حاسبوا الرئيس قبل الوزير
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(موقع البداية – الأربعاء 31 أغسطس 2016)
لم يقتحم خالد حنفى أسوار الاتحادية منذ عامين ليفرض نفسه وزيراً للتموين، وإنما اختاره الرئيس .. وباركت الاختيارَ أجهزةٌ رقابيةٌ ليس لها من مهمةٍ إلا حماية المال العام .. وإذا كان خطأ الاختيار (من الرئيس والأجهزة) وارداً، إلا أن تصويبه يصير واجباً بمجرد اكتشافه .. فعُمر رضى الله عنه (وهو عُمَر) كان يخطئ أحياناً في اختيار الولاة لأنه بَشَرٌ وليس معه أجهزة .. فإذا أثبتت الممارسة سوء اختياره كان يتحقق ويحاسب فوراً، لأن كل تأخيرٍ في التصويب يعنى إهداراً لأموالٍ عامة يستوجب المُساءلة .. والحقيقةُ أن ممارسات خالد حنفى لم تكن سراً صَحَوْنا فجأةً على اكتشافه، وإنما ظَلَّت مستمرةٌ في العَلَن منذ أكثر من عامين.
بمجرد تعيين الرجل وزيراً للتموين، جاءت الصرخة الأولى على لسان الدكتور محمد أبو شادى وزير التموين السابق الذى أمضى عمره تقريباً فى مجال التموين .. وجاءت فجاجةُ الاختيار أكبر من قدرة الرجل على الحرص على ديبلوماسية الألفاظ فى مثل هذه المواقف فقال نَصَّاً (إن تعيين الدكتور/ خالد حنفى وزيراً للتموين يفتح باب الوزارة على مصراعيه ليعيد الزواج بين رأس المال والسلطة .. لأن حنفى جاء من بطن الغرف التجارية ويعمل لصالح رجال الأعمال وأعضاء الغرف التجارية .. وكل جولة ميدانية أو اجتماع يعقده الدكتور خالد في الوزارة يكون أحمد الوكيل شريكا أساسيا في الحضور) .. ما قاله أبو شادى لم يكن اكتشافاً، فأصغر مُتابعٍ يعرف ما يمثله اختيار خالد حنفى من عودةٍ مقيتة لعنوانٍ معيب اسمه تضارب المصالح .. وهو ما يعرفه الرئيس بالتأكيد ويتحمل تبعاته، وإلا فالمصيبة أعظم.
لم يُضِع خالد حنفى وقتاً .. فبمجرد جلوسه على كرسى الوزارة طَلب نقل الشركة القابضة للصناعات الغذائية (وتتبعها شركات السكر والمطاحن والصوامع والزيوت ومضارب الأرز … إلخ) من وزارة قطاع الأعمال إلى وزارة التموين مع أنها لم تكن فى يومٍ من الأيام تابعةً إلا لوزارة الصناعة (أيام أن كان هناك وزارة صناعة حقيقية) وأُجيبَ مطلبه بسهولةٍ غريبة ومريبة .. وقبل أن تفيق قيادات الصناعات الغذائية من الصدمة استبدل الوزير مجلس إدارتها بمجلسٍ جديدٍ لا علاقة له بالصناعات الغذائية، على رأسه نائب رئيس هيئة الإمداد والتموين للقوات المسلحة (!) .. أحيا الوزير سُنَّةً غير حسنة انتشرت فى سنوات مبارك الأخيرة حينما كان بعض كبار المسؤولين يبادرون بتعيين ضباط الرقابة الإدارية المُكَلَّفين بمراقبتهم رؤساء لتلك الجهات، فيُؤَّمِنُون أنفسهم من (الدوشة) والملاحقة .. نفس المعنى ونفس الاتجاه وإن تغيَّرت الوسائل والأسماء .. وقبل أن يتشنج المزايدون مُضطَّرٌ للفت النظر إلى أننى ضابطٌ سابقٌ أتشرف بالانتماء لهذه المؤسسة الوطنية العظيمة .. وأغارُ عليها .. وأُنزلها مكاناً مقدساً فى وجدانى .. مكاناً يسمو على الأشخاص .. ويرفض أن يحَوِّل المنافقون التعاملَ معها إلى بابٍ للتقرب والتزلف.
لم يتوقف التحذير من تصرفات الوزير لحظة .. فقبل أكثر من عامين، فى يوليو 2014، تناول كاتب هذه السطور بالأسماء تفاصيل الكارثة التي يديرها وزير التموين ضد شركة السكر الوطنية لصالح كبار مستوردى السكر، وذلك في مقالين متتاليين أولهما في اليوم السابع بعنوان (أهكذا عينى عينك؟) والثانى في الأهرام بعنوان (تَبَّاً لنا إذا سمحنا بذلك) .. وفى توقيتٍ مُقاربٍ بدأ أ/ إبراهيم عيسى (صحفياً وتليفزيونياً) تناول كوارث نفس الوزير تجاه سلعةٍ استراتيجيةٍ أخرى وهى القمح .. وبالتوازى مع كل ذلك لم يتوقف د. نادر نور الدين عن التحذير في وسائل الإعلام مما يفعله نفس الوزير في كل ما وصلت إليه يداه من سلعٍ ومحاصيل وأنشطةٍ غير السكر والقمح كالأرز والدقيق والسلاسل التجارية .. عامان كاملان والرجل يفعل ما يفعلُ في العَلَن والتحذيرُ كُلُّهُ في العَلَنِ أيضاً والأجهزة الرقابية لا حياة لمن تُنادى والرئيسُ يُجدد الثقةَ في الوزير لدرجة أن هناك مَن طَرَح اسمه رئيساً للوزراء .. وكأن أحداً لا يقرأ ولا يسمع ولا يُشاهد .. عامان من الإهدار لأموال هذا البلد المُبتَلَى بقياداته ومنافقى قياداته .. فجأة وفى الأسابيع القليلة الماضية (أُستقيل) الوزير بعد ما أثاره أ/ مصطفى بكرى بخصوص الفندق وما أعلنته لجنة برلمانية عن فساد التوريد للصوامع .. حسناً .. هذا شئٌ جيدٌ .. أن تتم شبه مُساءلة عن نقطةٍ أو نقطتين حتى لو جاءت بعد عاميْن .. فماذا عن العاميْن؟ عامان من الإهدار لم يتوقف فيهما نزيف المال العام بل تَضَاعَف فى بلدٍ صارت أكبر إنجازاته موافقة الدائنين على إقراضه .. مَن الذى يُحَاسَبُ عليهما؟ الوزير طبعاً .. ولكن الإنصاف يقتضى أن يسبقه طابورٌ به كل رؤساء الأجهزة الرقابية الذين صَمَتوا على الإهدار لأن الرئيس صَمَت .. والرئيس الذى اختار وبارك وعَلِمَ وصَمَت .. على الرئيس أن يُحاسب الأجهزة .. لكن مَنْ الذى يُحاسِبُ الرئيس؟!.
|