Sunday, 29 May 2016

{الفكر القومي العربي} مصطفى عبيد يكتب : عارنا الذى فى " أبو قرقاص "..


عارنا الذى  فى أبى قرقاص

 

جريمتنا لا جريمتهم .عارنا لا عارهم . مهانتنا جميعا نحن الذين تثاقفنا وحملنا أقلاماً لنكتُب ونرصد ونُحلل ، عن أحلام لا تتحقق ، وأوطان لا تُبنى ، ومُجتمعات مُتحضرة لا تقوم أبداً .

ما جرى فى قرية كرم بمركز أبى قرقاص فى المنيا يلسع الروح ويذبح النفس ويئد بقايا الإنسانية فى أدمغتنا المُغلقة . إذلال مصريين بأيدى مصريين ، وفضح علنى لسيدة اقتربت من حافة القبر لا لشئ سوى لكونها أم لشخص أقام علاقة مع سيدة تنتمى لديانة الأغلبية. هرب العاشق الذى ينتمى للاقلية كما يحدث دائماً فى الصعيد ، وتتبعت عائلة السيدة الخائنة أسرته فطاردوا أشقائه ، وأحرقوا بيوتهم ولما لم يجدوا سوى أمه أحضروها وزفوها عارية فى شوارع القرية إمعانا فى المهانة والإذلال .

أى عقول ونفوس وقلوب تسمح بمثل هذا العُرف الموغل فى التخلُف والبداوة والقروسطية ! أى دولة تُغمض عيونها وتصُك سمعها عن قهر طائفة من المصريين بسبب خطيئة فرد ؟ وأى قانون يحكم بلد تمتد حضارته آلاف السنين وصار عُرضة للإختراق والتجاهل دون أى رد فعل ؟ وأى مجتمع اهتم بالمُشاهدة وانشغل بالثرثرة ولم يعرف أن السيدة المسُنة التى زُفت عارية هى أُمنا جميعاً ؟

أن تكون مسيحياً فى مصر يعنى أن تكون آخراً ، غيراً ، غريباً ، مُختلفاً ، لكن أن تكون مسيحيا فى الصعيد تحديدا فإن ذلك يعنى أنك خادم ، وعبد ، ومغلوب على أمرك دائما . لا حديث عن حقوق دستورية ، ولا دولة القانون ، ولا حضارة الخمسة آلاف سنة فى ظل هذا القهر المُجتمعى الرهيب .

حكى لى ضابط شرطة صديق يعمل فى المنيا وقائع مروعة حول نظرة العامة إلى المسيحيين فى محافظات الجنوب والتى لا تستند إلى دين أو قانون سوى أعراف الغابة . هُناك على غير المُسلم أن يسير ضعيفاً ، وأن يبدو دائما مُضطهدا ، ومقهورا ، وألا يرفع صوته ولا يُجاهر بشعائره ، ولا يشكو مُسلماً ، وأن يكون على استعداد تام للرحيل عن بيته وأرضه إن تسبب أحد من أسرته أو أقربائه فى مشكلة ما . بمعنى آخر أن يسير فوق الرصيف ، ويعترف بالمذلة ، ويقبل بالهوان إن ارتكب أحد من طائفته خطأ .

والحكومة ؟ والشرطة " والقانون ؟ أسأل صديقى فيفاجئنا بأن التعليمات دائما هى الصمت ، وعدم التدخل ، وتغليب الأعراف على القوانين ." لو تدخلنا مُساندين للحق فستتسع الأمور ، ولن تُصبح قادرين على شئ" .

هكذا يقودنا المُجتمع الجاهلى . ينتصر بأعرافه وعادات أهله الجائرة ، ولا يعترف بألفية ثالثة ولا عولمة أو تطور تكنولوجى ، ويغرق سفينة الوطن فى لجاج مُعتمة ، ويشوه الدين ويسئ إليه .

الصمت جريمة ، لذا كتبت هذا المقال ، وحسبى أننى فعلت ما أستطيع .

والله أعلم .

مصطفى عبيد

 

mostafawfd@hotmail.com



المقال على الرابط


https://www.albawabhnews.com/1956263




No comments:

Post a Comment