عندما فتحوا قلبى
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 3 مايو 2016)
الحمد لله على نِعَمِه التى لا تُحصى .. حَفظنى من توابع جلطةٍ فى القلب أُصِبتُ بها وعِشتُ معها دون أن أدرى أحد عشر يوماً إلى أن ذهبتُ إلى مركز سلمان الدبوس للقلب فى الكويت قبل ساعاتٍ من سفرى للقاهرة فاحتُجِزتُ ثلاثةً وثلاثين يوماً، أُجريت لى خلالهاعملية قلبٍ مفتوح كبيرة (استبداال 4 شرايين) استمرت أربعة عشر ساعة متواصلة بواسطة جراح القلب العالمى رياض الطرزى (فلسطينى أمريكى) ومعه فريقه الدولى العبقرى: محمد عبد الرحمن بدوى (طب عين شمس) وماهيندا (الهند) وزولت (المجر) وعادل ماهر (طب أسيوط) وجارا (الهند) وعمر (السودان) وعبد العليم (مصر) وآخرون، يعاونهم فريق مساعدة طبية رائع أغلبه من الهند والفلبين والأردن إلا أن للمصرى الوحيد بينهم ياسر حسن مكاناً متميزاً.
غمرنى الأحباب من كافة ألوان الطيف السياسى والثقافى المصرى بمئاتٍ من رسائل ومكالمات الاطمئنان .. لكن ما أثار دهشة زوارى أن بعضهم ممن تختلف آراؤهم ومواقفهم مع بعضهم البعض (ومعى أحياناً) .. قلت لهم لا شئ يدعو للدهشة .. كلهم وطنيون يحبون مصر وإن اختلفت الرؤى .. قد يختلف بعضهم خارج قلبى لكنهم داخله شئٌ آخر .. قلبٌ بلا احتقان .. قلتُ للدكتور محمد عبد الرحمن بدوى عندما تفتح قلبى ستجد الجميع داخله متجاورين فلا تُخرج منهم أحداً .. يجمعهم حُبّى لهم وبالتأكيد حُبُّهم لى .. فالحب عاطفةٌ من اتجاهين .. إذا كنتَ تُحِّبُ إنساناً فتأكَّد أنه لا بد يُحبُّك .. تعودت أن أختلف وأتفهم وأعذر دون أن يُنقص ذلك من حبى للأشخاص شيئاً .. لذلك ستجد فى قلبى حمدى رزق إلى جوار فهمى هويدى .. حمدين مع عبد المنعم أبو الفتوح .. عمرو موسى وعبد الجليل مصطفى مع مجدى قرقر وعبد الرحمن يوسف .. .. أحمد النجار ومحمد عبد الهادى علام مع إبراهيم عيسى وبلال فضل والأسوانى.. وكثيرون غيرهم .. فضلاً عن مئات من أصدقاء العمر فى الجيش المصرى العظيم وقطاع الأعمال ومركز إعداد القادة والجيران والأقارب الذين غمرتنى محبتهم وآخرون تضيق المساحة بذكرهم.
أُصِبتُ وعولجتُ فى هذا البلد الطيب .. الكويت .. لكننى لم أشعر بالغُربة وسط هذا الشعب مصرى الهوى .. فلم تنقطع زيارات الأشقاء (رغم المنع) .. ليس فقط أصدقاء العمل الحالى وإنما الأصدقاء القدامى (الدكتور رشيد حمد الحمد وزير التعليم وسفير الكويت السابق فى القاهرة مثالٌ) .. أما المصريون فى الكويت فالكلمات لا تسعفنى للتعبير عن الامتنان لهم .. لا سيما من لا أعرفهم ولكنهم علموا بمكان العملية من وسائل التواصل.
أجمل ما فى مركز الدبوس للقلب أنهم يعالجون مرضى متعددى الجنسيات والطوائف والأديان على قدم المساواة الطبية .. يتعاملون معهم كبشرٍ لا كزبائن .. كان إلى جوارى فى العناية المُركزة عاملٌ بنغالى فقير بلا أهلٍ فى الكويت .. وكويتىٌ ثرىٌ .. وتبَّاعٌ هندىٌ مقطوع من شجرة .. وكنا نلقى نفس الاهتمام والمعاملة بلا أدنى تفرقة .. ما أجمل الطب عندما يعود لإنسانيته.
لكن المركز فى حد ذاته يلخص منظومةً ثلاثية أحلم أن تتحقق فى مصر .. أول أضلاعها رجل أعمالٍ يتصدق بالمبنى وتجهيزه كاملاً، وهو فى حالتنا سلمان العبد لله الدبوس رحمه الله حياً أو ميتاً .. ودولةٌ (ممثلة فى وزارة الصحة) تتولى الإشراف الكامل .. وإدارةٌ حازمةٌ مُطلقة الصلاحيات تُعَيِّنُها الدولة .. تتعدد المراكز المشابهة فى الكويت ومنها على سبيل المثال مركز محمد عبد الرحمن البحر للعيون .. عدد المليارديرات فى مصر أكبر منه فى الكويت لكن أحداً منهم على حد معلوماتى لم يُنشئ مركزاً متخصصاً شبيهاً .. فمركز الكلى فى المنصورة أنشأه صديقنا الكبير محمد غنيم بعد أن حصل على تمويلٍ هولندى (أرجو ألاَّ يُضيفه أحد المواطنين الشرفاء إلى قضية التمويل الأجنبى) .. وهو فى النهاية ليس رجل أعمالٍ وإنما طبيبٌ مصرىٌ إنسان نَذَر حياته من أجل فقراء بلده ورفض كل العروض الخارجية المُغرية لإدارة مراكز شبيهة .. أما مركز مجدى يعقوب للقلب فقد جاء بمبادرةٍ من الرجل العظيم وهو أيضاً ليس رجل أعمالٍ وقد شاهدتُ مؤخراً إعلانات تليفزيونية يستحث فيها الرجلُ أهلَ الخير ليتبرعوا للمركز حتى يستمر فى عطائه .. مرةً أخرى أين رجال أعمالنا؟..
ها هو الشأن العام يشغلنى رغماً عنى ورغم تعليمات الأطباء .. وشَغَلتُكم بتجربتى الخاصة فاغفروا لى .. وأختم بأن أقول إن الأطباء عندما فتحوا قلبى لم يسمحوا لأحدٍ بالخروج منه وإنما أضافوا مساحةً جديدة بشرايين متسعة لضيوفٍ جُدُد .. دخولٌ بلا خروج .. فأهلاً بالأحباب .. والحمد لله.
No comments:
Post a Comment