Monday 28 January 2013

{الفكر القومي العربي} المثقف الحق والنخبة المفترى عليها

المثقف الحق والنخبة المفترى عليها
بقلم
دكتور محمد نبيل جامع
"إهداء لمثقفة بحق غير مشهورة، أستاذة وداد عبده"
29 يناير 2013
سمك، لبن، تمر هندي. هذه هي النخبة بالتحليل الموضوعي الذي يراها فئات متميزة تحتل قمة  البناء الهرمي لطوائف سبع هي:
1.      النخبة الحاكمة (السياسية).
2.      النخبة الصناعية والتجارية أو النخبة البرجوازية.
3.      النخبة العسكرية والأمنية.
4.      النخبة البيروقراطية، أو كبار رجال الحكومة.
5.      النخبة المهنية، مثل المحامين والإعلاميين.
6.      النخبة الزراعية.
7.      النخبة الدينية.
(أنظر المقال السابق: النخبة، هل هي شر لابد منه؟   http://akhbarelyom.org.eg/news121925.aspx)
تشترك هذه النخب في شيء واحد أساسي، ألا وهو التمتع بنعيم الحياة وشهواتها من مال وبنين وشهرة وسلطة ونسوة وعزوة وغرور وحرية قد تبلغ حدود الفسق والفجور والبغي والطغيان. وكان يطلق عليهم في القديم أيضا "قيادات المؤسسة أو الإيستابلشمنت Establishment".
هل هذه هي النخبة، أو الصفوة؟ للأسف، نعم هي، بالتحليل الموضوعي. ولكن لو كان الأمر كذلك لأصبحت النخبة الحقة (بالمفهوم الأصيل لها) ضحية الظلم والافتراء. إذن، فأستبيح القارئ الكريم عذرا أن نسحب مصطلح "النخبة" هذا من هذه الفئات السبع سابقة الذكر أعلاه لنطلق عليها وبما يتناسب مع طبيعتها مصطلح "المترفين". وهؤلاء هم إذن ما ينطبق عليهم قول الحق سبحانه جل جلاله وتعالت قدرته "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً، الإسراء16). وربما يكون هذا هو السر الأساسي وراء كره الناس لهؤلاء المترفين أو تلك النخبة بالمفهوم الشائع.
ومع هذا فلا يمكن أن نفترض الفسق في النخبة سابقة الذكر أعلاه. فقد قال كثيرون في ذم بني أمية، وكَذًب ذلك من هم أكثر، ولكن أيا كان الأمر، فمِن بني أمية عثمان بن عفان وخالد بن سعيد بن العاص خامس المسلمين الأوائل رضي الله عنهما. وبمعنى آخر يمكن أن يكون من بين النخبة المترفة نخبة بالمعنى الأصيل، وهي من سوف نسميهم هنا "المثقفون بحق". ألم يكن أحمد شوقي باشا من النخبة؟ وكذلك لطفي باشا السيد، ومصطفى كامل باشا، وسعد باشا زغلول، وطلعت حرب باشا، وعبود باشا، ومصطفي النحاس باشا، ومصطفى باشا مشرفة، والبدراوي عاشور باشا وغيرهم كثير. من غيرهم ينطبق عليهم لقب "المثقف الحق"؟
لماذا يكره الكثيرون من الشعب وخاصة كبار السن النخبة؟ ولنركز الآن على النخبة السياسية، التي يكرهها الناس مدعين أنهم يسعون لمصالحهم الشخصية، وأن القضية هي قضية صراع سياسي. هل السياسة غرام وحب وتآلف؟ هل كان من الضروري أن يترشح 11 مرشحا في الانتخابات الرئاسية الأولى السابقة؟ طبعا السياسة هي مهنتهم، وهي صراع سياسي، وهو أمر مشروع طبيعي عادي.
يكره الناس النخبة السياسية لأنهم "مش قادرين على الحمار فيشدوا في البردعة"، بمعنى أنهم غير قادرين على مواجهة الحكومة بسبب سلطتها الشرعية والبطشية أيضا، فيخضعون لضعفهم، وهذه هي طبيعة الشخصية المستبدة الأبوية التي تتسم بها ثقافة معظم المصريين نتيجة لظروف القهر والاستبداد والاستعمار والطبقية البغيضة القديمة.
يكره الناس النخبة السياسية نتيجة الاستقطاب السياسي الأيديولوجي المماثل للاستقطاب الديني، ولذلك فيكره كل فصيل شعبي نخب الفصائل الأخرى، وخاصة في الدول المتخلفة التي لا يسود فيها المنطق والتفكير العلمي والتسامح وقبول الآخر. وهذا هو ما يجعل الكثيرين يقولون "أنا لا أتحدث في الدين أو السياسة."
يكره الناس النخبة السياسية أيضا نتيجة الغيرة، حيث أن فكر ونظافة ونزاهة وأمانة وقيم هذه النخبة وحبها للشعب والوطن وحب الشعب لها تُذكر هؤلاء الناس بأوجه النقص المقابلة فيهم فتأكلهم الغيرة والحسد من عند أنفسهم.
وأخيرا فإن أعتى الكارهين للنخبة المثقفة بحق هم الذين يتمتعون بأعلى مواقع السلطة وأقوى مراكز النفوذ، وهم الطفيليون الماصون لثروة مصر والممتلكون لمقدراتها والمتمتعون بنعمها المادية والمعنوية، وهي طائفة تبدأ من السلطات الحاكمة ومحاسيبها، ورجال الأعمال أصحاب الرأسمالية المتوحشة، وكبار موظفي الدولة سواء في المؤسسة العسكرية أو الشرطية أو المؤسسات البيروقراطية الحكومية أو وسائل الإعلام المختلفة لما تمثلها النخبة المثقفة من نقد وتهديد لأوضاعهم السيادية وضياع لممتلكاتهم ومصالحهم ومصالح ذويهم وأتباعهم أمام قيم الثورة، الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
إن من مهمة المؤسسة الدينية ليس المشاركة الحزبية السياسية وإنما هو استبدال الكره بالمحبة، فلو كان الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله. ويأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتواد والتراحم والتعاطف لأننا جسد واحد، والمتحابون بجلال الله هم في ظله سبحانه يوم لا ظل إلا ظله.
النخبة في النهاية هم المثقفون بحق، والمثقف الحق ليس مجرد الشخص واسع المعرفة مستقيم الشخصية، ولكن ما يميزه هو امتلاكه وسعيه الحثيث لتحقيق رسالة سامية في الحياة من أجل رضاء ربه وسمو وطنه وشعبه والإنسانية جمعاء. ولتجسيد معنى النخبة أختار للتوضيح أشخاصا مُمَثلة لها من المشاهير فقط ومع حفظ الألقاب: بهاء طاهر، ابراهيم عيسى، علاء الأسواني، البرادعي، صباحي، الأبنودي، عبد الحليم قنديل، عبد الغفار شكر، عمار علي حسن، أبو الغار، سكينة فؤاد، أحمد النجار، مخيون، خالد يوسف، المرحوم عمار الشريعي، محمود سعد، محمد غنيم، مصطفى حجازي، صنع الله ابراهيم، ..... وغيرهم كثيرون، وأخيرا شباب وشابات الثورة. ولولا هذه الآلاف المصرية من النخبة الحقة لما ارتقت مصر فوق ثقافة السوقة أو ثقافة التفاهة، Lowbrow culture.

 
Prof. Mohamed Nabil Gamie
Department of Rural Development, College of Agriculture,
Alexandria University, Al-Shatby, Alexandria, Egypt
mngamie@yahoo.com
01227435754



No comments:

Post a Comment