وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
يقول الخال عبد الرحمن الأبنودى (ده الموت يبقى أهوَن لما نقابله صُحبَة) .. فما بالك والصُحبة التى شَرَّفونى بها تضم المخرج الرائع داود عبد السيد والدكتور عبد الجليل مصطفى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور حازم حسنى وغيرهم من المعجونين بحب هذا البلد .. ولو كان الاختيار مسموحاً به لأضفتُ لهذه الصُحبةِ الطيبة عدداً آخر من الأحباب كيحيى القزاز وعبد الرحمن يوسف وبلال فضل وسليمان الحكيم وأسامة غريب، لولا أن أشُّقُ عليهم.
مِن نِعَم الله على المرء أن يكون خصمه خسيساً .. أو غبياً .. أو خليطاً من الخصلتين .. فالخصم الخسيسُ يزيل عنك الحَرَج الذى قد يُسببه لك نُبلُه وفروسيتُه فى موقفٍ ما.
أَمَّا الخَصم الغبى فيهزم نفسه بنفسه دون جهدٍ منك .. ويفيدك مِن حيث يريد إيذاءك.
إن أول من دعا عملياً إلى مقاطعة الانتخابات هو النظام الحاكم .. لا نحن .. حدث ذلك عندما أفرغَ الانتخابات من معناها، وحَوَّلَها إلى مسرحيةٍ هزلية .. سواءٌ من خلال حملات التشويه السافلة بحق كل المرشحين المحتملين .. أو بالحبس والتنكيل ببعضهم .. أو تسخير مؤسسات الدولة وشوارعها وميادينها لحملات مبايعة الرئيس (عينى عينك) .. وهو ما أوصل النظام (وأوصل مصر معه) إلى مشهد استفتاءٍ فضائحىٍ أمام العالم .. فلما أراد سَتْرَ الفضيحة قاده (ذكاؤه) الحاد إلى البحث عن منافسٍ لا ينافس .. فتحولت الفضيحة إلى مسخرة .. والمواطن المصرى يذهب إلى الانتخابات لا إلى المساخر .. المواطن لا يذهب إلى الصندوق إلا إذا أحَّسَ أن لصوته قيمة.
لم يكن الأمرُ إذن يحتاج لأن تكون عضواً فى حركةٍ سياسيةٍ حتى ترفض المشاركة فى هذا العبث .. يكفى أن تكون مواطناً ذا كرامةٍ وعقل .. أو حزباً مستقلاً عن معامل التفريخ الأمنية.
لذلك جاء قرار الحركة المدنية الديمقراطية بمقاطعة المسخرة طبيعياً وسَلِسَاً وفقاً لآليات اتخاذ القرار بها .. كانت المشكلة الوحيدة هى كيف نُبلغه للناس تحت هذا الحصار الإعلامى المُطبِق والخانق .. فإذا بأذرع النظام الإعلامية والقانونية تتولى نشر الدعوة عنَّا .. بهجمةٍ تميزت بالغباء المُرَكَّب .. فاستفدنا من حيث أرادوا إيذاءنا .. فشكراً لهم.
بدأت الهجمة علينا بألسنةٍ وأقلامٍ فاقدةٍ للمصداقية .. يحتقرهم المصريون ويتعاطفون مع ضحاياهم من حيث المبدأ وقبل أن يتكلموا.
ثم جاءت البلاغات عَجَباً إضافياً .. للوهلة الأولى ظننتُ أن الاتهامات مُوَّجَهَةٌ للرئيس، لا سيما أنها تضمنت نصاً (جريمة تعطيل الدستور، والإضرار بالاقتصاد المصرى) فإذا بها تخص (المدعو) يحيى حسين عبد الهادى وتتهمه وصحبه (بنشر الإحباط بين المواطنين وتكدير الأمن والسلم العام كجزءٍ من الحرب التي يشنها أعداء الوطن لضرب استقراره وأمنه وأمانه وقلب نظام الحكم فى البلاد وإسقاط الدولة للأبد) .. فإذا وضعنا مسألة (للأبد) هذه جانباً لما فيها من كوميديا، فإن ملخص ما بقى من اتهاماتٍ هو الخيانة العظمى التى تستوجب الإعدام .. ثم أُضيفَ التكفيرُ إلى التخوين .. فبعد أن أعلنت دار الإفتاء هذا الأسبوع إباحة الفالانتين وتحريم المقاطعة (!) انفتح الباب على مصراعيه للخائضين فى عقائدنا .. أحدُهم (وهو أستاذٌ للشريعة) تمَّطع وتنَّطع ثم قال دون أن يرمش له جفن (إن المقاطعة حرامٌ شرعاً، والداعى لها آثمٌ) .. ولم يوَّضِح لنا فضيلته حكم الشرع فيمن يحتقر الدستور، أو يُسَّخِر أجهزة الدولة لتنهش سمعة مخالفيه، أو يستبيح المال العام للدعاية له، أو يجبر موظفى الحكومة على توقيع استمارات (علشان تبنيها).
هذا عن الاتهامات .. أما المتهمون، فلا أدرِى كيف يتَصَّوَرُ عاقلٌ أن مثل هذه البلاغات يمكن أن تُخيف أسماءً كتلك التى بدأتُ بها المقال؟ .. فكُلُّنا بلا استثناءٍ ممن يعرفون أن لكل موقفٍ ثمناً يسعدنا ويُشرفنا أن ندفعه .. ولنصبرَن على ما آذيتمونا، صبرَ الاحتمال والمجالدة، لا صبرَ الاستكانة والرضوخ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد طلبتُ من لجنة الإعاشة بالحركة أن تقوم بتجهيز العيش والحلاوة لنا من الآن .. مع مراعاة أننى أتَّبِع نظاماً غذائياً مختلفاً .. فإذا بواحدٍ من شباب الأرض ذوى الخبرة بأحوال السجون يقول ساخراً (نظام غذائى إيه يا باشمهندس .. إحمد ربنا لو جالك أكل أساساً) .. لذلك بدأتُ أتدربُ على صوم سيدنا داود .. عبد السيد.
(مصر العربية- الخميس 15 فبراير 2018).
No comments:
Post a Comment