هل تُصَّدِقُ فخامتُكم هذا الهُراء؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
مِن العبد الفانى .. إلى العبد الجانى (والفانى أيضاً) ..
فى نُظُم الحُكم الفردى المُطلَق (كنظامك)، من العبث أن تترك الرأسَ وتُجادل النعال .. لذلك سأوجه حديثى لك مباشرةً وليس لأىٍ من المتحدثين باسمك، أو المتسترين بسلطانك، أو المتقيئين بنفاقهم لك فى وجوهنا .. فهؤلاء لا قيمة لهم .. هم مجرد دُمَىً فى مسرحك .. كَهَنة فى محرابك .. قرونٌ تستشعر اتجاه رضاك فيمدحونك اليوم .. ويكونون أولَ لاعِنيك عندما ترحل .. وسترحل ذات يوم (هل عندك شك؟).
أعلَم أن حديثى سيغضبك .. لا ضَيْرَ .. ليس عندى ما أخاف عليه .. وليس عندك ما أرغب فيه .. ولكننى أستحى من الله فى هذه السِن، وبعد أن ذُقتُ حلاوة نَصرِه مِن قبلُ على مَن هم أقوى منك، أن أُشركَ مِثلَك معه بالخوف .. أو أن أصمت عن قولة حقٍ أستطيعها.
يا سيادة الرئيس .. لم تَعُد بحاجةٍ لمن يُسمِعُك ما تُحّب فما أكثر هؤلاء حولك .. لكن ما أحوجَك لمن يُسمِعُك ما لا تُحب .. ما أحوجك لسماع صوتٍ صادم لكنه صادق .. ما أحوجك لمن يُهدى إليك عيوبك. .. حتى لو قيل إنه لا يُحبّك .. أنا فعلاً لم أعد أحبك .. لكننى لا أكرهك .. بل أُشفق عليك مِنك .. ثم ما ضرّك لو أن مواطناً لا يُحبّك؟ .. يكفى أنه يُحب مصر .. أم حتى هذه صِرتم تزايدون علينا فيها؟ .. بعد أن صارت الوطنية فى عهدكم تُقاس بالقدرة على المشاركة فى المسخرة .. يا لَه من فصلٍ طالت مُدَّتُه على مسرح العبث واللا معقول.
سَمِعتُك تتحدث بما يشبه الجد عن شئٍ يعرف الأطفال فى حوارينا أنه الهزل المُجسد .. أتحدث عن ما يُسمى بالانتخابات الرئاسية .. التى تجاوزت مرحلة الكذب إلى الهراء .. فالكذب عادةً ما يكون مُرَّتَباً باحترافٍ .. أمَّا إذا كان مكشوفاً مفضوحاً خالياً من المنطق والترتيب فهو الهُراء .. والهُراء يُعبِّر عن غفلة الكاذب أو استخفافه بالمكذوب عليهم .. وأربأ بك أن تكون أَيَّهُما .. لذلك أسأل فى العَلَن ما يسأله الكثيرون فى صمت (هل يُصَّدِقُ فخامتُه هذا الهراء؟).
أينما تُوَّلُوا فثَّم وجه السيسى .. فصُوَرُ فخامتكم الأنيقة الضاحكة تحاصر المصريين أينما ذهبوا وتُطِّلُ عليهم من أعمدة الإنارة والإعلانات .. وجوانب التكاتك والحافلات .. وتَحجُب القاهرةَ عن سكانها.. فى ظاهرةٍ ليس لها شبيهٌ فى تاريخ النفاق فى هذا البلد .. وللنفاق تاريخٌ مشهودٌ ولكنه لم يصل إلى هذه الدرجة من الابتذال .. هل تُصَّدِقُ فخامتكم هذا التأييد الكاذب؟ كيف وأنت صانعه؟ .. تعلم أن أجهزتك قامت بإجبار عشرات الآلاف من أصحاب المحلات على تعليق هذه اللافتات .. وبعد أن اكتست مصر بِصورِك بدأت مرحلة مؤتمرات المبايعة والوجبات الجاهزة .. أنت تعلم كل ذلك علم اليقين فكيف تُصَّدِق أنهم يؤيدونك عن حُبٍ لا عن رعب؟! .. إن مصر يا سيادة الرئيس بلدٌ عجوز .. بمعنى الحكمة لا الخَرَف .. ومِن طول معايشة المستبدين، واتِّقاءً لبطش الفرعون وقوته الغاشمة، استنبط المصرىُ نظريته الخالدة .. أَسْمِعْ الفرعونَ ما يُحب .. وافعل أنت ما تُحِّب.
لكن الهراء يتجاوز هذا التأييد المُصطَنَع .. هل تُصَّدِقُ فخامتكم أن هذه انتخابات أصلاً؟ معقول؟ أىُّ انتخاباتٍ تلك التى أخليتَها جبراً من المرشحين ثم اخترتَ مرشحاً على مقاسك لا مقاس مصر؟ .. يا سيادة الرئيس .. صديقُك مَن صَدَقَك لا مَن طَبَّلَ لك .. مصرُ تَسخر مما تفعل وتكتُم ضحكتَها ولا تُسمِعُك إلا ما تُريد .. لكن ساعة الحساب (آجلاً أو عاجلاً) ستكون أنتَ أولَ المُحاسَبين .. ولن تجد أحداً من هؤلاء حولك .. سيكونون مشغولين بالرقص لغيرك .. الحسابُ آتٍ لا محالة .. فنحن بصدد عدة جرائم لن تسقط بالتقادم أبداً .. لا تاريخاً ولا قضاءً .. أولاها إهدار مليارات الجنيهات على هذه المهزلة، فى بلدٍ يخدشُ الفقرُ كرامةَ كُرمَائِه وتعتصر (إنجازاتك) أُسراً كاملةً يحسبها الجاهل أغنياء من التعفف .. والقانون (إن كنتَ لا زلت تذكره) يُعاقب على ذلك .. لكن الجريمة الأكبر هى الاستخفاف بالمصريين والاستهانة بذكائهم وجَعل مصر بهذه التصرفات مثاراً لسخرية العالم .. يا فخامة الرئيس .. أُذَّكِرُ نفسى وأُذَّكِرُك .. الاستخفاف فى حَضرةِ مصر جريمةٌ .. والتَاَّدُبُ واجبٌ.
(مصر العربية- الأحد 18 مارس 2018).
No comments:
Post a Comment