Monday 20 July 2015

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: البرلمان الوهمى

 
البرلمان الوَهْمِى
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الوطن 21/7/2015)
 
لا أقصد بالبرلمان الوهمى ما ذهب إليه الدكتور محمد أبو الغار فى مقاله الشهير فى مارس الماضى بخصوص برلمان 2014 الذى كاد 2015 ينتهى وقد مَلّت مصرُ من انتظاره، والذى تُشير مُعظمُ المؤشرات والإجراءات والمُماطلات بل والتصريحات التى أفصحت عن رغبة الرئيس فى قائمةٍ مُوَحّدةٍ إلى أن هذا البرلمان (لو) ظهر إلى النور سيكون مُفَرّغاً من مضمونه ومعناه، وإنما أقصد برلمان الخديوى إسماعيل الذى بدأ بالفعل برلماناً وهمياً يستكمل به إسماعيل المظهر الأوروبى الذى كان يهفو إليه (من حيث الشكل لا الموضوع) ككثيرٍ مما تَمَيّز به عصرُه .. وأستأذنُ السادةَ القُرّاء فى الإبحار معاً فى رحلةٍ بامتداد عدة حلقاتٍ نرصُدُ فيها بداية هذا البرلمان الوهمى ثم كيف استطاع هذا الشعبُ رغم واقعه البائس، أن يُفَعِّلَ هذا البرلمان فيما بعد وينقله من الوهم إلى الحقيقة، لدرجة أن إسماعيل نفسه استند إليه فى وجه ضغوطِ المُرابين الأجانب فى نهاية حُكمِه، ثم أصبح صوتَ الشعب أثناء الثورة العُرابية .. وسيكون رفيقنا فى الرحلة عددٌ من المراجع، على رأسها ما كتبه المؤرخ الوطنى الكبير عبد الرحمن الرافعى، ليس فقط لأنهُ كان كمؤرخٍ أقرب إلى القاضى الذى لا يُجاملُ فى الحق أحداً ولو كان أقربَ الناسِ إليه، ولا يتحاملُ على أحدٍ ولو كان أبغضَهم إلى نفسه، أو كما وَصَفَه النقيب العملاق كامل زهيرى فى مُقدمته (تميزت موسوعة عبد الرحمن الرافعى بروح القاضى وعقله الذى يُحقق ويُدقق ويُقلّب بين الأسباب ليوّضح الحيثيات)، ولكن أيضاً لما تضمنته موسوعته من وثائق تاريخية.
والحقيقة أن أول هيئةٍ نيابيةٍ ظهرت فى مصر فى تاريخها الحديث لم تكن برلمان إسماعيل كما هو مشهورٌ، وإنما كان ما سُمِى (مجلس الشورى) الذى أَسَسَه محمد على سنة 1829 ولم يكن له من اسمه نصيبٌ، ولم يكن طويل العمر ولم يظهر له أثرٌ فى معظم عهد محمد على .. وانقضى عهد كُلٍ من عباس وسعيد دون أن يجتمع مجلس الشورى أو أىُ مجلسٍ يُشبِهُه .. فلما تَوَلّى إسماعيل الحكم سنة 1863 فَكّرَ فى إنشاء مجلس شورى على نظامٍ جديدٍ وأسماه (مجلس شورى النواب) وأَسَسَه سنة 1866.
وقد وضع الخديوى إسماعيل نظامه فى لائحتين .. عُرِفَت الأولى باللائحة الأساسية، وهى مؤلفةٌ من ثمانى عشرة مادة مشتملة على بيان سلطته وطريقة انتخابه وموعد اجتماعه .. وسُمِيّت الثانية باللائحة النظامية (نظامنامه) وهى أقرب ما تكون لائحةً داخليةً للمجلس مؤلفة من 61 مادة.
وقد نَشَر الرافعى نَصّ هاتين اللائحتين وكان أبرز ما تُفصحان عنه أن هذا المجلس لم تكن له سلطةٌ قطعيةٌ فى أى أمرٍ من الأمور، وهو وإن كان يُصدِرُ قراراتٍ فيما يُعرض عليه من الأمور إلا أن هذه القرارات لم تكن تعدو أن تكون رغباتٍ تُرفع إلى الخديوى وله فيها القول الفصل .. ولم تُحدد اللائحتان المسائل التى يُبدى المجلسُ رأيَه فيها وإنما وصفتها بأنها المسائل (التى ترى الحكومة أنها من اختصاص المجلس وتتعلق بالمنافع الداخلية).
يتألف المجلس من عددٍ لا يزيد عن 75 عضواً يُنتخبون لمدة ثلاث سنواتٍ، ويتولى انتخابَهم عُمَدُ البلاد ومشايخها فى المُديريات (الذين تُعيّنهم الحكومة الخديوية!) وجماعة الأعيان فى القاهرة والإسكندرية ودمياط .. وللحديث بقيةٌ بإذن الله.
  
 

No comments:

Post a Comment