حراسة المسؤولين هل هي عودة (للشبانة) ؟
صباح علي الشاهر
هل هو أمر طبيعي أن يكون لوزير المالية فوجاً من الحماية ؟ وأن يكون هذا الفوج بقيادة عقيد ، قيل أن عدد حماية الوزير 150 فرداً ، وتبين فيما بعد أنهم 350 فرداً ، لقد تفاجأت فيما بعد عندما عرفت أن العقيد آمر فوج حماية وزير المالية العيساوي، هو العقيد ( محمود (العيساوي) ، وأن هذا العيساوي إبن عم الوزير العيساوي !
لماذا يكون رئيس حماية الوزير إبن عم الوزير؟ ولماذا يحمي الوزير فوجاً؟ لماذا حماية الوزير السني من السنة، وحماية الوزير الشيعي من الشيعة، وحماية الوزير الكردي من الأكراد؟!
وياليت حماية العيساوي من السنة فحسب، وإنما هم من محافظة الوزير، لا بل من مدينة الوزير، وأغلبهم من عشيرة الوزير حصراً!
ولكي لا نظلم الوزير العيساوي نقول أن جميع الوزراء، من كل الأثنيات والأديان والطوائف يتشاركون في هذا، فليس بينهم من أوكل مهمة حمايته للأجهزة الرسمية المختصة، لا بل أن البعض، وبالأخص بعض النواب يتقاضون ثمن العدد المخصص لهم من الحمايات ويكتفون بعدد قليل من الأخوة وأبناء العمومة، ويستحوذون على بقية مخصصات الحماية حلالاً بلالاً لهم سواء كانوا حاسرين، حالقين ، أم معممين بلحية .
مدير مكتب السيد رئيس البرلمان أخوه، وحمايته من الأقربين، وطبيعي أن عدد حماية السيد رئيس البرلمان أكثر بكثير من حماية وزير المالية، وكلهم من السنة، ومن كتلة السيد الرئيس ، ومن مدينته ، ومن أقرب الناس إليه ، لا فكراً وإنما دماً .
أما السيد رئيس الجمهورية فلديه حرس جمهوري خاص، يتجاوز الآلاف ، وكلهم من الكرد، ومن البيشمركة، ومن حزب الإتحاد الوطني، حزب السيد الرئيس شفاه الله وعافاه. لماذا الحرس الجمهوري بيشمركة ؟ أليس هذا سؤال يستحق أن يُثار؟
أما السيد رئيس الوزراء فقيل أن رئيس مكتبه هو إبنه أحمد، وأن حمايته من الشيعة، ومن دولة القانون، ومن حزب الدعوة حصراً، والله وحده يعلم كم عدد أعضاء مكتبه، وكم عدد حمايته ؟
ترى كم تنفق الدولة على حماية كل وزير؟ وكم تنفق على حمايات الوزراء ؟ والرئاسات الثلاث، ونواب الوزراء، ووكلائهم، والمدراء العامين، والنواب ؟
أحسبوها معي.. كم وزير لدينا؟ وكم وكيل؟ وكم مستشار، وكم عدد رؤساء الكتل، ونواب أو مساعدي رؤساء الكتل، ورؤساء وأعضاء الهيئات الخاصة، وكم عدد من هم بمرتبة الوزير، والذين يشغلون مناصب خاصة، بعناوين ما أنزل الله بها من سلطان، وليخبرني أي شاطر في الحساب، كم سيبلغ العدد؟ وكم سيكلف جيش الشمخره الفارغ هذا، المتكون من العاطلين والمتقاعدين، ومن لا عمل ولا مهنة له، والذين لا شغلة ولا مشغلة لهم سوى إحداث الفوضى أينما حل المسؤول وإينما إرتحل، والذين لا يخضعون لأي قانون، ولا ينصاعون لأي أمر، سوى ما يأتيهم من سيدهم وولي نعمتهم. أليست هذه التشكيلات هي المليشيات بعينها، والتي هي أقرب إلى المافيات .
خدعونا بالترشيق الوزاري، وتقليل عدد الوزراء ، في حين أننا نحتاج إلى ترشيق الوزير. وترشيق مكتب الوزير، وترشيق الرؤساء، وترشيق الحمايات، وترشيق المؤسسات، وإيقاف هذا النزف الذي هو أسوء أنواع الهدر، ومصدر من مصدار الفساد والإفساد.
عندما إحتل (أبو ناجي) عراقنا الحبيب، إتجه لتأسيس ما سُمي بـ( الشبانة)، والشبانة كما يعرف العراقيون، هي قوات غير نظامية من أفراد العشائر، والمرتزقة، وهم أيضاً حرس خاص يستخدمه شيوخ العشائر في أعمال الحراسة والحماية .
وعندما إحتل الأمريكان بلدنا، عمدوا إلى ما عمد إليه الإنكليز من قبل، فأباحوا الحراسات الخاصه، وشركات الحمايات الخاصة التي أسهمت في الخراب، والقتل والتدمير . كانت حجة الإنكليز يومها عدم وجود شرطة وطنية في العراق، ونفس الحجة تحجج بها الأمريكان الذين قاموا بحل الجيش والقوات المسلحة كافة، وجعلوا قضية حماية المسؤول والمواطن قضية خاصة، يتكفل بها المواطن والمسؤول، يُعطى للمسؤول مبلغاً معينا لتوظيف حماية خاصة له، أما المواطن فيستطيع شراء السلاح من السوق التي لم تعد سوداء، أصبحت بغداد بين ليلة وضحاها شيكاغو، تستطيع شراء أي نوع من السلاح بمثل ما تستطيع شراء علبة دخان، ومثلما علبة الدخان في العراق هي الأرخص، فإن قطعة السلاح، ومن أي نوع كذلك .
ومثلما إعتمد الإنكليز، وكذا الحكومة التي نصبوها على العشائر، للمساهمة في توطيد الأمن، فإن الأمريكان أيضاً فعلوا نفس الشيء، ولكن على نحو مختلف نوعاً ما. التأثير على مئات أو بضعة آلاف من الأشخاص، أسهل من التأثير على الملايين، وبربط الملايين بالعشيرة ورؤساء العشائر، أمكن توجيه هذه الملايين الوجه التي تنسجم مع ما يستهدفه وما يخطط له المحتل .
ومن أجل أن يحدث هذا الربط ، لابد من إضعاف الحكم المركزي، ومنع وجود قانون عام شامل يشمل البلد كله، وإبقاء البلد بلا جيش قوي، ولا شرطة مركزية، بحرمانه من تأريخه العسكري وإمتداد الخبرة المتراكمة، والتعويض عن هذا بعناصر عشائرية، يتم إختيارها ليس وفق الكفاءه وإنما وفق الإنتماء القبلي، أو المناطقي، أو الأثني، وبهذا يستحيل إستحداث جيش قوي، أو قوات مسلحة قادرة على حماية البلد، أو تحقيق الأمن الداخلي، وبهذا تصبح وحدة البلد مرتهنة بما يتقرر خارج البلد، وبما تستوجبه مصالح الآخرين، والدول الأخرى، التي أصبحت أو ستصبح فاعلة، أو قادرة .
لماذا يُعطل إستحداث شرطة خاصة، مسؤولة عن الحراسة والحماية، تتكفل بحماية المؤسسات كافة، وحماية المسؤولين، وفق ضوابط يُنص عليها، وبهذا نجعل حماية المؤسسات وحماية الأفراد شأناً وطنياً، من مهام الدولة الوطنية، إذ لا يجوز التساهل في هذا الأمر لأنه يتعلق بالأمن الوطني، ولا يمكن أن يترك لهذا الشخص أو ذاك، أو لهذه الجهة أو تلك .
هل تكون مهمة حماية أمن الأفراد، من مسؤولية الأفراد والعشيرة أم من مسؤولية الدولة ؟ وهل تكون مهمة حماية أمن المؤسسات من مسؤولية شركة الحماية الخاصة، محلية أم أجنبية، أم من مسؤولية الدولة؟
ينبغي أن نتذكر أن العراق تاسس فيه أول جيش في المنطقة قبل ثمانين عاماً، وتأسس فيه جهاز للشرطة قبل أن توجد العديد من الدول التي أصبح لها شأن وأعتبار، وإن هذا العراق تجاوز مرحلة ( الشبانة ) منذ أن أصبح كياناً حراً موحداً، يحكم من أبنائه.
No comments:
Post a Comment