Friday, 16 April 2021

{الفكر القومي العربي} عودة العلاقات المصرية- التركية قد تصبح عنوانا لعام ٢٠٢١.

أعتقد أن عودة العلاقات المصرية- التركية قد تصبح عنوانا لعام ٢٠٢١.
مصر وتركيا دولتان كبيرتان في المنطقة. الأولى على أبواب أفريقيا، والثانية على أبواب أوروبا. الاقتصاد التركي قوي نسبيا، والثروة السكانية المصرية مهمة وتمثل ربع سكان المنطقة العربية مجتمعة، إضافة إلى المزايا الجغرافية والثروات الكامنة.
أعتقد أن تركيا سوف تستثمر عودة العلاقات مع مصر بشكل برجماتي تماما، وسوف تستفيد منها اقتصاديا وسياحيا وأمنيا وجيوسياسيا. وسوف تعيد تموضعها في ظل وجود الإدارة الأمريكية الجديدة التي لا تعنيها إطلاقا التفاصيل بين الدول. وبالتالي، على هذه الدول أن تتصرف مع بعضها البعض، ومع نفسها لتتمكن من التعامل إقليميا ودوليا. وهذا ينطبق أيضا على مصر.
أعتقد أن القاهرة قادرة أيضا على استخدام هذه الفرصة بشكل برجماتي تماما لا مكان فيه للعواطف والأحاسيس والحماسات والتفاصيل التافهة والعلاقات الهشة التي يجب أن تأخذ ترتيبا متأخرا في سلم الأولويات، وخاصة في ظل تلك المرحلة الانتقالية الخطيرة التي يمر بها العالم للدخول إلى منظومة عالمية جديدة في غضون السنوات العشرين المقبلة.
نتمنى أن تكون القاهرة مدركة لذاتها ولمصالحها، خاصة وأن عودة العلاقات مع دولة مثل تركيا، تحرر القاهرة نسبيا من قبضة دول الخليج، ومن قبضة روسيا. وعلى القاهرة أن تدير هذه المعادلة بحكمة وحصافة، انطلاقا من مصالحها القومية حصرا وببرجماتية صرفة.
قد تستطيع القاهرة أن تستفيد من عودة العلاقات مع تركيا في الملف الأمني وملف الحريات، لتراجع علاقاتها مع أوروبا إيجابيا. وهي العلاقات التي تكاد تنهار بسبب إصرار القاهرة على مسارات لا تتوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفضها العديد من المشروعات الأوروبية المهمة. الآن، ستستفيد القاهرة وأنقرة، وستقدمان نفسيهما مجددا وبشكل جديد إلى بعضهما البعض، وإلى أوروبا.
القاهرة لعبت على التناقضات الروسية- الأوروبية، واستفادت نسبيا. وعليها أن تعرف الخط الذي يجب أن تتوقف عنده حتى لا يتم إفساد الأمور، وتصبح العودة إلى المسارات السابقة صعبة. وسيسمح ذلك بعودة العلاقات الطبيعية مع الدول الأوروبية، لتصبح لدى مصر مساحة أكبر للمناورة والاستفادة، والتحرر من بعض الارتباطات والالتزامات الثقيلة وغير المجدية للقاهرة.
لا مشاكل أو أزمات في السياسة الكبرى تحل بين يوم وليلة. ولكن مصر ستلتقط أنفاسها في ملف ليبيا. وطبعا يجب ألا تنام أو تسترخي، لأن الملف مهم ويستحق العمل الجدي لاسباب كثيرة، ومن أجل فوائد أكثر. وستجد القاهرة المزيد من الوقت والجهد والتركيز في ملف سد النهضة. وربما يتمكن "المفاوض المصري" من استثمار عودة العلاقات المصرية التركية في ترتيب الملف الأثيوبي، وملفات أخرى مفيدة للقاهرة.
وفي زحام الملفات وإعادة ترتيبها، وفي ظل إعادة التموضع، لا يجب أن تنسى القاهرة الملف الأهم بالنسبة لها، وهو الملف السوداني الذي يجب أن يتزحزح عن صيغته "الأمنية" ليصبح ملفا اقتصاديا واجتماعيا وجيوسياسا، لأن السودان هو الدولة الوحيدة التي يمكن أن تقدم لها مصر تنازلات ملموسة من أجل تعميق العلاقات وتنسيق الملفات. الملف السوداني، ليس ملفا أمنيا، وإنما ملفا مصيريا شاملا بالنسبة للقاهرة. وكل ما يقدم إلى السودان لا يضيع هباء، بل يعود إلى مصر بأشكال وصيغ مختلفة، ويعتبر تراكما تاريخيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. السودان يمثل أحد أهم حوائط الدفاع بالنسبة لمصر...

No comments:

Post a Comment