عبد الستار قاسم
لا تكتفي الأنظمة العربية بالتآمر على القضايا القومية العربية، ولا تكتفي بالعزوف عن الاستعداد لمواجهة التحديات التي تعصف بالوطن العربي، إنما هي تسعى إلى عرقلة كل الغيورين على الأمة العربية ووطنها الكبير، وتعمل بصورة متعمدة ضد كل من يحاول الدفاع عن المصالح العربية ومواجهة الأعداء وعلى رأسهم الكيان الصهيوني. لقد أعلنت أنظمة عربية أو اتفقت على أن حزب الله إرهابي، ولا يتردد كتاب وأكاديميون ينافقون لهذه الأنظمة في وصف حركة حماس على أنها إرهابية. المقاومة العربية في لبنان وفلسطين تقدم التضحيات الجسام دفاعا عن شرف الأمة العربية وحياضها وأمن أبنائها والأنظمة العربية منهمكة في التشهير بهذه المقاومة وتشويه صورتها بهدف نيل رضا الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
قبل توجيه الاتهامات لأحد يتوجب تقديم تعريف للإرهاب، أو ربما يجب أن يخرج تعريف للإرهاب من مؤتمر دولي تشارك فيه مختلف الدول ليكون مقياسا نستطيع من خلاله تحقيق الفهم المتبادل للمقصود من الاتهام. سبق أن طالبت العراق وسوريا بعقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب حتى لا يبقى المفهوم محاصرا بالنوايا والمصالح الأمريكية والصهيونية. أمريكا والكيان الصهيوني عملا على مدى عقود على توزيع تهم الإرهاب مزاجيا فألصقتا تهم الإرهاب بمن لا يتفق مع سياساتهما، وطبطبا على ظهور من يتوافقون معهما. هذه المزاجية غير مقبولة لا من الناحية العلمية ولا من الناحية الإنسانية.
إزاء ضغط بعض الدول مثل سوريا والتي أصرت على ضرورة مناقشة مسألة إرهاب الدولة، قدم البيت الأبيض تعريفا للإرهاب، وكذلك فعلت وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية. وبصورة عامة يمكن إجمال التعريفات الأمريكية في القول إن الإرهاب هو استخدام العنف من قبل جماعات أو تنظيمات ضد المدنيين للحصول على مكاسب سياسية. هذا تعريف أمريكي لا يرضي الجميع لأنه لا يذكر إرهاب الدولة. فإذا كنا سنتبنى هذا التعريف فماذا سنقول عن حصار غزة وحصار العراق وحصار ليبيا واليمن وإيران؟ ألا تستعمل الدول القوة لفرض الحصار عسى أن يشعر المدنيون بضيق شديد فيثورون ضد السلطات الحاكمة وينهون حكمها ويمهدون بذلك الطريق أمام هيمنة الذين يحاصرون؟ حصار غزة يعرقل الحياة المدنية ويؤذي المدنيين بشدة، وهو مفروض لكي يضج الناس فيثورون ضد المقاومة وينهون وجودها. وهذه هي النتيجة التي ينتظرها الكيان الصهيوني، وتنتظرها أنظمة عربية وأسيادها في الغرب.
تهمة الإرهاب ليست سهلة ولا يتم اتخاذها مزاجيا. لا بد من توفر معايير واضحة يتم وفقها توجيه تهمة الإرهاب لدولة أو تنظيم أو حزب أو حتى لفرد. لكن يبدو أن حكام العرب يحلمون أثناء نومهم فيسارعون في الصباح لترجمة أحلامهم إلى قرارات سياسية. وليت الأنظمة العربية التي توجه تهمة الإرهاب لحزب الله توضح للجمهور العربي الأسس التي بنت قرارها السياسي ضد حزب الله. ربما استاءت الأنظمة العربية من تدخل حزب الله في سوريا، لكن هذا الاستياء يجب أن يكون وفق رؤية موضوعية وليس مزاجية. حزب الله لم يكن الوحيد الذي تدخل في سوريا، وهناك أنظمة عربية عديدة تدخلت قبل أن يرسل حزب الله جنديا واحدا إلى سوريا. السعودية وعدد من دول الخليج والأردن تدخلت في العراق وسوريا ومولت تنظيمات وزودتها بالأسلحة والذخائر، وعدد لا بأس به من أهلنا العراقيين سقطوا قتلى وجرحى بسبب هذا الدعم. ولولا الدعم العربي المالي والتسليحي للتنظيمات لما عم الخراب والدمار سوريا. نحن نرى تشريد الشعب السوري، ونشاهد الدمار الهائل الذي يلحق بسوريا، وما زال المال والسلاح يتدفقان إلى ميادين القتال، ولم نعمل بجد بحثا عن حل يوقف النزيف السوري.
والأنظمة العربية لم تتحدث عن إرهاب الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويهجر ملايين الفلسطينيين ويقتل يوميا من الفلسطينيين العزل الذين لا يملكون سلاحا للدفاع عن أنفسهم. بالتعريف الاحتلال إرهابي لأنه، وفق التعريف الأمريكي، يستعمل القوة ضد المدنيين لحصاد نتائج سياسية يرغب بها. يبدو أن العمى قد أصاب الأنظمة العربية وبالتحديد وزراء داخلية هذه الأنظمة فتجاوزوا البحث في إرهاب الأنظمة العربية وأجهزة أمنها وإرهاب الكيان الصهيوني.
الأنظمة العربية تتجاوز الإرهاب الصهيوني لأن وجود هذه الأنظمة مرتبط بالكيان الصهيوني. الكيان الصهيوني سعيد بوجود هذه الأنظمة لأنها لم تكن يوما جادة في قتال الصهاينة أو في تحرير فلسطين، ولهذا يعمل هذا الكيان باستمرا على الحفاظ على هذه الأنظمة ويظاهر على إزالة أنظمة أخرى قد تتنفس قليلا ضده أو تحرض على مقاومته. الأنظمة العربية تخشى أن يكون مصيرها كمصير النظامين العراقي والليبي، وتعي تماما أن طيب العلاقة مع الكيان الصهيوني يبعد عنها شرور أهل الغرب وقدرتهم على تغيير الحكام العرب بسهولة. في حين أن المقاومة تحرج الأنظمة العربية، والأنظمة تخشى بقاءها وتتمنى لو يقضي عليها الكيان الصهيوني. نجاح المقاومة هو فشل للأنظمة، وربما تؤدي قدرتها على تحدي الكيان الصهيوني إلى تأليب الشعوب العربية ضدها فتنهار. ولهذا يبقى حزب الله وحماس بالنسبة لهذه الأنظمة إرهابيين بينما يبقى الكيان دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وفي حماية ميثاقها.
القانون الدولي الذي تتمسك به الأنظمة العربية يشرعن المقاومة، ويرى أنه من حق الشعوب التي تقع تحت الاحتلال أن تقاومه بكافة الوسائل والأساليب. بينما بعتبر هذا القانون الاستيلاء على أرض الغير بالقوة غير شرعي. أنظمتنا القمعية العربية ترى عكس ذلك، ومن يصف المقاومة بالإرهاب لا يمكن إلا أن يكون إرهابيا.
No comments:
Post a Comment