العِشقُ الممنوع
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
جاءت قصة الغاز الإسرائيلى أشدَّ إيلاماً من زاويتين .. فلأول مرةٍ منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قبل أربعين عاماً، انتقلت مؤسسة الحكم فى مصر من تطبيع المُضطر إلى تطبيع العاشق .. فطوال هذه المدة لم تُفَّوِت إسرائيل أى فرصةٍ لتأكيد عدوانيتها وعنصريتها، وظلت يدها تعبث فى كل ما يمس الأمن القومى المصرى .. وظلت مصر فى أدبياتها وتصريحات الكثيرين من مسؤوليها هى العدو الاستراتيجى الأول .. فكان طبيعياً أن يظل التطبيع على المستوى الشعبى من المُحرمات وشبه منعدم .. أما على المستوى الرسمى فقد بدا دائماً وكأن التطبيع هو تطبيع المُضطر .. سفارة وسفير .. التزاماتٌ بروتوكولية .. إلخ .. إلى أن جاءت صفقة الغاز الأخيرة فى سياق أنباءٍ عالميةٍ وتصريحاتٍ إسرائيليةٍ أشد إيلاماً ولا معقولية عن مستوياتٍ أخرى من التعاون والعشق الاستراتيجى المُهين وغير المُبَّرَر.. دون أن يصدر نفىٌ رسمىٌ واحدٌ من الجانب المصرى.
من ناحيةٍ أخرى جاءت ملابسات الإعلان عن صفقة الغاز الإسرائيلى نموذجاً عملياً لكيف تتقدم الدول بالديمقراطية، حتى تلك المُصَّنَعَة والعنصرية والظالمة لغيرها وشحيحة الموارد .. وكيف تتخلف الدول بالديكتاتورية حتى تلك العريقة والمُتخمة بالخيرات.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلى يَزُّفُ إلى شعبه توقيع الاتفاقية وما سيجنيه من ثمارها لا سيما فى المجالين الأولى بالرعاية وهما التعليم والصحة .. كان كل شئٍ فى النور وليس فيه سر .. فالتفاصيل متداولةٌ منذ أكثر من ثلاثة أعوام فى صحافةٍ وإعلامٍ حرٍ لا يُحركه (أشرف بيه) .. وتحت رقابةٍ صارمةٍ من برلمانٍ حقيقىٍ .. بل إن الرجل مُتَّهَمٌ من الشرطة بالفساد، دون أن يدمغها أحدٌ بالخيانة وعدم تقدير الإنجازات .. دولةٌ ليس فيها (علشان تبنيها).
بينما على الجانب الآخر كانت العتمة حالكةً والشعب يتلقط الأخبار من كل اتجاهٍ إلا حكومته .. فى غيبةٍ كاملةٍ للمعلومات .. وعدم اكتراثٍ مهين بالشعب .. وصحافةٍ مُكممة .. وإعلامٍ أبْكَم إلا من تشويه المعارضين وحديث الكبارى والأسماك والأجوان .. وخطابٍ مبتسرٍ لا تكتمل فيه جملةٌ ذات معنى .. وتهديدٍ مُعلَن بأننا مُقدِمون على قواعد جديدةٍ للعبة السياسية .. مع أنه لا جديد فيما يهددوننا به .. إنه تعميق الاستبداد .. خَنْقُ المخنوق .. وحَبْس المحبوس .. وتكميمُ المُكَمَّم.
المُرعِبُ أن المنطقة (ومصر فى القلب منها) تتشكل الآن وتتداخل فيها الإرادات .. وهناك صراعٌ حقيقىٌ، ليس على الموارد فقط، وفى مقدمتها الطاقة والمياه .. وإنما على الأدوار والتأثير .. تدخل مصر فى أتون هذا الصراع وهى تئن تحت ديكتاتورية صريحة .. وشعبها منهك .. يُرادُ لمصر أن تدخل هذا الصراع فى السنوات القادمة وشعبها خارج المعادلة .. اكتفاءً بالعبقرية الاستراتيجية الفريدة لرئيسها القادم .. عبد الفتاح السيسى .. أو موسى مصطفى موسى.
(مصر العربية- السبت 24 فبراير 2018).
No comments:
Post a Comment