دولة الأسرى أولى بالولاء
بقلم الصحافية مجدولين حسونه
كيف يمكن لسجن أن يتسع لشعبٍ من الإرادة يختصرهُ جسد مُنهك!
فريقٌ من هذا الشعب يدخل التاريخ من معدته وفريقٌ آخر يدخلهُ من كبريائه وكرامته، من صموده وعيون الزمن المذهولة بهم، الفريق الأول هو من تجمهر لأجل أكبر صحن مفتول في التاريخ ولم يتجمهر لأجل أطول جوع في نفس التاريخ، والفريق الثاني جَمَعَ قطيع أمله بنا "شعبا وحكومة" وقدمها أضحية لكرامة وطن لا عيد فيه.
هناك أشياء كثيرة تموت فينا على مَهل، أمامنا كل القدرات والمقومات لترميمها لكننا أضعف من ذلك بكثير، سابقا كُنا نتحول لأطفال يصرخون ويفقدون عقولهم عندما يتعلق الأمر بسلب حقوقهم، فنقاوم ونهرع لنصرة حقنا، أما الآن صرنا نمر بمحاذاة الحق ولا نلمسه، نتقن طلاء الظلم على الجدران التي يستند عليها وطن شارف على التصدع دون أن نكلف أنفسنا بمعرفة وتطبيق جوهر الحق، وأي حق!، حقنا في الحياة داخل وطن نملك فيه السماء قبل أن تملكنا أرضه، وحقنا في حرية تداوي كل الندوب التي حفرها السجن في أجساد من فيه.
الأسرى المضربين عن الطعام لم يكونوا يوما خرافا ليجعلوا المبادئ علفا يقتاتون منها لحين خروجهم من السجن، كانت وسيلتهم الوحيدة إنضاج الفكرة والإعتناء بها من تربة الجسد الذي يتحلل بالإضراب، وعلى نار الشوق للحرية، هؤلاء لن تلزمهم الكروش الممتلئة بخيرات الشعب والجيوب الفائضة بأموال المظلومين، كل ممتلكاتهم تتلخص بفكرة يرفضون من خلالها كل ما ليس له علاقة بالكرامة.
أيمن الشراونة وسامر العيساوي أصحاب أطول إضراب عن الطعام في التاريخ، يليهم طارق قعدان وجعفر عز الدين ويوسف شعبان أؤلئك الذين عرفوا جيدا كيف يقولوا "لا"، يستندون على الموت بعكازة يهشون فيها حياة لا كرامة فيها، أؤلئك لا يحتاجون إلى تاريخ مُسطر على صفحات جينس لأنهم يكتبون التاريخ بصمودهم، لا يحتاجون لكلمات بسيطة وخبر في جريدة أو مقال يسرد معاناتهم، هم بحاجة لوقفة حقيقية لا تقتصر على عشرات ومئات من المتضامنين معهم مثل التي تحصل في المدن الفلسطينية، وقفة تضم آلاف المواطنين كتلك التي يلبي لأجلها أبناء فلسطين نداء أحزابهم في ذكرى إنطلاقاتها.
الذي يشاهد حماس وهي تحتفل بانطلاقتها في الضفة الغربية وفتح أيضا في قطاع غزة يبتسم للمدلولات الرائعة لتلك الإحتفالات والتي تنذر بردم هوة الإنقسام التي أودت بوحدتنا، لكنها في الوقت ذاته تثير في النفس ضرورة إعادة التفكير بمفهوم إنتماء الفلسطيني، فالفرد مِنا ولاءه للحزب يفوق ولاءه للوطن ولقضاياه، مع العلم أن معظم الأحزاب توجه بوصلتها نحو هذه القضايا، لكن هناك تعلق عجيب من قبل الأفراد بالحزب لدرجة أنهم يلبون نداء قادة الأحزاب دون تفكير، الهدوء والثورة باتت بأوامر منهم، حتى أن المقاومة باتت ترد الأذى عند تعرضها له لا بمبادرة منها.
إنتماء الفلسطيني للحزب يجعله يحصر تفكيره ويحد من تطلعاته الوطنية، ومهما كان الحزب ذات مبادئ رائعة إلا أنه في وضعنا هذا آفة تصيب عقل المواطن لأنه بطريقة أو بأخرى يضطر الفرد للتفكير ضمن نطاق مبادئ حزبه وربما يعجز فيما بعد عن قول "لا" لأي خطأ يقترفه الحزب، وهذا الأمر يقودنا للتفكير مليا عندما نرى الآف الفلسطينيين من مختلف الأحزاب يحتفلون بإنطلاقة حزبهم ولا نرى مثل هذا التجمع في إعتصامات الأسرى، أين يكون هؤلاء والأسرى في ضيافة الموت؟، ألم يعد الشعب يتجمهر إلا من أجل الرقص "لينسى أو ليلهو".
يؤسفني أن الفرد ينتمي للحزب ويعلن الولاء له أكثر من إنتمائه لقضاياه ووطنه الذي لن تقوم له قائمة ما دمنا بهذه العقلية الحزبية.
في هذا الوطن وحدهم الأسرى ينهارون حول قضيتهم ويلتف حولهم الذين اعتادوا على تعليق شجاعتهم ومعاناتهم وساما على صدورهم، المواطن لم تعد تعنيه سوى الأسهم المنخفضة للكرامة الإقتصادية، وبات خط الفقر طريق مستقيم عرفت الحكومة جيدا كيف تجعل شعب بأكمله يسير على برزخه، أما المعونات الخارجية والصدقات العربية والغربية ألقت بالمواطن في جنة صرف الراتب ونار تأخره. القيادة الفلسطينية توشحت أمام العالم بنصر أي أسير في نيل حريته عن طريق أمعائه الخاوية، وبالنهاية لا يسعها سوى المباركة لهم او التباكي عليهم وفي أسوأ الأحوال إنتظار مصيرهم المجهول بصمت.
كما تقاسموا دماء الشهداء ها هم يتقاسمون جوع الأسرى، ففي وطني يحترفون رياضة التسلق بعيدا عن الجبال وعلى ظهور العباد ودماء الشهداء ومعاناة الأسرى وروعة الإنجازات.
الأسير المحرر بلال ذياب الذي خاض معركة الأمعاء الخاوية رغب في توجيه سؤال لسلام فياض خلال مؤتمر –لأجل الأسرى- قال فيه "(ماذا تقول) بعد أكثر من 200 يوم إضراباعن الطعام؟" أما أنا بودي لو كان السؤال لكل قيادي في الحكومة :"(ماذا تفعلون) بعد أكثر من 200 يوم إضرابا عن الطعام" وجودكم وقلته واحدة بصحبة قلة حيلتكم تجاه أسمى قضايانا.
يوما ما وفي إحدى مقالاتي رجوت الأسرى أن لا يصدقوننا، وطلبت منهم أن يصدقوا أنفسهم التي تنتمي للظلام لأجل شعب يعشق الضوء، ويوما آخر كتبت أننا "خذلناهم" فلم يكونوا يوما على رأس أولوياتنا، لم نغضب لأجلهم، لم نتوان في إهمالهم، صرنا أكثر إنشغالا من تذكر موتهم وأقل إخلاصا في إنتظار عودتهم، والآن لا أدرى ماذا يمكن أن أكتب بعد، أخشى أن تتغذى الكلمات من نبضهم، أخشى أن تنافق، أخشى أن لا تصلهم، أخشى أن تعجز عن الصراخ في وجه العالم وأنا لا أملك سواها وهي الفوهة الوحيدة المتبقية من بندقية لم أعد أمتلكها.
أعتذر لأيمن، لسامر، لجعفر، لطارق، ليوسف، لكل إسم سمعنا صداه من خلف القضبان ولم نر ذاك البطل الذي يحمله.
كما دوما، أكرر إعلاني الولاء لكم " فالأسرى دولة تستحق أن نُعل لها الولاء".
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi?hl=en.
For more options, visit https://groups.google.com/groups/opt_out.
No comments:
Post a Comment