لِمَن ستبيع السد العالى ؟!
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(البداية- الاثنين 28 نوفمبر 2016)
هى نفس سياسات مبارك ولكن بكفاءةٍ أقل واستباحةٍ أكثر .. كأنما كُتِب على هذا الشعب أن يستعيد معاركه القديمة .. وكأنما كُتِب على هذا البلد ألا يراوح مكانه فى حالة تجاذبٍ بين ثورةٍ للأمام ورِدَّةٍ للخلف .. بين بَنَّائين وبيَّاعين .. شهداء وسماسرة.
لامَنى بعض الأصدقاء من الدراويش عندما حّذَّرتُ قبل شهرين من أن الطريق صار ممهداً لبيع قناة السويس .. وكانت حُجَّتهم أنه لا يُعقل أن يسمح الرئيس بهذا .. مع أن الرئيس سمح بكل ما يؤدى لهذا .. لكن مشكلة الدراويش أنهم لا يرون إلا ما يتخيلونه لا ما هو ماثلٌ أمام أعينهم .. أو كما يقول الشاعر:
على أنِّى أُغالطُ فيك سمعى .... وتُبصِرُ فيك غيرَ الشكِ عينى
ومــا أنــا بالمًصَّدِق فيكَ قولاً .... ولكنـى شقيـــتُ بِحُسْنِ ظنِّى
قلتُ لهم إننى لا أفتشُ فى نوايا الرجل الذى أحسنتُ الظن به كما أحسنتُ بغيره .. ولكننا أمام تصريحٍ رسمىٍ للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية يتحدث عن بيعٍ صريحٍ (وإن أطلق عليه أسماء دلع) للبنوك الوطنية وشركات التأمين وشركات البترول بالإضافة إلى ما تبقى من شركات قطاع الأعمال .. المتحدث الرئاسى أعلن هذا قبل اتفاق صندوق النقد بستة شهور على الأقل .. كانت الخصخصة سابقاً قاصرةً على شركات قطاع الأعمال .. وصار كلام المسؤولين يدور علناً عن بيع الأصول المملوكة للدولة على إطلاقها .. وهى عبارةٌ فضفاضة تشمل كل أصلٍ عام بما فيها المدارس والمستشفيات وقناة السويس .. ثم تأكَّد ذلك باتفاق صندوق النقد الدولى .. وهو اتفاقٌ يُلزمنا باقتراض ما يساوى نصف قرضه من جهاتٍ أخرى قبل أن يمنحنا قرضه المشئوم الذى سيساعدنا فى سداد فوائد قروضٍ لا يعلم إلا الله والرئيس مقدارها وفِيمَ أُنفقت .. وفوق ذلك يشترط الصندوق أن نفتح الباب لبيع أصولنا .. ومطلوبٌ من الجميع أن يبتلعوا ألسنتهم وهم يرون القيود تُكَبِّلُ معاصم أجيالٍ لم تولد بعد وإلا اتُهِمنا فى وطنيتنا أو بإخوانيتنا مثلما اتُهِم بذلك جورج إسحق ومنى مينا مؤخراً.
فى نفس الإطار وعلى نفس منحنى الهبوط كتبت وزيرة الديون السيدة سحر نصر مقالاً (وليس إشاعةً) فى مجلة وول ستريت جورنال الأمريكية قالت فيه نصاً (إن الحكومة تسعى للتخارج جزئيًا من شركاتٍ وبنوكٍ مملوكةٍ للدولة عبر الطرح العام. ولأول مرة على الإطلاق سوف يشمل الطرح شركاتٍ للمرافق العامة، والتي كانت مستثناة تاريخيًا من البيع باعتبارها قطاعًا استراتيجيًا) .. كتبت ذلك منذ أربعة أيامٍ في المجلة الأمريكية، فلما فتح البعضُ أفواههم من الدهشة لهذه المفاجأة التى لا مفاجأة فيها، ورغم أن الكلام واضحٌ لا لبس فيه فقد سَوَّقت كتائب النظام تصريحاً لأحد مستشارى الوزيرة يقول فيه إن الوزيرة لم تقل ذلك بالضبط وإنما هناك خطأٌ فى ترجمة المقال .. مع أن من ترجم المقال ونشره هو كل الجرائد والمواقع المصرية بما فيها الأذرع الإعلامية للنظام .. ولنقطع الشك باليقين، إليكم ما جاء فى المقال باللغة الإنجليزية لنرى أين خطأ الترجمة:
Egypt will be partially divesting from several state-owned enterprises and banks. For the first time, this will cover public utility companies, which have historically been excluded from divesture as a strategic sector.
المَرافق لمن لا يعلم على سبيل المثال لا الحصر هى هيئة السكك الحديدية وشركات إنتاج المياه ومعالجة الصرف الصحى والكهرباء …. والهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان.
العنوان الكبير للمصيبة هو البيع .. ولكن ما تحته من عناوين فرعية لا يقل كارثية .. مثل سؤال: لِمَن البيع؟ .. وقد لَخَّص الدكتور أحمد درويش رئيس هيئة تنمية محور قناة السويس (فى قلب سيناء) رؤية الدولة بأن (الاستثمار ليس له جنسية) .. وهو كلامٌ قد ينطبق على منطقةٍ حرة (كإمارة دبى) ولكنه بالتأكيد لا ينطبق على وطنٍ بحجم مصر .. وقد دفعت مصر حوالى نصف مليار من عشرين سنة لتصويب خطأ بيع أرضٍ فى طابا لمستثمرٍ قيل إن شركاءه إسرائيليون .. وما نقوله ليس شيئاً عجيباً، فأمريكا أُم الرأسمالية فى العالم لم توافق على قيام شركة موانئ دبى بإدارة ستة موانئ أمريكية إلا بعد اتخاذ ضماناتٍ تحفظ بها أمنها القومى.
قولاً واحداً: كل هذه البيوع باطلةٌ .. فما هو مطروحٌ للبيع مِلْكٌ للشعب الذى لم يستأذنه أحدٌ .. وليس مِلكاً للبائع، والبائع هنا ليس سحر نصر ولا شريف إسماعيل وإنما هو عبد الفتاح السيسى شخصياً فنحن فى دولة الرجل الواحد .. والرجل الواحد لم يفوضه أحدٌ للبيع .. حتى الذين منحوه أصواتهم كانوا يفَوَّضونه ليبنى .. لا ليبيع.
|
No comments:
Post a Comment