مقاربة لجغراسياسية مكان: سوراقيا أولاً، المشارقية ثانياً
صباح علي الشاهر
سوراقيا( سوريا الكبرى وبلاد الرافدين) ليست بديلاً عن وحدة المشرق العربي، ولا وحدة العرب، بل هي خطوة أولى نحو الهدف الأكبر، والأهم، وهي عملياً رغم ما يبدو ظاهرياً من تعقيد، الأقرب والأسهل، والأكثر نضجاً، رغم التناحر الطاريء، المفروض بفعل عوامل خارجية، ومصالح لا علاقة لها بمصالح شعوب المنطقة.
واهمٌ من يراهن على تأبيد الجنون والإنتحار الذاتي، وما يجري في عالمنا العربي، وتحديداً ما يجري في سوريا، هو الجنون بأجلى صوره، والإنتحار الذاتي بعينه.. لن يستمر غياب العقل إلى ما لانهاية، لذا فالمشهد سيتغيّر، وسنجد أنفسنا جميعاً أمام أولويات، هي بجوهرهها قديمة جديدة، لكن بحار الدم، وكارثيّة الدمار، ستجعل من المستحيل القفز عليها هذه المرّة ، ولا حتى مجرد التفكير بتأجيلها، ستُطرح بكل عنف وإصرار على بساط البحث، من جملة ما سيطرح العلاقة بين بلاد الشام، وبلاد الرافدين، أي كانت نتيجة الصراع، فسوراقيا ليست خيار الحالمين، أو البطرين، وإنما هي خيار العمليين، الواقعيين، الذين يستلهمون الواقع ويعبرون عنه.
وسوراقيا، لا تتعارض مع الدعوة إلى المشارقية، التي نراها تحالف أمم كبرى أساسية، الأمة العربية، والفارسية، والتركية، وبقية أمم المنطقة الأخرى.
ثمة وطن واحد للفرس، هو إيران، تشاركهم فيه شعوب أخرى، وثمة وطن واحد للترك، هو تركيا، تشاركهم فيه أمم أخرى، ولكن لا وجود لوطن لأمة العرب، التي هي أكبر، وأغنى، وأوسع مساحة، وأكثر تأثيراً، فكرياً وروحيّا، وإنما هناك أكثر من عشرين وطن، تشاركهم فيه أمم وشعوب أخرى أيضاً، وإذا حدث صراع بين الأمم الثلاث، وهو أمر حدث تأريخياً، ونتمنى أن لا يحدث الآن، فإنه قطعاً سيكون صراعاً إيرانياً، أو تركياً، من جهة، ولكنه لن يكون عربياً من جهة أخرى، بل سيكون مع قطر عربي أو أكثر من قطر في أحسن الأحوال، بمعنى أن أمه بكاملها، بقضها وقضيضها ( الإيرانية، أو التركية ) تتصارع مع جزء من عشرين من أمة، ولا نعني بالصراع الحرب بالسلاح فقط، وإنما الحرب الناعمة، حرب هذا الزمن، والزمن القادم، السرية منها والعلنيّة، من أجل تثبيت المصالح والنفوذ، وهو صراع مُمتد، من الماضي مروراً بالحاضر وصولاً إلى المستقبل، كنا نحن – وما نزال- الخاسرين فيه على طول الخط. لقد سلبت إيران نصف شط العرب من العراق، وسلبت تركيا حصة سوريا والعراق من مياه دجلة والفرات، وهاهي مصر في طرقها لأن تفقد حصتها من مياه النيل، والحبل على الجرار، ولا حاجة للتطرق إلى القضم المتواصل للأرض العربية، في مشرق العالم العربي ومغربه، وياويلنا مما سيحدث، لو بقينا على هذه الحال.
مثلما للترك إمتداد قومي خارج الجغرافية التركية، ومثلما يوجد إمتداد فارسي قومي خارج الجغرافية الإيرانية، فإن ثمة إمتداد قومي للعرب، خارج الجغرافية العربية، لكنما الإمتداد التركي خارج العالم العربي وداخله، يوظف دائما، لمصلحة تركيا، والإمتداد الفارسي ، خارج العالم العربي وداخله، يوظف أيضاً لمصلحة إيران، أما الإمتداد العربي داخل إيران أو تركيا، أو في الخارج فلم يوظف، ولا مرّة واحدة لمصلحة الأمة، لأننا كنا وعبر مراحل التأريخ عدّة أقطار، لا دولة واحدة، جوار دولتين كبيرتين، هما إيران وتركيا، لذا فقد فقدنا لا تأثير موقعنا الجغرافي فقط، وإنما حتى تأثير إمتدادنا داخل الدولتين الجارتين، وأصبحنا فيئاً يُنتهب.
بتشكيل تحالفنا، ضمن فضائنا الواحد ( سوارقيا) نوّحد قدراتنا ونوظف جغرافيتنا، وإمتداداتنا، وقدراتنا، البشرية والإقتصادية، لنكون نداً لأمم أخرى قوية، بحيث لا تضيع حقوقنا، لا في شواطئنا، ولا مياهنا، ولا مصالحنا، ولا نفوذنا، فمثلما لهم دائرة مصالح طويلة وعريضة، فكذلك لنا دائرة مصالحنا أيضاً، ومثلما يسعون لتوسيع أو توطيد نفوذهم، فإننا أيضاً نسعى لتوطيد وتوسيع نفوذنا بالمقابل .
نريد المشارقية تحالف للأمم الكبرى في المنطقة، لا تحالف أمتين ( فارسية وتركية)، ودويلات وأقطار متناثرة من أمتنا، نريده تحالف أمم كبرى، قوية وعريقة، وذات ماض، هو ماض مجيد بكل ما في الكلمة من معنى، تسعى كي يكون لها حاضر، ومستقبل يُشرّف المنتسبين لها، ويجعلهم جميعاً رقماً صعبا في معادلة المصالح في عصر المصالح الذي نعيشه اليوم، والذي لا يرحم الضعفاء ، والمتشتتين، ولا النائمين بالعسل جراء نعمة قدرية، حلت عليهم، دونما عناء، ولا فضل لهم فيها.
من يكون صادقاً في الدعوة إلى المشارقية، عليه أن لا يضع العربة قبل الحصان. نعم نريد المشارقية، ونسعى إليها، ولكن على أن تكون ثانيا، وتكون سوراقيتنا أولاً، فنحن لا نريد أن نكون تابعين، ولا ملحقين بأي قوّة .
لو أن العراق دخل المشارقية منفرداً، فما هي أهمية جغرافيته بالنسبة لإيران مثلاً، أو ماوراء إيران وصولاً إلى الصين؟، وإذا دخلت سوريا منفردة إلى المشارقية، فما أهمية موقعها بالنسبة لتركيا وصولاً إلى برلين؟، أما فيما يتعلق بالأردن أو لبنان، أو الكويت، أو البحرين أو قطر، أو حتى السعودية، فلا مجال لإثارة أية علامة إستفهام ..
سيتكيء العراق من دون سوريا على كتف إيران، وربما ينام في حضنها، وهذا ماستفعله سوريا من دون العراق، فهي ستغفو في حضن تركيا الذي سوف لن يكون دافئاً، فسوريا لن تكون الطفل المدلل في هذه الحالة، فما هي دالة دلالها؟!.
نعم يحق لسوريا أن تتيه دلالاً إذ ما أحتضنت العراق، ويحق للعراق أن يتيه إختيالاً وزهواً إذا إحتضن سوريا.
نحن سوراقيا سنمنح إيران، وما وراء إيران، وصولاً إلى سور الصين العظيم، إطلالة على المتوسط، سنجعل حلم إحياء طريق الحرير واقعاً راهناً، ونحن سوراقيا سنمنح تركيا إتصالا بأمة، قدر الأتراك الإرتباط بها لا التعارض معها.
نحن سوراقيا مصلحة للمشارقية، ومصلحة أكيدة لأوراسيا، والأهم نحن لبنة أساسية على طريق حلم العرب في وحدتهم ، وحدة المنافع والمصالح والهموم الموّحدة، والمصير المشترك.
لا مشارقية من دون سوراقيا، ولا أوراسيا من دون المشارقية .
نحن أيضاً ننسج سجادتنا، فائقة الإتقان، متعددة الألوان، وقد آن أوان مد بساطنا، الذي يعني من جملة ما يعنيه، مالنا وما علينا.
No comments:
Post a Comment