ما بعد الإرهاب الذي عرفناه جحيم لم نعرفه بعد
صباح علي الشاهر
إذا صدقنا بأن الإرهاب نبت شيطاني، حدث هكذا فجأة دون سبق تخطيط، أو تمويل، أو دعم ، وإذا صدقنا بأن رعاة الإرهاب يمكن أن يحاربوا الإرهاب، سنصدق بأن قطر وتركيا والسعودية ومن ورائهم ومن أمامهم أمريكا يمكن أن يحاربوا الإرهاب.
متى ظهر الإرهاب بشكله الحالي، وبمسياته المختلفة؟
بمواجهة من؟
ودفاعاً عن من؟
تحت أية لافته ، وبأي شعار، وإستناداً إلى أية مرجعية؟
من رعاه، ومن موله، وأية وسائل إعلامية نظرّت له ، وسوغته؟
ما هي خلفية قادته؟
وما هي الخلفية الفكرية لعناصره، وأين تجد إحتاطييه؟
يقولون نحارب الإرهاب بالسلاح، وبتجفيف مصادره ؟
المذكورون إعلاه لا يحاربون الإرهاب بالسلاح ، بل يحاربون جزء منه ، هو بالتحديد الجزء الذي يخرج عن سيطرتهم ، أو الجزء الذي إنتهى دوره، أو لم يعد له لزوم .
أما تجفيف مصادر أو منابع الإرهاب، فهي تستند حكما على ثلاث، الحواضن البشرية ، والأموال المغذية، والخلفية الفكرية .
الحواضن تتسع وتتمدد، يغذيها هوس طائفي وعنصري، والأموال حنفيات مفتوحة على الآخر، لا تأتي من مؤسسات فقط بل من دول بالغة الثراء، أما المسألة الفكرية فهي شغالة على قدم وساق، تتجند لها آلاف المساجد، وعشرات آلاف الخطباء، وجيوش من مرتزقة الكلام، وإعلام ليس له أول ولا آخر، يشتغل على مدار أربع وعشرين ساعة على التأجيج والتحريض .
الآن وصلنا إلى المرحلة الكوميدية من قضية الإرهاب، وهي أن صانعية يدعون محاربته ، وضحاياه يصبحون هم الإرهاب .
الإرهابي ليس هو ذاك الأشعث الذي يجز الرؤوس وهو يرفع شعار ( الله أكبر) ، وإنما هو ذاك المذبوح ..
الإرهابي ليس هو من يفجر في الأسواق، والمستشفيات، ودور العبادة، وإنما هو ذاك المسفوك دمه على بلاطات الشوارع، والمفروم لحمه، والمحروق حتى العظام.
الإرهابي ليس هو المهاجر من أسقاع الدنيا لأرضنا المنحوسة، كي يعرج إلى السماء حيث الحور العين، وإنما الإرهابي ذاك الذي يصلي سابلاً، أو يستمع للغناء، أو تلك التي تظهر خصلات شعرها، أو ذاك الذي يتذرع لولي، ويطلب شفاعة وصي، أو ذاك الذي يزور قبر عزيز عليه، أو ذاك الذي إعتاد على تشذيب لحيته، عملاً بقول نبيه ( النظافة من الإيمان)، وقطعاً هو ذاك الذي لا يدين بدين محمد بن عبد الوهاب، شيعياً كان أم سنياً، صوفياً أم زيدياً، علوياً أم درزيا، وقطعاً لا تعد من زمرة من أبيح دمهم، لوكنت كافراً، فاسقاً أو فاجراً، زنديقاً ، ملحداً أو لا دينياً، شريطة أن تكون ممن يقبض من سدنة أموال محمد بن عبد الوهاب، فأنت وإن لم تكن في هذه الحالة من الجماعة، لكنك ستكون من الثوار، وطلاب الحرية، والمقاتلين الأبطال ضد الشيعة والنصيرية، وأتباع المجوس، والديكتاتورية، وأولئك القادة الذين يقتلون شعبهم!!
هذه الصورة بهذا الشكل المقزز، المتصفة لا باللاعقلانية فقط، وإنما بإنعدام العقل، لم يعد بالإمكان الإستمرار فيها، خصوصاً بعد تنبه (الغافلون، والمغفلون) لدينا وفي العالم الشاسع بعبثيتها وتفاهتها ولا منطقيتها . لقد إستنفذت مبرراتها التي إستغفلت الناس حيناً من الدهر، وباتت ثقلاً على الضمير والوجدان الإنساني.
ربما، ولأسباب عديدة، تضطر أمريكا للإسهام في إنهاء داعش والنصرة، فداعش والنصرة لهما دور بات في حكم المنتهي، وأدوار أخرى لم يستطيعا القيام بها .. يحتاج الأمر إلى تغيير بعض قواعد اللعبة لخلق دواعش أخرى، ربما بلباس غير ديني أو مذهبي بعد أن أستهلك هذا اللباس، ليس من المستغرب تحريك الأقليات، واللعب على تناقضات أخرى، ليس منها التهميش على أسس طائفية، بل التهميش على أسس عرقية وقومية، وهو أمر لم يستحدث من عدم، تماماً مثلما لم يستحدث الصراع الطائفي من عدم، قد نسمع في قابل الأيام تحرك فرسان الحرية والإستقلال من النوبيين، والأمازيغ، والكنعانيين، والآراميين، والحوثيين، والسومريين، والآشوريين، وكل الذين أطفأ الإسلام والعروبة نورهم، وأهملوا ذكرهم، وهمشوا وجودهم، حسب زعمهم، ولربما سنسمع من يرفع راية الجهاد العلماني المقدس ضد الدين والمتدينين، مستلهماً عصور النعضة والتنوير في أوربا، وعينا منذ الآن أن نمرن آذاننا على سماع نغمة أن العرب كانوا محتلين، لم يبنوا حضارة ، وإنما كانوا على طول المدى هامشيين، قادهم نبي متعطش للدم أسمه محمد، وواصل أتباعه نفس النهج، سيبدأ الذين أدخروا لهذا اليوم بالتشكيك بأهم رموز الأمة، من قادتها الأفذاذ، إلى مصلحيها، عبر التشكيك بما قاموا به، والتشكيك بما نسب أو ينسب إليهم، والسخرية من تضحياتهم، وإنجازاتهم، فنحن أمه لا تنتج سوى العقم ، لذا ينبغي أن لا تكون لنا مآثر ، ولا (رموز) توحدنا، فكل ما تعلمناه أو قرأناه مجرد أكاذيب، علماً أن ما درسناه وتعلمناه كان في مدارس أعدها الغرب الإستعماري، وعلى نهجه، وبنيت وفق مقتضياته هو لا وفق مقتضياتنا .
إنهم يفتحون علينا أبواباً ليس بمقدور أحد سدها، وهي لا تخص بلداً بعينه، ولا أمة بعينها، أنها نار جهنم مفتوحة على الجميع ، لا تشمل الدول الموجودة الآن ، وإنما حتى الدول التي ينوون خلقها .
من هم في عداد الأعداء الآن، لن يبقون كذلك، ومن هم في عداد الحلفاء سيتحولون إلى أعداء، فتغيير قواعد اللعبة يستوجب حتماً تغيير الإصطفافات بحيث يصبح العدو صديقاً أو حليفاً، والصديق عدوا أو خصماً، ولو إلى حين، والحين هذا لا يعلمه إلا الله .
أليس من المناسب أن نؤكد أننا أمم وشعوب حيّة ، و لسنا حقول تجارب !
No comments:
Post a Comment