لا يحارب الفساد بالفساد ، ولا الإرهاب بالإرهابيين
صباح علي الشاهر
قضيتان تشغلان المنطقة والعالم ، محاربة الفساد ومحاربة الإرهاب ، فهل يحارب الفساد فعلاً ، وكيف ؟، وهل يحارب الإرهاب ، وبأي إسلوب ؟
وكيلا نضيع في العموميات سنقصر مناقشتنا لمحاربة الفساد والإرهاب في المنطقة ، وتحديدا في العراق والسعودية ، وهما البلدان الأكثر صخباً الآن في محاربة القضيتين الكونيتين في مبتداهما ومنتهاهما.
لا أحد في العراق لا يتحدث عن الفساد ، لا يستثنى من ذلك حتى الفاسدين الذين هم أعلى صوتاً، وأكثر ولوغاً في الفساد ، أما الفساد في السعودية فلا يشار إليه إلا من خلال بعض الأصوت المعارضة المعزولة في الخارج ، وإذا تجرأ قلم عن الحديث عنه ولو بالإشارة الخفيفة إنهالت عليه الأقلام المشتراة والمجندة في صحافة وإعلام السعودية بالتقريع والإتهامات ، وليس أقل هذه الإتهامات العمالة لإيران .
منذ تنبه حكام السعودية بعد الفورة النفطية لأهمية الإعلام ودوره ، وهم ينفقون عليه ما يكفي لبناء بلدان ، والقضاء على الفقر كلياً ، ولا يختلف فاسدو العراق في هذا ، فلكل فاسد منظومته الإعلامية ، من صحافة وتلفزيون وأقلام مأجورة ، مستعدة لتفصيخ من يتجرأ على المس بولي نعمتهم ، ويتساوى في هذا من هم في السلطة ومن يدعون المعارضة لها ، وطبيعي أن تكون التهمة جاهزة هنا للقلم المشاكس وهي العمالة للسعودية .
تهمة العمالة لإيران، مثلما تهمة العمالة للسعودية سلاح الفاسدين، والأقلام المعتاشة على الفساد ، لقد أضحى القلم الحر الشريف كالمصاب بالجذام ، ليس له سوى العزل في الأماكن النائية، وأعتقد أن هذه الظاهرة هي إحدى تجليات الفساد ومسبباته .
الفساد في العراق بين ، ومسبباته بالغة الوضوح ، ونتائجه بارزة للعيان . الفساد في العراق نتاج طبيعي لبنية ما يُسمى بالعملية السياسية بكل مفاصلها ، بدءاً بالدستور، وقوانين السلطة الإنتقالية البريمرية، وصولاً إلى التقاسم الطائفي والأثني ، العملية السياسية بنيت برمتها كي تجعل الفساد شاملاً ، ساحقاً ، ماحقاً ، لا فكاك منه ، أي بلد يوضع له نظام كنظام الاحتلال في العراق لن يكون سيداً ، ولا قوياً ، أو منيعاً ، ولا متوحداً ، ولا ديمقراطياً ، سيكون حتماً بلد الفساد والإفساد ، والضعف ، والتفكك، وسيجعله فيئا ، ينتهبه كل ناهب ، صغر أم كبر .
في حالة العراق ، فإنك لو أزحت فاسداً ، مع بقاء الأمور على ما هي عليه ، فإنك ستزيح فاسداً موصوفاً ، بفاسد على طريق الفساد الحتمي ، محاربة الفساد ستكون ناجحة عندما تحارب علة الفساد والإفساد . لو سألت أي مواطن عراقي عن الفاسدين سيقول لك الجميع، ولا يستثني أحداً، كل موظف ومستخدم ، وعامل في الدولة ، صحيح أن هذا ليس صحيحاً بعمومه ، فثمة شرفاء كثر في مفاصل الدولة ، لكن ظاهرة الفساد الأعم تغطي على نماذج الشرف والنزاهة ، وتجعلها غير مرئية .
المطلوب في العراق ليس إبدال الوجوه على أهميته ، وإنما إبدال السلوك ، وإبدال السلوك لن يتم إلا بإبدال القوانين السيئة ، بقوانين عراقية من العراق وللعراق .
وضع السعودية قد يبدو مختلفاً عن وضع العراق للوهلة الأولى ، لكن نسبة التشابه بينهما كبيرة .
لا طوائف، ولا أحزاب تحكم في السعودية، ولكن عائلة واحدة تحتكر البلاد إسماً ومعنى ، الأرض بمن فيها وما عليها غنيمة للعائلة، التي لا تحاسب على شيء ، وليس من حق أحد أن يحاسبها ، فهي واجبة الطاعة بشخص الملك وأتباعه وأشياعة وخدمه ومريديه .
فساد العائلة هو فساد الحكم ، وفسادها ليس خاف على أحد ، لكن لا يجرؤ أحد على الجهر به .
ما الذي يجري الآن باسم مكافحة الفساد في السعودية ؟
ما يجري تماماً هو تحويل حكم العائلة إلى حكم الفرد المطلق ، وحصر السلطات كلها بيد شخص واحد ، هو الملك ، السلطات التنفيذية والتشريعية ، والرقابية ، والإقتصادية ، والعسكرية والأمنية ، والإعلامية .. لم يعد ثمة شيء لا يسيطر عليه الملك .
هل يعد هذا محاربة للفساد ، أم تدويرا له ، من فساد بين متنافسين ، إلى فساد بلا منافس ؟
ما المطلوب كي نقتنع بأن ما يجري في السعودية هو محاربة للفساد ، وليس حصر السلطات كلها بيد الحاكم الأوحد، وإزاحة المنافسين ؟
المطلوب، بسيط جداً ، هو تحويل نظام الحكم إلى نظام ملكي مقيد ، وإقامة برلمان منتخب من الشعب، يختار حكومة تدير البلد يراقب هو عملها ، وفسح المجال لحرية الرأي ، وحرية تأسيس المنظمات والأحزاب والنقابات، وتقليص صلاحيات الملك لا زيادتها، بمثل هكذا وضع يمكن للسعودية أن تستقبل الثلاثين عاما القادمة بإرتياح ، وتفاؤل بغد مشرق لأبناء وبنات المملكة .
محاربة الفساد في العراق ، وكذا في السعودية عنوان كبير لأفعال صغيرة ، هي تماما كلاعب كرة يسدد كراته ، لا داخل شباك الخصم ، وإنما داخل شباكه، أو خارج الميدان .
No comments:
Post a Comment