دولة الزعماء لا دولة الشعب
صباح علي الشاهر
إنتهت إنتخابات مجالس المحافظات، خسر فيها الأقوى، وفاز فيها الأضعف، وبذلك تكون هذه الإنتخابات أول إنتخابات تؤكد بشكل لا لبس فيه ولاغموض، عبثية العملية الإنتخابية في العراق، وهي إذ تشير إلى جملة مفارقات ومتناقضات، فإنها تبين أيضاً أن ليس مهماً في حسابات القائمين على الشأن السياسي في العراق كم عدد الذين صوتوا لهذا المرشح، أو لتلك الكتلة.
لقد تم نحر الإستحقاق الإنتخابي، وليست هذه هي المرّة الأولى في تأريخ العهد الجديد التي يتم فيها مثل هذا التجاوز، لكنه كان في السابق شطارة، مغلفة بأسانيد وتخريجات قانونية، أما الآن فهو دعارة مكشوفه.
في المرة الأولى تبارى الواحد والتسعين، والتسع وثمانين، تشطر التسع وثمانون، حتى جمع النصف زائد واحد، في حين ظل الواحد والتسعين يولول، ويطالب بإستحقاقه، حتى بعد أن ضمر وتقلص، وصولاً إلى مرحلة اللا مرتبة، وأصبح ظاهرة إعتراضية ليس إلا، هذه المرّة تغابى الأقوى متكئاً على قوّته، ولعب الأضعف بثعلبية تليق بسياسيّ العملية السياسية، فصعد إلى كرسي محافظة بغداد، مع أنه كان الأضعف، والأقل شأنا إنتخابياً بين الأربعة الكبار.
بنفسي معرفة كم هي الأصوات التي حصل عليها محافظ بغداد الجديد، وكم هي الأصوات التي حصل عليها المحافظ السابق، لنعرف من تسلق، ومن زلق .
كان تنافس الواحد والتسعين، والتسعة وثمانين على الكرسي الأول في الحكم مُبررراً، فهما رأسان كبيران، جمعا عدداَ يكاد يكون متساوياً من النواب، وإن كان من فاز بالكرسي أخيراً حصد ما يعادل ثلاث مرات ماحصده الآخر أو يزيد من عدد أصوات المقترعين، ولكن ما يحدث اليوم في إنتخابات مجالس المحافظات مختلف تماماً، ففي بغداد وكذا البصرة جلس على كرسي المحافظ من كان حريّ به أن يجلس في مكان ما في المائدة المستطيلة التي إعتاد أصحاب الفخامة والوجاهة أعضاء مجالس المحافظات التحلق حولها، عندما يريدون إشهار أعمالهم المضنيّة، وإظهارها عبر وسائل الإعلام إلى الرعاع، عفواً الرعية.
إن ماجرى هو نموذج صارخ للوصولية والإنتهازية، لكن هذه الوصولية والإنتهازية، دقت مسماراً في نعش التقاسم الطائفي، وهذه مفارقة من مفارقات التطاحن والتنافس الحزبي والكتلوي، يمكن إستثمارها والتأسيس عليها، ولكن بمبدئية، وبعيداً عن التوضيف الآني، والحسابات الشللية.
بعد عشر سنوات عجاف ينبغي الإجهاز على التقاسم الطائفي، والإستداره 180 درجة.
لم يعد يليق بالعراق ولا العراقيين التنابز بالطائفية والعنصرية، ليس فقط لأن الطائفية والعنصرية وجهان للرجعية والتخلف، وليس لأنهما يتعارضان مع معطيات العصر والتحضر، ولا لأنهما عار لا يليق بمن يعيش القرن الحادي والعشرين، وإنما لأن الطائفية والعنصرية تعني موت العراق، والتخلص منهما حياة للعراق وكرامة لإبنائه وبناته .
يجب أن يُقال بالفم المليان للطائفين من أية جهة، كفى ..
لا تكتلات طائفية .. لا أحزاب طائفية ..
ليس المطلوب أن يقول الحزب الطائفي الشيعي: ( أخواننا السنة ) ، ولا المطلوب أن يقول الحزب الطائفي السني: ( أخواننا الشيعة ) ، فمثل هكذا قول مُراوغ ، يتضمن في جوهرة الفرقة.
المطلوب أن نغادر جميعاً سنة وشيعة، الأحزاب والتنظيمات الطائفية. أن نلتحق بأحزاب وتنظيمات تضمنا جميعاً، توحدنا في إطار العمل المشترك، والنضال المشترك.
جراحات العراق نازفة من أقصى شماله، لأقصى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، والدمار والخراب شامل، وإنساننا العراقي مُتعب، ومحروم من أبسط ما يتمتع به غيره من شعوب الأرض.
ماذا ينفع العراق إن جلس في كرسي المحافظ في بغداد سنيّاً أم شيعياً، وما أهميّة أن يتبوء رئاسة مجلس المحافظة سنياً أم شيعياَ، مسلماً أم مسيحياً، كردياً أم عربياً أم تركمانياً ، إذا كان هذا الجالس على الكرسي يعتبر الكرسي مغنماً ، ووجاهة ، وتحكماً، له ولكتلته أو حزبه، أو من جاء به إلى الكرسي .
أليس من الغريب أن يكون لمحافظ أية محافظة عراقية نائباً أولا وثانياً، ونائباً إدارياً وفنياً، وليس لرئيس جمهورية أمريكا سوى نائب واحد؟!
ولماذا يكون للمحافظ (نائب) أصلاً، وبإمكانه أن يختار معاونيه من الكفاءات الموجودة في المحافظة، يمكنه أن يختار له معاوناً إدارياً من الإداريين، ممن يعرفون كل شاردة وواردة في الأمور الإدارية، ويختار معاوناً فنياً من بين الفنيين في جيش الفنيين في المحافظة، فهؤلاء إذ يقضون زهرة شبابهم في الخدمة يطمحون- وهذا حق لهم- بأن يترقوا إلى منصب معاون محافظ.
ينبغي أن يأتي المحافظ الجديد إلى المحافظة وليس معه سوى سكرتيره، ورئيس مكتبه ، لا أن يأتي بجيش من العاطلين المتعطلين بصفة نواب ومستشاريين، ممن يفرضهم عليه تنظيمة، أو التقاسم الطائفي والشللي، وفق معايير تقاسم الكعكة.
لماذا لم نشرّع عملية إنتخاب المحافظ من شعب المحافظة مباشرة، تماماً مثلما هو معمول به في تلك البلدان التي إحتلتنا، ففي أمريكا يتم إنتخاب عمدة المحافظة عبر الإنتخاب المباشر، وكذلك الأمر في بريطانيا، فلماذا أصبح الأمر عندنا مختلفا؟
تخيلوا الأمر لو أن المحافظ يُنتخب من قبل الناس مباشرة، حيث يفوز من يحوز على أعلى الأصوات بين المتقدمين لهذا المنصب:
هل سيتأخر إعلان إسم المحافظ الجديد أكثر من شهرين ؟
هل يمكن أن يستلم المنصب من لم يحصل على أعلى الأصوات ؟
هل يضطر المحافظ المنتخب إلى إختيار نواب له من بقية القوائم، وهل يخضع لإبتزاز التكتلات والشلل ؟
وهل سيكون المحافظ بحاجة إلى الثعلبية، والمناورات غير المبدئيه، وشراء أصوات الآخرين بإعطائهم هذا المنصب، أو تلك المنافع؟
المحافظ المُنتخب من قبل أبناء المحافظة إنتخاباً مباشرا، سيكون قويّاً، وإذا كان مُخلصاً ونزيهاً ، فإنه سينظر إلى مصلحة من إنتخبوه قبل أي شيء آخر، ولن يخضع لإبتزاز الآخرين، حتى أن مجلس المحافظة لن يؤثر عليه إذا كان على حق، لأن هذا المجلس لم ينتخبه، وإنما الذي إنتخبه شعب المحافظة، وهو مدين لهذا الشعب أولا وأخيراً، ولكن ... وضعوا عدّة نقاط تحت لكن هذه، ولكن ... كيف سيكون تأثير السيد، الزعيم، القائد، وسموه ما شئتم، رئيس الحزب أو الكتلة، كيف يكون تأثيره على السيد المحافظ في هذه الحاله؟!
يبدو أن من وضع القانون أو من وضعوه، لم يغفلوا هذا الأمر ، لذا قرروا أن يعززوا من سطوة وهيمنه السيد الزعيم، القائد، الذي علينا التسبيح بحمده نواب كنا، أم وزراء، أم محافظين، وهكذا – يا سادة يا كرام - بنوا لنا دولة الزعماء والقادة لا دولة الشعب .
No comments:
Post a Comment