{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: غضبةٌ رئاسية

غضبةٌ رئاسيةٌ

بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى

لدى الكاتب الكبير سليمان الحكيم وكاتب هذه السطور سببٌ إضافىٌ للحزن على ما تَعَرَّض له (ولا يزال) الصحفى المهنى النبيل والشجاع/ عادل صبرى رئيس تحرير موقع مصر العربية .. فى البداية تم تغريم الموقع 50 ألف جنيه لنشره تقريراً مترجماً عن النيويورك تايمز عن بعض ما جرى فى الانتخابات الرئاسية .. اندهشنا، ليس لعبثية الاتهام، ولكن لاختصاص عادل صبرى به .. فهو مجرد رئيسٍ لموقعٍ واحدٍ من بين نحو خمسمائة موقعٍ محجوبين تماماً فى مصر .. أبلغنى الحكيم أن مصدراً مُطَّلِعاً رفيع المستوى (استحلفه ألا يُفصح عن اسمه لأسبابٍ مفهومة) أبلغه أن (ما حدث) للموقع بسبب مقالات سليمان الحكيم ويحيى حسين عبد الهادى .. تَعَّجَبْتُ وتذَّكَرتُ أن آخر مقالاتى بالموقع كان بعنوان (هل تُصَّدِق فخامتكم هذا الهراء؟) خاطبتُ فيه مخلصاً جزءاً فى قلب وعقل الرئيس حسبْتُه لا زال قادراً على استقبال الرأى الآخر والاستجابة لمصلحته قبل مصلحة مصر وعدم الاستمرار فى مهرجان النفاق والابتذال والإهدار المنصوب باسم الانتخابات الرئاسية .. لكن عَزَّ من قائلٍ (ولكن الله يهدى من يشاء) .. كما أن مقالات الحكيم لم تخرج عن ذلك الإطار ولكن بقلمٍ أكثر رشاقةً وأخَّف دماً .. عندما أبلغنى الحكيم بالدافع وراء (ما حدث) للموقع، لم يكن (ما حدث) وقتها يزيد عن الغرامة .. لكن (ما حدث) بعدها من إصرارٍ على تطويع القانون للفتك بعادل وتبديل التهمة من ساعة إلى أخرى، أَكَّدَ أن الأمر فعلاً يتجاوز حدود الغضب الأمنى المعتاد إلى مستوىً آخر من الغضب .. إذ تبدلت التهمة إلى إدارة موقعٍ إلكترونىٍ دون ترخيصٍ .. ثم تم إغلاق الموقع (المحجوب) واقتياد رئيسه إلى القسم حيث بات ليلته ..ثم فوجئ الجميع بحبس الصحفى الوفدى الليبرالى 15 يوماً على خلفية اتهاماتٍ جديدةٍ من بينها الانتماء لجماعة محظورة (!) .. مع تعمد إهانة وتكدير الصحفى الكبير فعلاً والمحترم فعلاً (الكلابشات والجلوس على الأرض).

لعل ما حدث للأستاذ/ عبد الناصر سلامة يفسر ما حدث للأستاذ/ عادل صبرى .. كان قد نُسِب لرئيس هيئة الإعلام أن منع مقالات عبد الناصر من النشر فى المصرى اليوم جاء تنفيذاً لتعليماتٍ شخصية من الرئيس .. وهو ما استبعده الأستاذ/ عبد الناصر، مفترضاً أن الرئيس ليس متفرغاً لمثل هذه الأمور.

أختلف مع ما افترضه أ/ عبد الناصر .. ليس فقط لأن أ/ مكرم لم ينفِ ما نُسِب إليه .. ولا لأنه من المستحيل أن يجرؤ مكرم على أن ينسب للرئيس ما لم يَقُلْه .. ولا لأن الغضبة لم تقتصر على عبد الناصر وإنما امتدت لتضرب الصحيفة وموقعها (وهما ليسا محل غضب مكرم) .. ولكن لأنك تستطيع أن تُمَّيِز نكهة الغضب الرئاسى بوضوحٍ فى ردة الفعل .. وهى نكهةٌ تمزج بين الشخصنة واللا منطقية فى البطش والعبث بكل الأصول والأعراف والتعسف فى تطويع القانون .. وهى للأسف نكهةٌ لَمَسَها الجميعُ فى مناسباتٍ عديدةٍ من قبل .. منها القسوة غير المبررة ضد كل من اعترض سلمياً على التفريط فى الأرض المصرية .. وفى الاعتداء الهمجى (المستمر) على المستشار/ هشام جنينة .. وفيما حدث مع عادل صبرى.

دعائى لله أن يُفَّرِج كرب عادل صبرى وكل من يقبع فى غيابات السجون .. وحزنى على مهنةٍ تختنق وهى بطبيعتها لا تحيا إلا فى الهواء الطلق .. ووطنٍ كبيرٍ قوَّتُه فى تنوعه، يُراد اختزاله ليكون رَجْع الصدى لحاكمٍ فرد.

ولا زال البعض للأسف يُمَّنِى نفسَه بصفحةٍ جديدة .. يا سادة .. إنها نفس الصفحة .. ولكن بمدادٍ أكثر رداءة .. فالمؤلف لم يتغير.

(القاهرة فى 10 أبريل 2018).