جناية المتعصبين السنة والشيعة على الإسلام والمسلمين
صباح علي الشاهر
لن أخوض في جدل فقهي لا حظ لي من الدراية فيه، ولا في بحث في الإسلاميات هو ليس بميداني، ولا أريد التطفل عليه، وإنما أرغب في توصيف حالتنا نحن المسلمين- متدينين وغير متدينين- بين زمنين، أو مرحلتين، زمن لم تتسيد فيه الأفكار المتطرفه والظلامية، وزمن سادت وتسيدت فيه.
في ذاك الزمن، الذي كان يظهر أجمل ما في الإسلام، أو أجمل ما ألحق به، ويبعد ما يُحسب سيئاً، أو ما ألصق به من سوء، كان الإسلام مهاباً، وموحياَ، وكان بعض العلماء والمفكرين، يعيدون قراءة الإسلام بعد فشل الأفكار التي عدّت عظيمة، والتي سادت القرنين السالفين، ولقد لاحظنا كيف تبنت شخصيات مرموقة، فلسفية وعلمية فكر الإسلام ، بل إنتمت إليه، ويحضرني في هذا المجال المفكر والفيسلوف الفرنسي روجية غارودي، الذي كان أبرز فيلسوف ماركسي أوروبي، وأفضل من كتب في نظرية المعرفة من الماركسيين. كانت هذه المرحلة هي مرحلة ما عُرف بالصحوة الإسلامية، ولم يكن ثمة من صحوة، فالمشتغلون في الفكر الإسلامي، من كتاب وباحثين، وما سُمي علماء مسلمين، لم يعمقوا الفكر الإسلامي، ولا حتى لامسوه، ولم يقدموا الإسلام لغير المسلمين، لكن المتطلعين إلى المعرفة في الغرب، والعالم الآخر هم من ذهب للإطلاع على الإسلام في مظانه الأساسية، وكما عبر عنه علماء قبل أكثر من ألف عام، ولم يأخذوه من أبن الماوردي، ولا محمد بن عبد الوهاب، ولا من السلفية الجهادية أو الأخوان، كانوا يبحثون عن أفضل ما أنتجته الثقافة الإسلامية، ثم باتوا يبحثون عن أحط مادون عبر التأريخ الإسلامي المشوه .
كيف حدث هذا التحول، ومن المسؤول عنه؟
قبل أن نتهم الآخرين علينا بالبحث عن الأسباب في علننا، نحن الذين لم نمر بعصور تنوير حقيقية كما حدث في العالم الآخر، حتى عندما أصبحنا حديقة خلفية للإستعمار، ظللنا كالنعامة ندفن رؤسنا في الرمال، ونتغنى بالمجد التليد الذي لم نفهمه ، ولم نقاربه ، بحيث أصبحنا ولا فخر ( أمة كان).
كانت أول صدمة واجهت المتطلعين إلى ثقافات الشرق، ومنها الثقافة الإسلامية، هي فتوى إباحة دم سلمان رشدي، الذي لم يكن هو ولا عمله بمستوى أن تصدر فتوى من أهم المراجع الشيعية بإهدار دمه، والذي لولا هذه الفتوى لظل نسياً منسياً هو ونتاجه، لقد فات المعممين أن حرية الرأي في أوربا، وربما في العالم كله، بإستثناء عالمنا النائم بالعسل، هي قدس الأقداس، إن حقاً أو نفاقاً .. في الغرب لا مقدس أمام حرية الرأي ، والسيد المسيح صور كمهبول، وحتى كشاذ في العديد من الأفلام، ولم تقم الكنيسة الكاثوليكية أو البروتستانتية بإهدار دم من عمل هذه الأفلام، ولا حتى تكفيرهم، لقد تجاوز الغرب مرحلة التكفير منذ القضاء على محاكم التفتيش، وإزالة سلطة الكنيسة، لكن هذا لا يعني أن الغرب أصبح ملحداً حسب تصور البعض، وحسب من يدعي هذا القول ألوقوف أمام أي كنيسة في الغرب أيام الآحاد ليرى طوابير المصلين المؤمنين.
ويبدو أن الشيعة إبو إلا تقديم النموذج الذي يحتاجه المتعصب والحاقد في الغرب فكانت المبالغة التي فاقت كل تصور وعقل في الشعائر التي عدت دينية، وما هي بدينية، وإنما بدع جمعت من كل حدب وصوب، وتناسى الناس الأمام العظيم جعفر الصادق، وساروا كالأعمى خلف من يطبب القوم بتفاله، ومن يريد منهم أن لا يعملوا لدنياهم كأنهم يعيشون أبداً، كما قال الأمام علي، وليس من دونما سبب إتساع مديات تأثير ما عُرف ويعرف بالتشيع اللندني ، وبعض مشايخ أمريكا.
أما في الجانب السني فالكارثة أشد وأعظم، فقد أتت القاعدة والزرقاوي، وداعش والنصرة ، على ما تبقى من تأثير إيجابي لدى عقول بعض الغربيين فيما يتعلق بالإسلام .
أن البشاعات التي إقترفتها داعش والتي لا مثيل لها، تستفز كل ضمير حي، فمن جز الرؤوس، إلى حرق الناس وهم أحياء، وإلى أكل أكباد القتلى، وبيع النساء في أسواق العبيد، وجلد من لا يطلق لحيته، أو من يدخن، وقتل الناس على أدنى شبهه، والزعم أن قاتل البريء يجزى، إلى تأكيد التمايز عن خلق الله بالشكل والمظهر والزي، بإعتبار أن هذا المظهر والشكل والزي هو المفروض من قبل الله على عباده، وبالتقيد به مرضاة له تعالى، إلى حرق وتدمير الإرث الإنساني، ومنع الفنون كلها، بإعتبارها تلهي عن ذكر الله الذي لا يذكرونه إلا في نحر عباده وهم يكبرون، والنظر إلى كل من هو غيرهم بإعتباره كافرا يحل لهم أخذ ماله، وهتك عرضه، وسلب حياته، وترصد الناس في حياتهم، وتعقبهم بالتدمير والتفجير سواءاً كانوا في ملهى، أو بار، في شارع، أو وسيلة نقل، في مستشفى، أو مدرسة، في سوق، أو مكان عام ، في دائرة حكومية، أو مركز عباده . كل هذه الجرائم والبشاعات تجري باسم الله ، وفق تعاليم الإسلام. الإسلام الذي لا يحق لأحد التحدث باسمه إلا هؤلاء المتعصبين من السنة والشيعة، هم ورثة الإسلام، وحملة رايته، ويبقى أن نتساءل: ترى هل هذه راية ترفع في القرن الحادي والعشرين؟ ثم أوليس أهداف وممارسات كهذه كافية لجعل خلق الله في أرجاء المعمورة لا يؤمنون برب المتعصبين، سنة وشيعة.
والحقيقة التي لا تخفى بغربال ، أن الإسلام مختطف ، و(المسلمين) في كل مكان رهائن .
No comments:
Post a Comment