Tuesday 30 August 2016

{الفكر القومي العربي} article

 
البضاعة التي لا بضاعة لنا غيرها
 
صباح علي الشاهر
 
 
بدل أن تتهم المجرم بالجريمة التي قام بها فعلاً ، تتهمه بجريمة هو براء منها ، أو على الأقل لم يكن طرفاً فيها .
أنت في هذه الحالة تبرئه من جريمة إقترفها فعلاً ، وتدينه بجريمه لم يقترفها أصلاً ، أو مشكوك فيها .
الأولى لا يملك إمكانية التملص منها، لأنه مقترفها، أما الثانية فأمامه ألف ألف وسيلة لتفنيدها ، حتى لو لم يكن بريئا منها ..
وبهذا الإسلوب وبهذه الطريقة تسهم في إفلات المجرمين من العقوبة على الجرائم الحقيقية التي إقترفوها، وتحاسبهم على جرائم إفتراضية ، قد يكونوا إرتكبوها أو لا . هكذا هو حالنا مع مزيد الأسف .  
لنأتي بمثال:  الوزراء والنواب، والمسؤولين الكبار، يتجاوزون على المال العام، ويلغفون بألف وسيلة ووسيلة، بدءأً من رواتبهم ومخصصاتهم، وحماياتهم وأجور مساكنهم ونثرياتهم ، وأنت لا تحاكمهم على هذه الأفعال الواضحة، البينة الوضوح، فتذهب إلى إتهامهم بالإرتباط بإيران أو السعودية أو تركيا، أو أمريكا، وإن كنت أجزم أن البعض ، وهو كثير مع الأسف،  لا يجرؤ على ذكر أمريكا، وهذه أمور لا يصعب التثبت منها، وإنما يستحيل، علماً أن جميع السياسيين العاملين في العملية السياسية هم في" الهوى سوا" .فليس ثمة كيان أو تنظيم أو مجموعة من دون إرتباط بالخارج ، ليس على مستوى العقيدة،  وإنما على مستوى التبعية، وأكثر من هذا كل الذين يتغنون بالإستقلالية، وأقصد هنا ما يتعلق بالتنظيمات أو الإعلام ، يدينون بالولاء لقوى إن لم تكن خارجية فداخلية ، كالتحالف الكردستاني، والإئتلاف الوطني ، أوتحالف العراقية، أوتحالف القوى، أوالحزب الإسلامي، أو لإشخاص كالبرزاني أو الطالباني، أو المالكي، أو الحكيم ، أو الصدر، أو اليعقوبي، أو علاوي، أو القطط السمان، وعتاوي العملية السياسية ، الذين إنتقلوا من قعر القاع إلى مصاف المليارديرات في زمن قياسي.
أنا هنا أتحدى الحشد لو إنتقد إيران، أو سليماني، وأتحدى مسعود لو إنتقد أمريكا أو إسيرائيل، وأتحدى تحالف القوى لو إنتقد السعودية، أو قطر، وأتحدى علاوي لو إنتقد الإمارات أو الملك السعودي،  وأتحدى " المدنيون" لو إنتقدوا الكرد ، ولو تجرأوا على قول كلمة حق إزاء تجاوزاتهم وإبتزازهم الذي لا ينتهي .
قبل أن ننغمس في اللعبة القبيحة، كم نسبة السنة، وكم نسبة الشيعة، كم نسبة الكرد وكم نسبة العرب، وقبل أن ننشغل فيما لا طائل وراءه، دعونا نتساءل كيف آل أمر العراق إلى ما هو عليه الآن ؟
لماذا حماية الوزير الشخصية 440 فرداً، أجورهم وتنقلاتهم وسكناهم وتغذيتهم على الدولة بالإضافة إلى رواتبهم الفاحشة؟
لماذا صيانه مسبح الوزير 500,000 دينار شهرياً ؟
لماذا تدفع الدولة بدل إيجار مسكن الوزير مائة وثمانين مليون دينار؟
لماذا تدفع الدولة بدل سكن لسكرتير الوزير أكثر من 100 مليون دينار؟
لماذا تدفع الدولة بدلات سكن حماية الوزير؟
ولماذا نثريات الوزير مئات الملايين من الدنانير؟
لماذا في خدمة الوزير أساطيل من السيارات رباعية الدفع، تحتاج لمديرية خاصة لإدارتها؟
ولماذا تتكفل الدولة نقل أجور الوزير وحاشيته الكبيرة بطائرات مستأجرة، وتتكفل بكافة المصروفات، من الأجنحة الملكية في الفنادق التي تليق بعظمته، إلى مصاريف الأكل والشرب، والتي تتعدى في كل مرة ملايين الدولارات، علماً بأن الدعوة الرسمية عادة تكون على حساب البلد مقدم الدعوة ؟
ولماذا على الدولة دفع تكاليف سفرات الوزير الخاصة وحاشيته، العريضة، وهي أما لرؤية عائلته في البلد الذي يحمل جنسيته، أو للراحة والإستجمام، أو لقضاء حاجاته الخاصة؟
لماذا صيانة بيت الوزير ومكتبه في كل مرّة ، وبمبالغ تتجاوز المليارات من الدنانير؟
لماذا يعين الوزير إبنه وبنته وأخوه وأبناء عمومتة في مكتبه بصفة مدراء أو مستشارين، وخارج أطر التعليمات الخاصة بالتعيين، ولماذا تتحول الوزارات إلى وقف لعائلة الوزير وعشيرته، وكتلته، ومن ثم طائفته ؟
كل الوزراء في هذا متشابهون، أكانوا شيعة  أم سنة، كرد أم عرب .
من شرّع هذا النهب، لا يمكنه مكافحته، ومن قبل بهذا الأمر وإستفاد منه لا يمكنه إدعاء النزاهة.  
هم، وكتلهم، وإعلامهم، وتنظيماتهم، يخدعوننا إذا يصورون لنا الأمور على غير حقيقتها ..
سنستعمل هنا تعبير شاع كثيرا ألا وهو " الإرهاب لا دين له" ونعدله قليلا فنقول " الفساد لا دين ولا مذهب له" .
ليست مشكلة الشعب العراقي مع الوزير السني، أو الشيعي، أو العربي، أو الكردي، وكون الوزير سني أم شيعي، عربي أم كردي، لا يعني أنه فاسد ومرتشي بناءاً على صفته هذه ، ولا يعني أنه نزيه لأنه يؤمن بعدالة عمر، أو أنه من أتباع علي، ولا لأنه يحمل النبل العربي في دمه، ولا الإباء الكردي في شرايينه.. ولا نحتاج إلى فهم عبقري لنعرف أن المشكلة ليست هنا . مشكلتنا في العراق ليست علي أو عمر، ولا التبعية للفرس أو الترك، أو السعودية، إنما مشكلتنا مع الفساد والفاسدين، الذين يتاجرون باسم علي وعمر، ويتكئون على الفرس أو الترك أو السعوديين أو الأمريكان، للإستمرار بفسادهم والإحتماء بهم بمواجهة الشعب.
الشيعي الفاسد لم يخدم الشيعة، وإنما إستثمرهم لمصالحه الضيقة ومصالح أتباعه، إغتنى هو ومريدوه، وتركهم في العوز والفاقه والجهل، والسني الفاسد لا يختلف عن زميله الشعي الفاسد في هذا، وليس كل الكرد مسعود البارزاني وعائلته، ولا الطالباني وعشيرته.
الطبقة السياسية التي جاءت مع الاحتلال، أو إلتحقت به، لا بضاعة لها سوى الطائفية والعنصرية، بتأجيج النزعة الطائفية والعنصرية تواصل إستنزاف خزينة الدولة، وقد آن الأوان لرفع الصوت عالياً : خذوا بضاعتكم معكم ، خذوا طائفيتكم، وعنصريتكم، وإتركوا لنا عراقنا، فهو بضاعتنا التي لا بضاعة لنا غيرها .  

No comments:

Post a Comment