متى يُحاكَم الرئيسُ بتهمة إهانة القضاء ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
بعد أيامٍ قليلةٍ (16 يناير) يمر عامٌ على صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بتأييد حكم محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة المؤكِد لمصرية جزيرتى تيران وصنافير وأنه (لا وجود لسيادةٍ أخرى تُزاحم مصر فى هذا التواجد، بل إنه لم تكن هناك دولةٌ غير مصر تمارس أى نشاطٍ عسكرىٍ أو أى نشاطٍ من أى نوعٍ على الجزيرتين باعتبارهما جزءاً من أراضيها .. كما لم يثبت على الإطلاق ممارسة المملكة العربية السعودية لأى مظهرٍ من مظاهر السيادة على الجزيرتين سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها) .. وأحكام المحكمة الإدارية العليا هى أحكامٌ نهائيةٌ وباتة ولا يجوز الطعن عليها وواجبة التنفيذ على أكبر مسؤولٍ فى الدولة .. لكن أكبر مسؤولٍ فى الدولة امتنع عن تنفيذ الحُكم الذى كان من شأنه أن يوفر له تراجعاً كريماً ومخرجاً آمناً من الكارثة الوطنية التى ما كان له أن ينزلق إليها أصلاً، ومن العار الذى سيظل ملتصقاً باسمه إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها .. ووفقاً للقانون المصرى، فإن عدم تنفيذ الأحكام القضائية يستوجب الحبس (وقد صدرت أحكامٌ بالحبس من قبل لهذا السبب طالت رؤساء شركاتٍ ومصالح حكومية .. بل ورئيس وزراء أسبق) .. هذا عن وجوبية تنفيذ الأحكام بِغَّضِ النظر عن مضمونها .. فما بالُنا ومضمون الحكم من النوع الذى يَطرَبُ له كلُ ذى فِطرةٍ وطنيةٍ سَوِّيةٍ ولا يجادل فيه إلا غافلٌ أو خائن .. فهو يُقِّرُ بمصرية أرضنا (وهى مصريةٌ حتى ولو لم يحكم القضاءُ بذلك) .. وقد صار معلوماً فى العالم كله (إلا إعلام أشرف بك) أن التفريط فى الجزيرتين هو حجر الأساس فى صفقة العار التى سَمَّاها الرئيسُ صفقة القرن .. وأبرمها مَن لا يملك مع من لا يستحق .. ولم يُكَّلِف الرئيسُ نفسَه عناء أن يشرح لشعبه ما اتفق عليه من خلفه (باعتباره أدرى بمصلحتنا من أنفسنا).
كان من المفترض ألَّا يُغضِب هذا الحُكمُ أحداً إلا نتينياهو .. فإذا بالرئيس يشاركه الغضب(!) .. بل ولا يحاول أن يُدارى غضبه اتقاءً لشبهة الشخصنة .. فلم يكتفِ بعدم تنفيذ هذا الحكم واجب التنفيذ والبات والنهائى، ضارباً به وبالدستور عرضَ الحائط جهاراً نهاراً .. وإنما استصدر من برلمانه المُعَّلَبِ قانوناً يطلق يده فى تعيين رؤساء الهيئات القضائية ويطعن مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات .. ثم تجاوز كل الأعراف والأصول المرعية والمستقرة ولم يحترم قرار الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة بالإجماع باختيار المستشار الأقدم يحيى الدكرورى رئيساً لمجلس الدولة.
قبل أيامٍ أُدينَ حوالى عشرين شخصاً عن (أقوالٍ) نُسِبت إليهم واستقر فى ضمير القاضى أنها تُمثل إهانةً للقضاء وحُكِم على كلٍ منهم بالحبس ثلاث سنواتٍ وتعويضٍ مؤقتٍ مليون جنيه، ويعلم اللهُ كم سيبلغ التعويض النهائى .. أليس فيما ارتكبه الرئيس من (أفعالٍ لا أقوالٍ) ما يكفى لمحاكمته فى يومٍ ما بتهمة إهانة القضاء؟ هذه تُهَمٌ لا تسقط بالتقادم ويُحاكَمُ مرتكبها ولو كان فى قبره .. لذلك كان سؤال العنوان بِمتى لا بِهل.
هذا عن إهانة القضاء .. أما إهانة الدستور فهى لا تستوجب المحاكمة فقط ولكنها تنزع الشرعية عن مرتكبها .. فالعقد بين الشعب والحاكم هو الدستور .. فإذا أَخَّلَ بالعقد سقطت شرعيته.
أما ما صاحَب إهانة القضاء والدستور من تنكيلٍ بكل من رفع الأعلام المصرية واعترض سلمياً على التفريط فى الأرض المصرية بالتوازى مع الاحتفاء المُخجِل بكل من أَيَّد التفريط ورفع الأعلام الأجنبية، فهو يتجاوز إهانة القضاء والدستور إلى إهانة الشعب .. ولا أعتقد أن القانون قد نَظَّم طريقة التعامل مع مرتكبى هذه الجريمة .. إذ أنها سابقةٌ لم تحدث من قبل .. ومن ثمَّ فإن المُشَّرِعُ المصرى لم يتخيل إمكانيةَ حدوثها.
فى تاريخ مصر الطويل سنواتٌ عجافٌ تعرضت فيها أراضيها للاحتلال إلى أن يظهر من أبنائها من يحررها .. أما أن يُفَّرِط حاكمٌ فى أرض مصر طواعيةً فذلك ما لم يحدث أبداً على مدى سبعة آلاف سنة .. وشاء اللهُ أن نكون شُهودَه .. فما أتعسنا.
(مصر العربية- السبت 13 يناير 2018).
No comments:
Post a Comment