https://alwafd.news/essay/28936
ألغام لا إعلام
ألغام لا إعلام
الكلمات تكذب . تلعب . تغدر . تسلب . تلدغ . تخلع ثيابها ، وتتمرغ فى وحل الذيوع وطلب الشهرة . تُنكر حقاً وتُعضد باطلاً ، وتطلب رضا مسئول ، وتلميع ممول ، وتصفيق قطيع .
وفى ظنى ــ وليس كل الظن إثم ـ فإنه لايصح أن يطلق البعض مُصطلح " فوضى الإعلام " موصفا ما نشهده لأن ذلك التوصيف يفترض وجود إعلام يؤثر ويُنوّر ويوجه الناس وُيصلح المجتمع لكن بعضه مُنفلت ومُزرى ومُسئ للوطن والأخلاق والقيم .
الحقيقة مُرة مرار القهوة السادة فى المآتم والأحزان . لا إعلام ولا يحزنون . لا كلمات عاقلة مُتزنة ،لا أفكار حديثة ،ولا مبادرات بناء . زعيق وسباب ولعن واتهام وتخوين وهرتلة . يظُن بعض الكائنات الفضائية أن توجيه السُباب إلى قطر أو تركيا يُحقق الرفعة لمصر ، والنصر للوطن ، والكرامة للمصريين ، ويجهلون أننا افتقدنا فضائل التحليل العلمى والقراءة الواعية والفهم المُتزن لما يجرى حولنا .
الناس تريد أن تعرف ، تفهم ، تتنبأ ، تتوقع ، وتُلم بما يدور. لن نستفيد من قول فضائى " أردوغان الأغا " أو فلان المُخنث أو الداعر . وإنما نريد كشوفات حقيقية ، وتحليلات صادقة ، وغوص أعمق فيما وراء الأحداث دون سفسطة أو جهل .
أتذكر مع الفارق والإختلاف فى التوجهات كيف كان المصريون قبل نصف قرن ينتظرون مقال "بصراحة " للأستاذ هيكل كُل اسبوع ليعرفوا تحليلات السياسة ورسائل السُلطة دون سباب أو لعن . لقد قال الرئيس السيسى يوماً " يا بخت عبد الناصر بإعلامه " وأعتقد أنه كان مُحقا فى توصيفه لمستوى الإعلام المهنى ، وأنه لم يكن يقصد أن يكون الإعلام مؤيدا أو مناصرا له .
فى الصحافة صور مُماثلة لزملاء لا يكادون يفقهون حديثا. يظنون أن مُهمتهم لعن كُل خصم للنظام أو سب كُل مُختلف معه . بعضهم يكتب كأنه يتحدث ، فلا يعرف أصولا لمقال أو مضموناً لتحليل ، وبعضهم يُكتب له ، وآخرون لا يقرأون ولا يطّلعون ، ولا يُجهدون أنفسهم قليلا لبحث موضوع أو السؤال عن أمر. قليلون يكتبون بوعى وجمال واهتمام مُتصورين أنهم يُضيئوا نورا فى فضاء مُعتم .
شبكات من الجهل النشط تدور حولنا . إعلام يُخاطب نفسه . أبطال من ورق ، وزعماء من هواء . استغرب البعض شطحات أمانى الخياط ، وزوابع مُنى العراقى ، وتمثيليات ريهام سعيد ، وفلتات أحمد موسى وتامر عبد المنعم وعزمى مجاهد ، ولم يندهشوا أن الهواء كُله مُسمم وأن كافة الفضائيات تبحث عن المُشاهدة ، والمرور ، والضجيج .
سيقول البعض أن الإعلام حر . سأتفق ، لكن تلك الحرية فى كل بلد مُحددة بضوابط ، ومُنظمة بقوانين . لا سباب ولا خروج عن الآداب ، ولا طعن فى قيم المُجتمع ، ولا خرق للأمن القومى ، ولا ترويج لدجل ، ولا تدخل فى الحياة الشخصية ، ولا تحريض ، ولا سخرية ، ولا إتهامات مُرسلة، ولا تخوين ، ولا تكفير، ولا جرح لعقائد المجتمع .
قلت من قبل ولا أزال أكرر أن الإعلام ليس مُجرد طبلة تُهلل وتُحيى كل خطوة للقائد، ولا هو مدفع رشاش مُهمته تشوية وتدمير كل انجاز . ليس منصة سفسطة ، ولا بيت خرافات ، إنما هو مرآة مُجتمع ، ومركز تبصر، ومفرخة نوابغ وابداع .
يقول الشاعر الأجمل محمد الماغوط " هناك الكثير من الأشياء تستحق الركل أكثر من تلك الكرة المطاطية البائسة " .
والله أعلم .
مصطفى عبيد
No comments:
Post a Comment