Thursday 3 March 2016

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: يا زمان الرويبضة

يا زمانَ الرُوَيبِضة
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
 
أَهُوَ زمنُ الرويبضة، الذى يُصَدَّقُ فيه الكاذبُ ويُكَذَّبُ فيه الصادق ويُؤتَمَنُ الخائنُ ويُخَوَّنُ الأمين؟ .. أم هل تجاوزناه إلى زمنٍ يُستوزَرُ فيه الفَسَدَةُ ويُحاكَمُ فيه الشرفاء؟ .. أتحدث عن أمينٍ يُخَوَّنُ، وصادقٍ يُكَذَّبُ، وشريفٍ ينهشه الفَسَدَةُ، وكبيرٍ يتطاول عليه الصغار .. عن أسد القضاة (الحقيقى لا المنتحل) الذى لن تنمحى من ذاكرة الوطن صورته وصحبه الأَجِّلاء بالأوشحة الخضراء عام 2005 وهم يقاتلون كالليوث دفاعاً عن استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات (لا عن مكاسب شخصية) يتقدمهم هذا القاضى  الجليل زكريا عبد العزيز .. تقول أخبار الأسبوع الماضى إن هذا الأسد الجريح قد تَقَدَّم عَبْرَ مُحاميه القاضى الجليل فؤاد راشد بطعنٍ على إجراءات محاكمته .. لا تهمنى تفاصيل الخبر بقدر ما يسحقنى عنوانه .. زكريا عبد العزيز يُحاكَمُ بعد ثورةٍ أطاحت بمبارك؟ يا لهول الخبر ويا للعار الذى  يلحقنا جميعاً .. هذا الرجل كانت معركته لنا وهو يدفع ثمنها الآن ونحن عاجزون أن ندفع عنه مثلما دافع عنَّا .. نكتفى بأن نشكو إلى الله قُوَّةَ الفَجَرَة وضعفَ المؤمنين .. المفارقةُ أن دولةَ مبارك الساقطة تَحَرَّجَت في 2005 أن تُنَكِّل بزكريا عبد العزيز .. لكن يبدو أن دولة مبارك العائدة في 2016 لا حياء عندها.
في إحدى المناقشات منذ أيامٍ قال أحد المصريين البُسطاء بعفويةٍ (النيابة بَرَّأَت سيد مشاغب بتاع الألتراس من تهمة اقتحام مبنى أمن الدولة .. عقبال المستشار زكريا عبد العزيز يا رب) .. بكى أحدُ العارفين بِقَدْر المستشار الجليل من هذه العبارة .. أما أنا فشعرت بِغُصَّةٍ ممزوجةٍ بالمهانة .. نفس الغُصَّةِ التى تنتابنى كلما تَذَكَّرتُ سعد الشاذلى حبيساً فى سجن مبارك الحربى .. أو عرابى ملعوناً من السفلة بعد عودته من المنفى الذى عُوقِبَ به لدفاعه عنهم .. أو مصطفى البشتيلى  قائد ثورة القاهرة الثانية مضروباً حتى الموت من بعض أوباش بولاق تنفيذاً لشرط  كليبر حتى يوقف جيشُه قصف للقاهرة ..  إلى متى يُعَذِّبُ هذا البلدُ عُشَّاقَه؟.
عندما فاجأتنا أحداث الثورة، أَصَرَّ الرجل على أن يصطحبنى من عيادة الدكتور عبد الجليل مصطفى بالتحرير إلى منزلى فى مدينة نصر لإحضار بطاطين تقينى برد يناير فى الأيام التالية .. عندما رأيتُ سيارته اللادا القديمة عرفتُ من أين يستمد صلابته .. كنتُ أعتقد أن كارنيهى العسكرى سيكون شفيعنا للمرور من حواجز حظر التجول، لكننى في الحقيقة لم أضطر لاستخدامه .. إذ كان ضباط وجنود الجيش يفسحون الطريق لنا إجلالاً لهذا الليث الذى لا تخطئه عين.
هذا الأسد الشريف يستمد قُوَّتَه من الاستغناء عن متاعٍ يُريقُ (غيرُه) كُلَّ قيمةٍ من أجله .. هو لا يملك من حطام الدنيا إلا السيارة القديمة وشقةً يسكنها فى شُبرا من حجرتين وصالة وميراثاً متواضعاً لأبنائه من أمهم (التى ورثته بدورها عن أُمِها).. ولم يُراكِم كغيره ثرواتٍ لا يعلم إلا الله مصدرها.
في الوقت الذى كان (غيرُه) يُجاهر بالمطالبة بتقنين التوريث القضائى، كان زكريا عبد العزيز ورفاقه يقاتلون لتطهير ثوب العدالة مما علق به من شبهة المجاملة فى تعيين غير ذوى الكفاءة .. هذا الرجل ضاقت الهيئات القضائية بأبنائه المتفوقين جميعاً بينما يُوَرّثُ (غيرُه) الوظيفة لأبنائه مثنى وثُلاث ورُباع .. وفى الوقت الذى كوفئ (غيرُه) بالإعارات الخارجية والداخلية، لم تتم إعارة زكريا عبد العزيز مُطلقاً طوال حياته، لا داخلياً ولا خارجياً .. أنا لا أذكرُ (غيره) بالاسم، وإن شئنا الدِقَّة فهو (عَكْسُهُ) تماماً، لا خوفاً منه بالتأكيد، وإنما حرصاً على المنابر الإعلامية القليلة التى بقيت لنا من أن تطولها يدُ الخنق.
يا أخى الكبير الجليل الذى تَعَلَّمنا منه الصلابة (لا تَكُ فى ضَيْقٍ مما يمكرون) .. وأَيَّاً كانت النتيجة فإنها لن تصيبك وإنما تصيب شانئيك .. إنك تدفع ثَمَنَ شرفك .. ومثلُك وُجِد بيننا ليدفع ثمناً لا ليقبض أثماناً .. ولا يَحزُنْك منظر شانئيك وقد سَكَنوا الفضائيات يُطلقون منها فَحِيحَهُم .. فلتكن لهم الشاشاتُ ولك قلوب المصريين .. والحمد لله الذى جعل رزقك ورِزقَنَا بِيَدِه سبحانه لا بِيَدِ هؤلاء الصغار .. لن يُضيّع اللهُ الشيماء وعلياء وأحمد وسيحفظهم ويبارك فيهم .. أليس الله بِكافٍ عبده؟ .. (وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا).
يقول البعضُ إنَّ (غيره) هو المسؤول عما يحدث وأنه يُصَفِّى حساباته بفجاجةٍ لا تليق بقاضٍ .. وهذا في رأيى اجتزاءٌ للحقيقة .. أما الحقيقة الكاملة، بلا تزويقٍ أو مكايدة، فهى أن المسؤول الأول هو رئيس الدولة الذى لا أدرى كيف تصل إليه كلمتى .. وهى كلمةٌ أقولها، لا استجداءً لعفوٍ، فالعفو لا يكون إلا عن مذنبٍ لا عن برئٍ .. وإنما إشفاقاً عليك من ذنبٍ لا طاقةَ لك به أَضَفتَه بنفسك إلى ميزانك .. أنا رجلٌ لم أكن من خصومك .. وبالقطع لستُ من دراويشك .. نحن من دراويش وطنٍ (هَرِمنا) ونحن نحلم له بدولةٍ مُحترمة ..  دولةٍ، السيادةُ فيها للقانون لا للأجهزة .. دولة لا يُهانُ فيها القضاءُ .. وهل هناك إهانةٌ أكثرُ من أن تُستباحَ أسماءٌ جليلةٌ كالبسطويسى ومكى ونهى الزينى وجنينة وزكريا عبد العزيز برعايةٍ كاملةٍ من أجهزتك؟ ..  مَالَكَ وزكريا عبد العزيز؟ لا تقل إنه حُكمُ القضاء .. هو حُكمُك لا حُكمُ القضاء.. أنت الذى أطلقت (عَكْسَه) على مصر فتَحَمَّلْ تبعات اختيارك .. لم يُجبرك أحدٌ على ذلك .. و(عَكْسُه) تاريخه معروفٌ فى مصر والخليج .. وقد أصبح تاريخُه هذا _ شِئتَ أم لم تشأ_ جزءاً من تاريخك .. وأصبحت أخطاؤه جزءاً من أخطائك .. هو محسوبٌ عليك لأنه اختيارك مائة فى المائة .. أنت الذى تَبَدَّلتَ الخبيث بالطيب .. أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير؟ .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

No comments:

Post a Comment