيس والشواذ والقَتَلة والفاسدين وكل الملوثين فى الأرض، كان هناك نوعٌ مختلفٌ من المصريين فى حركة كفاية يدفعون من أعمارهم وسمعتهم ومناصبهم وأرزاقهم (ولا يزالون) ثمن وقوفهم فى وجه رأس نظام الاستبداد والفساد الذى جرّف الوطن وحاول أن يُقزّمه ليكون على مقاس ابنه.
كان كلٌ منهم قبل ذلك مستقراً فى حياته، وبعضُهم أعلامٌ فى مجالاتهم .. وعندما طَفَح الكيل وظهر الفساد فى البر والبحر والجو وبدا واضحاً أن رأس النظام مُصّرٌ على الاستمرار فى حُكمه المزوّر حتى آخر نَفَسٍ فى صدره ثم يُورّثه لابنه محدود الكفاءة والموهبة .. كان يمكنهم أن يكتفوا بمقاومة هذه الإهانة وهذا الفساد والاستبداد بقلوبهم وهو أضعف الإيمان .. لكنهم أَبَواْ أن يكتفوا بمصمصة الشفاه .. فخلَعوا أرديتهم وانتماءاتهم السياسية ولم يتدثروا إلا برداء الوطن .. وشكّلوا هذه الحركة النبيلة .. وفاجأوا مصر والعالم بهتافهم المدوّى .. لا للتمديد .. لا للتوريث .. وظلوا سنواتٍ يقفون بأعدادهم القليلة على سلّم نقابة الصحفيين، كفرض كفايةٍ عن ملايين المصريين .. كانوا ينوبون عن شعبٍ بأكمله .. ووصَل الأمر أحياناً لأن يقف محمد عبد القدوس وحيداً حاملاً ميكروفونه فى يدٍ وعَلَمَ مصر فى اليد الأخرى .. وبينما جحافل الأمن المركزى (المغلوبة على أمرها) تسحقنا فى تظاهراتنا القليلة العدد، كان كبار الكفائيين كعبد الوهاب المسيرى يصرون على أن نهتف ونحن نتساقط .. سلمية .. سلمية .. كان كلٌ منّا على ثغرٍ من ثغور الوطن يذود عنه .. وكان الثغر الذى تشرّفتُ مع آخرين بالذود عنه هو جبهة المال العام الذى تداعى عليه الأَكَلةُ من مصاصى الدماء .. وانبثقت من كفاية كل حركات المقاومة فى نهايات عصر مبارك.
فى البداية تعامل المصريون مع هذه الثُلّة المجاهدة بالدهشة .. ثم تحولت الدهشة إلى إشفاق .. وتحوّل الإشفاقُ إلى إعجاب .. ثم تحوّل الإعجابُ إلى تضامن .. وتحوّل التضامن إلى انضمام .. ثم احتضنتهم مصرُ وذابوا هم بين الملايين التى نزلت إلى الميادين لتخلع الطاغية.
كنتُ سعيد الحظ بأن مَنّ الله علىّ بالانتماء إلى هذه الحركة العظيمة التى جاورتُ فيها قاماتٍ من أمثال عبد الوهاب المسيرى ومحمد أبو الغار وعبد الجليل مصطفى ومحمد الأشقر وجورج إسحق وأحمد بهاء الدين شعبان وأحمد السيد النجار والدكتور عمرو حلمى وكمال أبو عيطة وكريمة الحفناوى وعمرو الشوبكى وحنّا جريس ومحسنة توفيق وجمال أسعد ومحمد السعيد إدريس وصنع الله إبراهيم وجمال فهمى وطارق النبراوى ومصطفى كامل السيد وعبد الخالق فاروق ونادر فرجانى وعبد العزيز مخيون وعبد العظيم المغربى وعبد الغفار شكر وعزازى على عزازى وعصام الاسلامبولى ووفاء المصرى ويحيى القزاز وغيرهم ممن لا تسعفنى الذاكرة  وتضيق المساحة بحصرهم .. قاماتٌ يعتز بهم المصريون ويجلّونهم ويعرفون أنهم من النوع الذى يُعطى ولا يأخذ، وأن نَعلَ الواحد منهم أنظف من كل الكائنات العفنة التى عادت تلوّث حياتنا مرةً أخرى .. قاماتٌ رفيعةٌ وعاليةٌ لا يقبضون الثمن كهؤلاء المتطاولين، وإنما يدفعون ثمن حبهم لوطنهم راضين مرضيين .. نسأل الله تعالى أن يتقبل ما دفعه أبطال كفاية من أثمانٍ من أجل هذا الوطن المبتلى .. أثمانٌ يعرف المصريون بعضها، كالثمن الذى دَفَعَه أحد منسقى حركة كفاية العظام .. العالم الوطنى الجليل الدكتور عبد الوهاب المسيرى عندما اختُطف من ميدان السيدة زينب وهو فى السبعين من عمره مريضاً بالسرطان، وأُلقى فى الصحراء مع زوجته العالمة الجليلة الدكتورة هدى حجازى فى برد يناير فأُصيب بالتهابٍ رئوىٍ شديدٍ ومات بعد ذلك بستة شهور ..
وكالثمن الذى دَفَعَه منسقٌ آخر لهذه الحركة النبيلة .. الصحفى الوطنى الدكتور عبد الحليم قنديل الذى ضُرِب ضرباً مُبّرحاً ثم تم تجريده من ملابسه وتُرِك فى منطقةٍ نائيةٍ فى ليلةٍ قارسة البرودة مع تحذيرٍ له بألا ينتقد مظاهر التوريث مرةً أخرى.
وغير ذلك من أثمانٍ دفعها رموز كفاية المشهورون، فضلاً عن أثمانٍ أخرى دفَعَها المئاتُ من شباب كفاية ومجهوليها دون أن يشعر بهم أحد.
المصريون يعرفون ذلك جيداً، وإذا كان البعض قد نسى فالأمر لا يدعو للانزعاج .. تكفى نظرةٌ واحدةٌ إلى مبارك والذين يدافعون عنه من الإعلاميين والمحامين والصحفيين .. ستجدونه يُشبههم وهم يشبهونه .. ويلخصون عصراً كاملاً .. مجرد رؤيتهم تُثبت أننا كنا على الحق.
وقد اندهشتُ لاندهاش البعض مما قاله المتطاول .. وأتعجّبُ هل كانوا يتوقعون منه غير ذلك؟ فلا هو نبيل الهلالى قديس المحاماة الذى أفنى عمره دفاعاً عن المضطهدين والمظلومين .. ولا هو سيف الإسلام حمد أحد رهبان الدفاع عن حقوق الإنسان .. هو لا ينتمى لأىٍ من أنماط المحامين المحترمين التى نعرفها .. هو ماركةٌ فريدةٌ  مسجلةٌ باسمه .. عنوانها (الرجل لمن يدفع له) .. تلك هى سمعته وسمعة من هم على شاكلته .. لذلك فالسؤال الأهم هو(هذا الرجل لمن يدفع له .. فمن الذى دفع ويدفع له؟) .. تلك هى القضية التى يجب أن تشغلنا وتشغل الدولة أكثر مما يهرتل به الرجل فى مرافعاته .. فالإجابة لا تخرج عن أحد احتماليْن وكلاهما يجب أن يخضع للتحقيق: إما أن يكون الذى دَفع ويدفع له الملايين هو موكلّه المخلوع .. فيكون السؤال الحتمى هنا (ومن أين للمخلوع هذه الملايين بغضّ النظر عن أنه مُتحفّظٌ على أمواله أصلاً؟) .. وإما أن يكون الذى دفع ويدفع له عناصر خارجية، فيكون السؤال الحتمى هنا (أليست تلك قضية تمويلٍ خارجىٍ أم أن مصر صارت بلداً مستباحاً؟) .. طبعاً هناك احتمالٌ ثالثٌ يدخل فى باب الدعابة والفكاهة وهو أن يكون الرجل يتصدى للقضية متطوعاً !!!!.
عودةٌ إلى السيرة العطرة .. سيرة كفاية .. فمنذ أيامٍ سألتنى صغرى أبنائى بأسىً (لقد أفنيتم عمركم فى سبيل الوطن الذى تغرسون فينا محبته ولم تأخذوا من حطام الدنيا شيئاً إلا السمعة .. وهاهم الفاسدون الذين قاومتموهم يعودون أكثر تبجحاً ويتهمونكم بما هم متهَمون به .. ففيمَ كان النضال؟) .. فقلتُ لها: يا ابنتى .. بعد عشرين عاماً من المقاومة غير المتكافئة من البطل عمر المختار وصحبه ضد الاحتلال الإيطالى .. وبعد أن خان من خان، وباع من باع،  وأطبق المستعمرون على الثُلّة القليلة المتبقية .. سأله أحدُ الصامدين معه (لماذا نستمر فى المقاومة واحتمالاتُ النصر منعدمة؟)،  فأجابه البطل الثمانينى (لكى يفخر أحفادنا ويقولوا عندما يتحدثون عن زماننا: كان هناك رجال).
فلا تجزعى يا بُنيّتى مِن هذا التطاولِ مدفوعِ الثمن الذى ينفجر فى وجوهنا ويظن أنه يستطيع إعادة كتابة التاريخ على هواه .. سيذهب أبوكِ وزملاؤه فى كفاية إلى دار الحق .. وسيذهب مبارك وأعوانه ومحاموه وإعلاميوه ومذيعاته وفضائياته واستوديوهاته التحليلية وكل هذا الغثاء .. وسيذهب العجوز المتطاول، ويَبلَى الروبُ الذى يرتديه والنقود التى يتقاضاها .. وستجلسين إلى أحفادك ذات يومٍ يسألونكِ، كيف تجرّأ هذا النظام الفاسد المستبد على مصر فى هذه الفترة المخصومة من عمر الوطن وسعى للتوريث دون أدنى اعتبارٍ للشعب، ألم يكن هناك من يقاوم؟ .. عندها ستتذكرين أباك وزملاءه وتترحمين عليهم ثم تتسع ابتسامتُك وتقولين لأحفادك بفخرٍ ( لا .. لقد كان هناك رجال) .. يُرضينا ويكفينا أن يكون هذا نصيبَنا من الدنيا.
 
 
 
 

No comments:

Post a Comment