Saturday 26 January 2013

{الفكر القومي العربي} جدل الانسان في القرآن الكريم بقلم:الناصر خشيني


جدل الانسان في القرآن الكريم بقلم:الناصر خشيني

الناصر خشينيمن دون شك ان الكائن الجدلي الوحيد في هذا الكون هو الانسان بخلاف ما ذهبت اليه الماركسية من اعتبارها أن المادة هي الجدلية و الانسان يتبعها الى حيث هي ماضية وهو بالتالي مجرد من الفاعلية , أما الليبرالية التي تستند الى الهيجلية فتعتبر أن الفكر مجرد الفكر بمعزل عن الانسان هو الجدلي و الانسان في هذين الفكرين محكوم عليه بالجبرية و انعدام القدرة على الفعل المؤثر في حركة التاريخ و الكون في حين أن القرآن الكريم حافل بالاهتمام بالانسان كفرد ( الجدل الفردي ) أو كمجتمع ( الجدل الاجتماعي )مؤكدا (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَل وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) 54 الكهف وقد تكررت كلمة الانسان فيه خمسا وستين مرة يوضح فيها عدة حقائق تخص الانسان وحقيقته بشكل واضح من لدن خالقه العليم الخبير بأغوار نفسه و حقيقته كما هي موضوعيا . وقد بين القرآن ضعف الانسان و جحوده و كفره بالنعمة و استعجاله و ظلمه و جهله و هلعه و فجوره و طغيانه في حالات الرفاه و النعمة و تذلله و انقياده في حالات العجز كما بين القرآن أصل خلقته الوضيعة من مني يمنى و ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب وأن أصله من طين أي من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض التي يعيش عليها و لكن الله سبحانه و تعالى و بالرغم من مواصفات الضعف هذه قد أمده بوسائل وامكانيات تجعله متفوقا على كل الكائنات الأخرى فهو عبارة عن حلقة وسط بين الكائنات العليا و الدنيا فالدنيا كالحيوانات و النباتات غير جدلية لأنها تنفعل مع الطبيعة سلبيا فتؤثر و تتأثر بها لا اراديا بحيث ان الجدل الذي نقصده هو التفاعل الايجابي مع القدرة على التأثير في الأحداث و احداث أثر ايجابي وارادي فيها بحيث يمكن للانسان أن يفعل أو يترك أمرا بناء على ارادته الحرة أي امتلاكه للحرية في حين أن الحيوانات و النباتات ليس لها مثل هذا التفاعل الحر .

وفي نفس الوقت فان المخلوقات العليا كالملائكة المخلوقة من نور تسير على وتيرة واحدة و لها قوانينها النوعية الخاصة بها بحيث انهم يفعلون ما يؤمرون وليس لها ارادة حرة تحركها في أي اتجاه شاءت .

وبناء عليه يتميز الانسان عليها جميعا باعتباره كائنا حرا مريدا يمتلك عقلا يميز به بين الأشياء و علما يقدر به استيعاب الأشياء من حوله و تفكيك رموزها و التأثير فيها ايجابيا بالتواصل و الابقاء على ما هو مفيد و نافع و تجنب ما فيه مضرة و مفسدة . في حين أن الكائنات الأخرى تتفاعل مع الطبيعة لا اراديا أما الانسان فقد خلقه الله خليفة له في هذا الكون

و زوده بامكانيات الخلافة من حرية و علم و عقل و ارادة و أضاف اليه القدرة على العمل عن طريق تلك العلاقة الجدلية بين يديه المرنتين و عقله الفذ على انجاز أعمال عظيمة سواء في دقتها أو ضخامتها للتأكيد على أن الانسان كائن جدلي ووحيد في هذا الكون دون منازع وهكذا فالانسان يمكن أن ينزل الى الحضيض الى مادون الحيوانات اذا اتبع هواه

و شهواته و انساق وراءها غير مبال بدوره الخطير و العظيم في هذا الكون وكما يمكن أن يصل الى القمة اذا نهى النفس عن الهوى و استجاب لما يحييه و قام بدوره في الخلافة بما هو أهل له من استقامة و تفكير سوي .

وقد فهم المسلمون الأوائل هذه الحقائق الخالدة في القرآن و انطلقوا الى العالم فاتحين لا مستعمرين يبشرون الانسانية بقيم الخير و الحق و العدل ويبنون حضارة راقية في شتى المجالات واذا اعترضتهم صعوبات و عراقيل و أحداث عظيمة كالغزو الأجنبي لم ترتعد فرائصهم خوفا و هلعا و انما باشروا دورهم الانساني في التحرير و العودة للبناء من جديد بعد حل مشكلتهم الكبرى وكذلك تفعل هذه الأمة في كل وقت كما يفعل الآن العراقيون و الفلسطينيون فان موازين القوى ليست لصالحهم و لكن مع ذلك يحققون انجازات على الأرض تعبر بحق عن انتمائهم لحضارة عريقة تستمد جذورها من القرآن الكريم .

نشر في naceurkhchini, ثقافة وفنون, دراسات, كتاب التقدمية

--
--

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi?hl=en.
For more options, visit https://groups.google.com/groups/opt_out.
 
 

No comments:

Post a Comment