العريان، يهود مصر والشيطنة المتبادلة
وشراء المستوطنين
عادل سمارة
اثار تصريح العريان بشأن اليهود المصريين موجة من الأخذ والرد وربما ذهب الكثير منها باتجاه الشيطنة المتبادلة. فمن جهته حاول الرجل أو هدف شيطنة عبد الناصر، وهو الأمر الذي دفع كثير من القوميين إلى شيطنة الإخوان، في هذه المسألة، بما فيهم وبما ليس فيهم كذلك. ولكن هذا الموضوع الهام جداً يجب أن يُقرأ في سياق قدره وليس في سياق المماحكات السياسية.
لا تكمن سقطة العريان في استهدافه عبد الناصر والقومية العربية، لأن لدى ناصر والقومية العربية ما تدافع به عن نفسها. لعل السقطة الأساسية لدى السيد العريان هي في كونه بدأ نقاش الأمر تاركاً ورائه حق العودة فما بالك بالتحرير أي تسليمه بشرعية الكيان الصهيوني الإشكنازي وتصوير الأمر كأنه رد مهاجرين كما يحصل على شواطىء أوروبا من جهة المتوسط اليوم، أو تبادل سكان كما تتضمن المفاوضات بين سلطة أوسلو-ستان والكيان! . فهو حين يناقش "عودة" يهود مصر، ينطلق من "شرعية" الكيان الصهيوني الإشكنازي وهذا يطرح السؤال القلق والمقلق عن النظام الحالي في مصر وتحديداً موقف الإخوان من الكيان. وإذا كان ممكنا تغطية عبارة الرئيس المصري إلى بيرس (صديقك الوفي) تغطيتها بتبرير دبلوماسي، فإن تجاهل حق العودة وكأن لا قضية، هي المشكلة الأخطر، وليس نسب خلل ما لسياسة مصر الناصرية أم لا. لذا، يكون السؤال للعريان وللإخوان بل ولكل عربي وخاصة فلسطيني: هل أنتم أولا مع حق عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه أم لا؟
إن الحديث عن عودة اليهود العرب إلى البلدان العربية هو تبسيط وتسطيح للصراع يصب كذلك في شطب حق العودة، لأن المسألة اساسا ليست سكاناً نُقلوا من هنا أو هناك بل وطن جرى اغتصابه، وبداية الحل استرجاعه.
لقد اشار د.عماد جاد في حديثه مع السيد عمرو ناصف (قناة المنار مساء 10 كانون أول 2013) إلى عدة نقاط هامة في هذا الموضوع ومنها أن السيد العريان وعلى نهج الإخوان المسلمين مهمومين بأن تتقبلهم الدوائر السياسية الغربية وخاصة بعد أن وصلوا السلطة. وهذا أمر صحيح، ولكن حبذا لو وضعه د. جاد في سياقه الأوسع تاريخياً، وهو تذلُّل الكثير من أكاديميين ومثقفي وقوى سياسية وأنظمة من العرب ومن محيط النظام الرأسمالي العالمي إلى المركزانية الأوروبية/الغربية بحثاً عن الاعتراف بهم وهو ما يسمى "استجداء الإعتراف" وهذا بحد ذاته استدخال للهزيمة. وهؤءلا منهم من قوى الدين الإسلامي السياسي واللبراليين والقوميين وبالطبع الشيوعيين السابقين وكثيرات من النسويات اللبراليات...الخ. ولا أسوق هذه لا لتبرير موقف الإخوان ولا لتبرئة نية العريان. وهنا يدافع ناصر[1] عن نفسه ببساطة لأنه كان في صراع تحدي مع هذا المركز والمركزانية، وهذا ما نراه اليوم في كويا وفنزويلا وحزب الله وغيرهم. وما أقصده تحديداً أن تحدي المركز والمركزانية ممكن بل واجب. وعليه، إذا كان ما حصل في مصر حتى الآن هو في سياق استجداء الاعتراف، فهذه كارثة، وقد تكون إحدى معالمها زيارة السيدة هيلاري كلينتون لميدان التحرير!
من جهة ثانية، كنت أتمنى لو وسع السيد عمرو ناصف مناقشة مسألة اليهود العرب واليهود من بلاد الإسلام على حساب بضع دقائق. وأقصد هنا أن الأعداد الضخمة من يهود الوطن العربي الذين انتهوا في الكيان الصهيوني الإشكنازي هم من المغرب والعراق الملكي واليمن الإمامي. هؤلاء غالباً جرى تسهيل تهجيرهم إلى فلسطين المحتلة بل إن رئيس وزراء العراق آنذاك نوري السعيد كان يزودهم بنقود ويرغمهم على الهجرة إلى الكيان[2]. ولا يخفى على أحد أن النظام الملكي في المغرب لم يقطع علاقته مع الكيان منذ عام 1948.
وهنا أعتقد أن علينا مواجهة هذه المشكلة بحجمها وتفاصيلها بمعنى أن هناك أنظمة عربية إما طردت اليهود أو سهلت خروجهم أو لم تكترث لخروجهم وهي تعلم أنهم ذاهبون كلهم او بعضهم إلى فلسطين. وبيت القصيد هنا هو أن هذه الأنظمة، تصرفت كما لو أن الكيان أمراً واقعا ونهائيا وشرعياً، بدل أن تساهم في تجفيف منابع تجنيد مستوطنين إلى الكيان. وهذه التقصيرات أو التواطئات من الأنظمة العربية وقوى سياسية وطائفية عربية[3] يمكن وضعها في سياق: "دور العرب في بناء الكيان واليوم الحفاظ عليه". وهو أمر أتمنى أن يُدرس كما يجب، لا أن نتعامل معه بمنطق النعامة بينما يعيه العدو.
وقد تكون بعضها راغبة في التخلص من أذاهم كعملاء محتملين وبالطبع هذا ليس شرطاً فهناك عملاء عرباً وفلسطينيين، ولكن هل هذا موقف قومي؟ ثم، ما الذي كان يعيق هذه الأنظمة من إبقاء اليهود العرب ومراقبتهم كما تراقب كل مواطنيها كدول أمنية فهم لن يزيدوا كثيرا في المشكلة! . وعليه، فإن مراجعة خروج يهود مصر تتطلب دراسة لمعرفة إن كان النظام المصري الناصري قد سمح لهم بالهجرة أم لا على أن لا يبقى الأمر محصورا تجاه مصر الناصرية أو مصر وحدها؟
وبالمناسبة، فقد كان الاتحاد السوفييتي السابق يقلص هجرة اليهود السوفييت على ضوء علاقته مع المركز الإمبريالي. ولسوء الحظ ليس لدي تاريخ عدد من أل هيرالد تربيون، التي تكشف بأن تسهيل هجرة اليهود إلى الكيان من الولايات المتحدة كان متواكباً مع تحسن العلاقات الاقتصادية مع واشنطن وخاصة في فترة جورباتشوف، ومعروف طبعا خلال فترته وبعدها كيف جرى في فترة يلتسين استجلاب مليون مستوطن جديد من روسيا الاتحادية. ومعروف كذلك أن كثيرا من هؤلاء ليسوا يهوداً ولا أعتقد أنهم اندسوا خلسة، بل إن الكيان كان راغباً في ذلك لزيادة الاستجلاب. وبالطبع تفهم قيادات الكيان أن الجندي حينما يكون في المعركة سيطلق النار على الخصم حتى لو لم يكن مؤمناً بالنظام أو الحرب فحينها يكون في لحظة الدفاع عن حياته (قاتل أو قتيل)[4].
رومانيا : بيع اليهود!
يُعتبر استجلاب يهود رومانيا نموذجاً على شراء المستوطنين. قد يرى البعض في ذلك "تضحية وفعالية " صهيونية، وهذا له نصيب من الصحة، ولكن إقامة دولة بهذا الأسلوب في التجميع هو نموذج عسكري أكثر مما هو نموذج قومي إجتماعي. يشبه هذا التجميع الذي بعد تجميعه يُصار إلى توظيفه ثقافيا واجتماعياً وحتى لغوياً، حالة قوات حلف شمال الأطلسي، او اي حلف عسكري آخر.
ربما بخلاف الإتحاد السوفييتي السابق، أو تشبهاً به، لم تكن تتحرَّج رومانيا في "بيع" مواطنيها اليهود إلى الكيان الصهيوني. أما المفارقة، فهي "صداقة" رومانيا مع بعض العرب وحتى مع م.ت.ف، ناهيك عن الأحزاب الشيوعية العربية.
كانت رومانيا شاوشيسكو حتى 1965 تبيع كل فيزا ليهودي ب 3000 دولار. ومقابل ذلك كانت تأخذ معدات من الكيان، الذي بحكم ارتباطه بالغرب الرأسمالي كان يحظى بتبرعات "تكنولوجية" منه، وهذا أعطاه ميزة نسبية لتسويق نفسه كقاعدة تكنولوجية متقدمة أو على الأقل كمصدر لبيع تكنولوجيا من درجة ما.
أوقف تشاوشيسكو عملية تهجير اليهود الرومانيين إثر عدوان 1967 وحتى عام 1969، ولكنه استأنف ذلك حتى مصرعه هو وزوجته إيلينا، أثناء الإنتفاضة التي أطاحت بالنظام هناك.
" ... كانت بوخارست تتقاضى مبلغاً معيناً من المال على الراس الواحد وبالإعتماد على العمر، التعليم، التخصص، العمل والوضع السري لكل مهاجر محتمل. لم يكن تشاوشيسكو يرغب في هجرة واسعة معتبراً أن اليهود سلعة عالية القيمة. لذا، فهو يرغب في السماح لهم بالخروج على طريقة التساقط (اي ليس التدفق)، اي 1,500 كل سنة. فبين عام 1968 و 1989، وطبقاً ل تقديرات أيونيد العامة ، "تشاوشيسكو باع 40,577 يهودياً إلى إسرائيل بمبلغ 112,498,800 دولار، بسعر 2,500 دولار للراس الواحد، ولاحقاً 3,300 دولار للراس الواحد". ولم تكن الأموال وحدها الطريقة التي ساعدت فيها الدولة اليهودية رومانيا، فقد ضمنت إسرائيل قروضاً ل تشاوشيسكو ودفعت الفوائد بنفسها. قام أرييل شارون بتزويد جيش رومانيا باسلحة ومنها دبابات سنتشوريون. لقد قام وزير الدفاع عام 1982 بزيارة سرية إلى رومانيا بصحبة خبراء من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والصناعات الجوية ليعرض عليهم التعاون التكنولوجي[6]".
هل في هذا الوصف مبالغة إعلامية صهيونية؟ لا ندري. فالصهيونية قامت اساساً على مهارة صنع الأكاذيب. ولكن على الأقل في المسألة المعطاة فإن يهود رومانيا، انتهوا في فلسطين. بغض النظر عن دقة الآليات، وعن فساد الديكتاتور "الإشتراكي"، وهو الذي رغم خدماته الجلى للكيان الصهيوني حظي، بعد سقوطه ومقتله هو وزوجته، بتغطية احتقارية هائلة في إعلامهم. لكن السؤال الذي يبدر هو: هل قبض الحكام العرب مقابل بيعهم اليهود العرب للصهيونية؟ أم قاموا بذلك تبرعاً، أم فرض عليهم السيد الإمبريالي ذلك؟ أم أن هناك أرشيفاً مخفيا لصفقات؟؟؟. إن حصل هذا فإن قادم الأيام سيكشفه سواء بتحرير الكيان أو بهزيمة حق العودة على يد الدول القُطرية العربية بقيادة الكمبرادور طبقياً والدين الإسلامي السياسي وخاصة الوهابية ثقافياً.
[1] "...مع حصول الوحدة هبطت أعداد المهاجرين من 71 الف يهودي عام 1957 أي قبل الوحدة إلى 27 الفا خلال العام الأول للوحدة. ويلاحظ ان المعدل السنوي للهجرة الذي كان خلال السنوات الأربع السابقة للوحدة، 1954-1957 هي (44660) أصبح خلال سنوات الوحدة (29750) اي هبط بنسبة 66% خلال سني الوحدة" (الهجرات والوحدة، أحمد سعيد نوفل، القدس 7-3-2008).
[2] أنظر :Abbas Shiblak, The Lure of Zion, al-saqi Books, London 1986. والكتاب مخصص لدراسة حالة اليهود العراقيين. في معتقل بيبت ليد "كفار يونا" 1971 كان الشاويش اليهودي العراقي أبو سليمان، يستطيب الحديث معنا في الليل اثناء تفتيشه على الحراس. قال لنا ذات مرة أنه كان يعمل في بغداد سائق سيارة تكسي، وأنه يحلم كل ليله أنه في بغداد. وقال ان نوري السعيد ارغمنا على الهجرة ودفعت حكومته 5 جنيهات عراقية مصروف جيب لكل مهاجر. ترى هل هذه الفلوس من الخزينة العراقية، أم كانت من تمويل يهودي وبالطبع هناك حصة للمشرف على الموضوع؟
[3] ماذا نسمي تواطئ نظام أنور السادات في مصر في نقل "اليهود الفلاشا" خفية وتحت جناح الليل من الحبشة الى الكيان الصهيوني؟ وماذا نسمي وجود استتثمارات مشتركة بين شركات قطرية وسعودية مملوكة لأفراد من العائلات الحاكمة، استثمارات تمتد من الجزيرة إلى الأردن فالأرض المحتلة فالكيان؟ وناقلتها الأخطر راسماليين فلسطينيين؟ أنظر كتاب عادل سمارة، : ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة، منشورات دار فضاءات عمان 2012 الفصلين الثاني والثالث.
[4] وقد يكون مما يغري قيادات الكيان باستجلاب من ليسوا يهوداً وربما حتى أناساً عاديين اي ربما ليسوا صهانية، ما يغريه هو قراءة سلوك كثير من العرب الذين انتهوا صهاينة بلا مواربة. فكل من يعترف بالكيان الصهيوني هو صهيوني وتكون مشكلتنا مع صهيونيته سواء كان يهوديا او مسلما او نصرانيا أو بلا دين سماوي...الخ. وفي هذا الصدد تندرج قائمة الأنظمة المعترفة بالكيان، وأعضاء الكنيست والفلسطينيين الذين يسكنون الكيبوتسات والمجندين يفي جيش وشرطة الكيان فما بالك بعملاء المخابرات...لخ. وقد زيِد على هؤلاء قيام بعض فلسطينيي 1948 بالتفاخر بتجنيد مقاتلين وهابيين من 1948 وإرسالهم للقتال ضد الدولة السورية!
(6) S.N.Eisenstad, Israeli Society: Widenfield Nicolson.Copyright 2008, The American Israeli Cooperative Enterprise.Ant The Jerusalem Report
منقولة في كتاب عادل سمارة، الاقتصاد السياسي للصهيونية:المعجزة والوظيفية.منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثاقفية والتنموية رام الله 2008 ص ص 82-105. وقد نشرت دار اليازوري الكتاب في عمان عام 2011. وللأسف فإن في الطبعتين مشكلة وخاصة طبعة اليازوري التي أهملت وضع أرقام الهوامش على الصحات، ورفضت التعديل رغم مكتاتباتي مع مسؤولها السيد أحمد يونس!
__._,_.___
Recent Activity:
Messages in this forum reflect the author's opinion only and do not necessarily express the Forum�s point of view
.
__,_._,___
No comments:
Post a Comment