حَقُّ الإنسان محمد مرسى .. كُونوا بَشَراً
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
الخبر: صرخ الدكتور محمد مرسى من داخل قفص الاتهام أول أمس: (إنني لم ألتقِ الدفاع منذ أربع سنوات، ولا أعرف شيئاً عن أدلة الثبوت أو الاتهامات بالقضية، ولم ألتقِ بأهلي في هذه المدة أيضاً، وأن هناك أشياءً أود مناقشتها مع المحامي تمس حياتي).
هل لا بد أن أُقَدِّم لمقالى بأننى اعترضتُ على كل ما اعتقدتُ أنه جنوحٌ عن الصواب من سياسات هذا الرجل وهو فى سُدَّةِ السُلطة، فى الوقت الذى كان بعضٌ ممن ينهشونه اليوم يتمسحون بأعتابه؟ وأننى لم أتكسب من نظامه (ولا نظام غيره) بل إن أحد وزراء هذا الرجل أقالنى من منصبى بتهمة أننى أُتيح إمكانات المؤسسة التى كنتُ أرأسها لمؤيديه ومعارضيه على قدم المساواة، قبل أن يُقالَ هو ونظامه بثلاثة أيام؟ .. ما أحببتُ أن أبدأ بهذه المقدمة حَرَجاً من أن يبدو الأمرُ وكأنه نوعٌ من المَنِّ بدفاعى عن رجلٍ فى محنةٍ .. لكننى أفعلُ مُضطراً لأقطع الطريق على تخرصات الدراويش فى زمن الهيستريا المكارثية، الذى صار فيه العزيز جورج إسحق ومنى مينا متهمين بالهوى الإخوانى .. الأول لأنه تجرأ ودافع عن حق السجناء (أى سجناء) فى سجونٍ آدمية .. والثانية لأنها دافعت عن حق الطبيب فى ألا تدهسه بيادة شرطى .. فما بالكم بمن يرتكب كبيرة الدفاع عن حق الرجل الذى يبدو اليوم وكأنه مستباحُ بلا حقوق .. أتحدث عن حق الدكتور محمد مرسى العياط .. لا أتحدث عن حقه كرئيسٍ أسبق مَنَحَهُ نصفُ المصريين أصواتهم في يومٍ ما .. وهو بهذه الصفة له حقوقٌ، أَقَلُّها حقُ الاحترام الذى يليق بدولة الرئيس بأكثر مما يليق برئيس الدولة .. والدولة هنا هى مصر، ومصر دولةٌ محترمةٌ يجب أن تحترم رؤساءها حتى وهى تحاكمهم وتُدينهم وتعاقبهم .. وهذا هو موقفى المسجَّل بعد الثورة بخصوص معاملة مبارك أثناء محاكمته (ولستُ بحاجةٍ للتذكير بما كان ولا يزالُ بينى وبين نظامه من خصومة) .. ولا زال كثيرٌ من الأصدقاء يعتبون علىَّ إعلانى تقديرى لحرص المشير طنطاوى وهو ينفذ إرادة الشعب بخلع مبارك على ألا يُهينه وأسرته منذ أن أبعده إلى شرم الشيخ إلى أن أسلمه للقضاء المدنى لا القضاء الثورى (أياً كان رضانا عن النتائج) .. وهو التصرف الذى حَفظَ لنا وجهنا الحضارى .. ليُسجّل لنا التاريخ أننا شعبٌ خلعنا ظالمينا وحاكمناهم ولكننا لم نسحلهم كشعوبٍ أخرى مجاورة .. ونحن هنا لا نطلب معاملة مبارك كمرسى .. وإنما نطلب معاملة مرسى كمبارك .. رغم أن البَوْنَ شاسعٌ بين فاسدٍ وفاشلٍ.
ولا أتحدث عن حق محمد مرسى كمُتَّهمٍ، له على قاضيه حقوقٌ يُلزمه بها القانون مهما كانت تهمته .. ولا أتحدث حتى عن حقه كمُدانٍ له حقوقٌ يكفلها القانون حتى للمحكوم عليه بالإعدام وهو ذاهبٌ إلى حبل المشنقة .. عندما أمسك الناسُ بعبد الرحمن بن ملجم بعد أن طَعَنَ أميرَ المؤمنين على بن أبى طالب رَضِىَ الله عنه، مَنَعَهم علىٌ والدمُ ينزف من رأسِه مِن قَتلِه أو إيذائِه إلى أن يقضى اللهُ قضاءه، فإن مات علىٌ فليقتلوا قاتلَه قصاصاً ولا يمثّلوا بجثته وإن عاش فالأمرُ له .. إما العقوبة أو العفو .. وإلى أن يحدث هذا أو ذاك، أوصاهم بوصيته الخالدة (احبسوه وأحسِنوا) .. قتيلٌ يوصى وهو يحتضر بالإحسان إلى قاتله وهو في محبسه! .. تلك هى حقوق الإنسان السجين التى لن نَمّلَ من الدفاع عنها .. وتلك معاييرنا الأخلاقية التى يجب أن نحاسب عليها أنفسنا قبل أن يحاسبنا عليها أحد .. ويجب ألا نسمح لشُذَّاذُ الآفاق بأن يسحبونا معهم إلى قيعانهم.
لا أتحدث هنا عن حق مرسى الرئيس الأسبق، ولا حق مرسى المتهم، ولا حق مرسى المُدان، ولا حق مرسى السجين، في دولةٍ يُعبَثُ فيها بالقانون على رؤوس الأشهاد .. ولكننى أتحدث عن حق محمد مرسى الإنسان .. الإنسان يا سادة .. أم أن الصغار الذين طفوا على وجه المرحلة قد أنسونا إنسانيتنا؟ .. مِن فضلِكم .. كُونُوا بَشَراً.
هذا رجلٌ مُستباحٌ تماماً .. ففضلاً عن الحرمان من رؤية الأهل والحبس الانفرادى الكفيل بإصابة أي عاقلٍ بالجنون، فإنه يتعرض للسباب في الإعلام دون حسابٍ، ويُدعى إلى قتله وتصفيته علناً كلما وقع حادثٌ إرهابى .. مع سلسلةٍ من التسريبات التى تَسَابَقَ الجميع على مدى ثلاثة أعوامٍ للتفاخر بها باعتبارها انفراداتٍ لا سقطات أخلاقية وقانونية .. ودون أن يتوقف أحدٌ ليسأل عن من الذى صَوَّرَ و(سَرَّب)؟ وهل أذنت له المحكمة أم لم تأذن؟ . مثل تسجيل وتسريب الحديث الذى دار بين المتهم ومحاميه .. أوقائمة الطعام التى يطلبها رجلٌ فى محبسه من أهله .. أو التصوير الساخر لمنظره مع رفاقه وهم يُقبلون بشهيةٍ على وجبةٍ استأذن محاميهم فى أن يتناولوها لأنهم محرومون منها فى السجن .. المصرى العادى يعتبر تناول الطعام عورةً لا يجب التنصت عليها .. هذا للطليق الحُر، فما بالنا بسجينٍ فى عُهدة دولةٍ من المفترض أنها محترمة .. لم أتطرق إلى ما يتردد عن آلاف المحبوسين من كل التيارات والأعمار فقد سبقنى إلى ذلك كثيرون، من بينهم رسميون .. ولكننى قصدتُ أن أُرَّكِزَ حديثى على هذا الرجل المُستباح الذى يتحاشى الجميعُ الدفاع عنه، في زمنٍ لم يعد فيه آمناً من التنكيل والتشويه إلا كلُ ذي طبلة.
في نُظُم الحُكم الفردى المطلق فإن المسؤول الأول عن هذه المظالم والخروقات المُخزية هو الرئيس .. فليتذكر سيادته أنه يؤسس بحاضره لِغَدِه .. لمَّا مرَّ أحدُ الصالحين بأحد الولاة الظَلَمةِ وهو يجلد مظلوماً بقسوة، لم يمنعه وإنما قال له (اجلِد .. فوالله لا تجلدن إلا نفسك)، أي أن كلَّ جَلدةٍ تجلدُها سترتد عليك في الدنيا أو الآخرة وكلما زاد ظُلمُك اليومَ زاد عذابُك غداً .. تَعَّلَمنا في الصعيد أن الكبارَ كِبارٌ حتى في خصومتهم.
(البداية- الأحد 7 مايو 2017).
|
No comments:
Post a Comment