من قبل Reda Abd Alhamid.
حمزة قناوي يرد على «الفقي»: ظلمت عبدالناصر وثورة 23 يوليو يا دكتور مصطفى
أرسل حمزة قناوي، كاتب وأكاديمي مصري مقيم في الخارج، مقالا إلى «المصري اليوم» للرد على مقال الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، والذي نشر في الجريدة بتاريخ 15 يوليو تحت عنوان «شهر الثورات».
وانتقد قناوي، في مقاله، بعض العبارات التي جاءت في مقال «الفقي»، وتحمل تقييمًا غير دقيق عن ثورة 23 يوليو، معربا عن دهشته من صدور تلك الأوصاف عن رجل سياسة وسُلطة، يعرف التاريخ جيداً، فضلا عن أنه يعد «في حكم من عمل على صناعة أحداثه».
وأشار قناوي إلى أن الفقي وصف أحداث الأيام الأولى للثورة بأنها «حدث مروع»، متسائلا عن ماهية هذا «الحدث المروع»؟، لافتا إلى عدم دقة ما ذكره مدير مكتبة الإسكندرية بشأن ا«لمحصلة النهائية لثورة 23 يوليو حيث محى اسم (ثورة) عنها ووصفها بالأحداث، فضلا عن أنه رأى أن نتائجها تتقاسم السلبية والإيجابية».
وأكد قناوي أن ثورةَ 23 يوليو كانت أهمَ حدثٍ في القرن العشرين إلى جانب ثورة الصين بقيادة ماو تسي تونج، حيث كان عليها بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أن يقتلع الاستعمار، وأن يواجه نظام الدولتين المهيمنتين، وأن يجمع شتات الأمة العربية التي كان معظمها لا يزال تحتَ الاحتلال الأجنبي، وأن يواجه إسرائيل ويجمع بين الجيش والشعب.
وشدد قناوي على هذه كانت عملية «جبارة» أمام أي قائد سياسي حكمت عليه لحظته التاريخية وموقعه من التاريخ أن يتصدى لكل هذه المهام الجسيمة معا، فكان لا بد أن تكون للثورةِ بعض أخطائها.
وفيما يلي نص المقال، الذي يأتي تحت عنوان: «إلى د. مصطفى الفقي.. ظلمت جمال عبدالناصر وثورة يوليو معاً»
طالعت باستغراب شديد مقال الدكتور مصطفى الفقي المنشور في «المصري اليوم» بتاريخ 15 يوليو بعنوان (شهر الثورات!)»، مع علامة التعجب التي أوردها ولا أعرف سببها!، وما أدهشني في المقال أنه يصدر عن رجل سياسة وسُلطة، يعرف التاريخ جيداً، وفي حكم من عمل على صناعة أحداثه، على الأقل في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، ومن هنا فقد اندهشت من عباراتٍ أوردها الكاتب عن جمال عبدالناصر وتقييمه لثورة يوليو، قائلاً: (وقد انطلقَ صوت المذياع من القاهرة يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 ليعلن قيام الجيش بحركة مباركة للتغيير والتطهير، ثم تواصلت البيانات والأحداث بدءًا من إقصاء الملك فاروق والإعلان عن ابنه الرضيع ملكًا تحت الوصاية، فكان الحدث مروعًا).. فهل يرى الدكتور الفقي ثورة يوليو حدثاً مُروِّعاً؟ أم أنه قصدَ إقصاء الملك فاروق (الذي عاملته الثورة بكل تقديرٍ وأطلقات مدافع ضباطها 21 طلقةً تحيةٍ عَسكريةٍ لَهُ وهو في مركبه مغادراً مصر بعدما أدوا له التحية العسكرية مباشرةً أمامه)؟
يواصل الدكتور الفقي مقاله قائلاً: (فى ظنى أن خلو 23 يوليو 1952 من مضمون فكري وثقافي قد جعلها عرضة لكثيرٍ من مطالب التغيير، وقد اكتسبت اسم «ثورة» من شعبيتها، أما التغييرات التي أحدثتها فمازالت قضية خلافية بين كثير من المصريين، ولكن المحصلة النهائية لأحداث يوليو عام 1952 لا تزال جاثمةً على الأرض، واضحةً لكُلِ ذى عَينين، بعضُها إيجابى وبعضها سلبى.. ولكن المؤكد أن معظم إجراءاتها قد جاءت بدوافع طيبة، ولكنها لم تجد التطبيق الصحيح ولا التنفيذ الرشيد، فكانت النتيجة أن بدت تلك الثورة محدودة فيما يتصل بتغيير الإنسان المصرى).. فالدكتور الفقي لا يرى في «حركة الجيش» ثورةً من الأساس وأن نتائجها على الإنسان المصري تقاسمت السلبية والإيجابية.. وهذا كلامٌ أراه غيرَ دقيق.
إن ثورة مصر بقيادة جمال عبدالناصر كانت أهمَ حدثٍ في القرن العشرين إلى جانب ثورة الصين بقيادة ماو تسي تونج – وكانت إشكالية الثورة المصرية بقيادة عبدالناصر إشكاليةً غاية في التعقيد، فقد كان عليه أن يقتلعَ الاستعمار وأن يواجه نظام الدولتين المهيمنتين حسب نظام مؤتمر يالطا، وأن يجمع شتات الأمة العربية- وكان معظمها لا يزالُ تحتَ الاحتلال العسكري الغربي- وأن يواجه إسرائيل ويجمع بين الجيش والشعب، ومن أجل هذا كان عليه أن يستأصل الموجة الغربية في طلائع الفكر والسياسة في مصر وأن يجمع القوى الوطنية المؤمنة بالقومية العربية وبالدائرة الإسلامية والإفريقية، أي أن عليه أن يقلب الدفة تماماً في الحياة العامة السياسية والفكرية في مصر، وإلى حد ما في المشرق وشمال إفريقيا.
وكانت هذه عملية «جبارة» بمعنى الكلمة أمام أي قائدٍ سياسيٍّ حكمت عليه لحظته التاريخية وموقعه من التاريخ أن يتصدى لكل هذه المهام الجسيمة معاً، فكان لا بد أن تكون للثورةِ بعض أخطائِها، لاسيما وأن معظم القوى السياسية لم تدرك المغزى التاريخي لجمال عبدالناصر وأن من أدرك هذا المغزى حاول أن يحصره في النظام السياسي أو الطبقي (وهذه هي زاوية رؤية الدكتور الفقي بالمناسبة).
ورغم هذا ففي الثمانية عشر عاماً التي قاد فيها عبدالناصر مصر والأمة العربية زال الاحتلال العسكري من أراضي الوطن العربي، وأدخلَ عبدالناصر مَفهومَ الاشتراكية العلمية إلى صلب الحركة الوطنية، وركز على السيادة والاستقلال الوطني العربي، وهو الذي أرسى حدودَ السياسةِ الخارجية العربية وأوجد صيغة التحالف الموضوعي مع الدول الاشتراكية على أساس شعار «نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا». فهذه المعاني والدروس التي رسّخها ثورة يوليو في التاريخ المصري والعربي والعالمي.. هذه التجربة الوطنية العظيمة لا يمكن أن يعاديها إنسان.
لقد أدركت كل القوى المصرية الوطنية المخلصة، والحركة اليسارية الوطنية النزيهة والمناضلة «معنى» جمال عبدالناصر، وكانت معه دائماً منذ عام 1954 وصاعداً حتى عام 1961 عندما قام «التنظيم السياسي» كان اليسار الوطني في صلب ذلك التنظيم (الاتحاد الاشتراكي العربي ) وفي حرب 1967 وفي حرب الاستنزاف وفي إعادة الحياة بعد عام 1967.
فالثورة بقيادة جمال عبدالناصر قامت بكل هذه المنجزات الوطنية الهائلة لاستعادة مصر ومواجهة قوى الاستعمار والهيمنة ورسم مصائر العالم، واستطاع أن يجعل من «مصر الثورة» أيقونةً للتحرر في العالم بأجمعه، خلال فترة قصيرة نسبياً وهي ثمانية عشر عاماً، قبل أن يذهب عبدالناصر نفسه ضحية الحملة المضادة من الغرب الذي قرر مواجهته لكسر صعود مصر الوطني وتبوؤها مكانها ومكانتها المستحقة من التاريخ والعالم.
إنني أرجو من الدكتور مصطفى الفقي، أن يراجع التاريخ جيداً، ويعيد قراءة حقائقه، فثمة مسلَّمات في التاريخ لا يمكن الاختلاف حولها كوجهات نظر أو اعتبارها قابلةً للمراجعةِ بنسف ثوابتها ومنجزاتها، كما فعل مع عبدالناصر، (تاريخه ومنجزاته أكبر من أي تقييم) ومع ثورة يوليو العظيمة التي ألهمت العالم وحركت قوى تحرره ونهضته، بشهادة – أو باعتراف- أعداء جمال عبدالناصر، قبل مناصريه.
• كاتب وأكاديمي مصري مقيم في الخارج
Hamza_qenawy@hotmail.com
No comments:
Post a Comment