Wednesday, 25 April 2018

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: يا رب .. لقد غَرَّ حِلمُك هذا الفاجر

يا رَبِّ .. لقد غَرَّ حِلْمُكَ هذا الفاجر

بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى


رغم أن ثقافة الخليفة المأمون وعِلْمَه لا يُقارنان بتفاهة وضحالة حُكَّام هذه الأيام .. إلا أنه كان مثلهم نموذجاً للحاكم المستبد الذى ابتُلِيَت به الأمة الإسلامية فى معظم تاريخها حتى يومنا هذا .. مزيج الفاشيتين الدينية والعسكرية .. حيث الحاكمُ يجمع فى يديه كل السلطات .. مِزاجُه هو القانون .. وإرادته هى القضاء .. الجيشُ جيشُه .. والشرطةُ شُرطتُه .. والقضاءُ قضاؤه .. لا صوتَ إلا صوتُه .. ولا إعلامَ إلا إعلامُه .. بِيَدِه صكوكُ الوطنية والإيمان .. مَنْ يُخالفه مُتَّهَمٌ فى وطنيته ودينه .. ومَنْ يواليه تُفتَحُ له أبوابُ الدنيا.

ثار خلافٌ فقهىٌ حول مسألة (خَلْق القرآن) .. ظلَّ الخلافُ عادياً إلى أن مالَ الخليفةُ إلى أحد الجانبين ..فمالَ معه الجميعُ (كالعادة) .. اقتناعاً أو تملقاً أو خوفاً .. وتمَّسَك بعض الفقهاء برأيهم .. فتعرضوا للاتهام والتنكيل والحبس الانفرادى والتعذيب .. وتساقطوا واحداً تلو الآخر .. تَقيَّةً أو موتاً .. وبقى اثنان (أحدهما الإمام أحمد بن حنبل) تحملَّا أشد العذاب فلم يتزحزحا عن رأيهما .. ولما عرف المأمونُ بذلك (شَخصَنَ) الأمر .. كان ابن حنبل مجرد رجلٍ أعزل لا يملك إلا رأياً يعتد به .. لم يرفع سلاحاً ولم يؤذِ أحداً .. لكن الحاكم المستبد لم يُطِق وجود صوتين مختلفين فى دولةٍ تمتد من تخوم الصين إلى مراكش .. فأمَر بإحضارهما مُقَّيَدَيْن على بعيرٍ واحدٍ إلى مقر حُكمه فى طرسوس على مسيرة عدة أيام .. وعندما اقتربا مالَ على ابن حنبل صديقٌ قادمٌ من مقر الخليفة وقال له بأسىً (يعِزَّ عَلَيَّ أَنْ أُخبِرَك أنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جَرَّدَ سَيْفًا لَمْ يُجَرِّدْهُ قَط ُّ، وَبَسَطَ نِطْعًا لَمْ يَبْسُطْهُ قَطُّ ، وأقسم ألَّا يرفع عنك العذابَ حتى تقول إن الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ) .. فجثا الإمام ابن حنبل على ركبتيه وقد انقطعت عنه أسبابُ الرجاء ونظر إلى السماء ولمعت عيناه ثم قال: (سَيِّدِي .. لقد غَرَّ حِلْمُكَ هَذَا الْفَاجِرَ .. فَاكْفِنَا مُؤْنَتَهُ) .. فما مضى إلا ثُلث الليل حتى سمع صخباً شديداً والمنادى يصيح .. لقد مات أمير المؤمنين.

من يدرى .. لعل بيننا ابن حنبل.

(المشهد- 25 أبريل 2018).




No comments:

Post a Comment