الانتفاضة الثالثة بين الموقف الشعبي والموقف الرسمي
بقلم المحامي فهمي شبانه التميمي /القدس المحتلة
لا يختلف اثنان في فلسطين التاريخية المحتلة ان سبب هذه الانتفاضة او الهبة فلنسمها ما شئتم هي تعديات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين على حرمة المسجد الاقصى البالغ مساحته 144 دونم بكل ما يحوي من قباب وباحات ولواوين , إن شعور الفلسطينيين بان مسجدهم انتقل من مرحلة التهديد لخصوصيته الاسلامية الى مرحلة تنفيذ هذه التهديدات التي سبقت محاولة التهويد الاخيرة بعدة سنوات تخللها محاولات الاحتلال قياس نبض الشارع الفلسطيني خاصة , والمسلمين عموما وردات فعلهم على كل انتهاك بحق المسجد الاقصى , لقد وصلت محاولات الاحتلال اخيرا الى تنفيد التقسيم الزماني من خلال منع المسلمين من الدخول اليه خلال ساعات محددة وهي بين صلاة الضحى وصلاة الظهر في حين يُسمح للمتطرفين اليهود بالدخول الى المسجد الاقصى خلال هذه الساعات , ومن هنا انطلقت شرارة الاحداث في كل فلسطين مما دفع برئيس حكومة الاحتلال الى الاعلان الخجل انه لا نية للاحتلال بتغيير الاوضاع في المسجد الاقصى ولكنه سماه (جبل الهيكل) واشار في تصريحاته المتكررة ان الاوضاع في "الاقصى" باقية ويعني استمرار دخول المصلين اليهود الى الاقصى حيث اشار ان لهم خمسة عشر عاما يصلون فيه , وذلك اعتبارا من التاريخ المشؤوم باقتحام شارون للمسجد الاقصى الذي ادى دخوله الى انطلاق الانتفاضة الثانية , ولكن الاخطر في هذه الانتفاضة هي اشتراك فلسطينيي عام 48 في الاحداث مباشرة , هذا الاشتراك الذي هز الاحتلال وخلخل اركانه فهؤلاء الفلسطينيين يعتبرهم الاحتلال جزء من تركيبة دولة الاحتلال ولكنه وبهذه الهبة وجد ان لديه اكثر من مليون فلسطيني ينتظرون سقوط هذه الدولة المارقة بل ويسعون الى اسقاطها والمشاركة بالنضال ضدها , مما دفع رئيس حكومة الاحتلال بالطلب من الامريكان حليفتهم وقائدة الحرب الصليبية على كل المسلمين انقاذه وانقاد دولة الاحتلال , وكالعادة حضر وزير الخارجية الامريكية ملوحا بالعصا والجزرة امام الاردن المسؤولة سياسيا عن الاقصى وامام رئيس السلطة الفلسطينية الذي وللمرة الاولى لم يطلب من امنه ان يتدخل لمنع الشباب الفلسطيني من الالتحام مع قوات الاحتلال ولو على الاقل علنا , اضافة الى انه استطاع ان يقرأ ان أي تعليمات توجه منه لأمنه بمنع الاحتجاجات سينقلب الوضع على رأسه فآثر السكون والمراقبة , ولكن المؤسف وكعادة كل انتفاضة وهبه يستطيع الاحتلال ان يحولها بالنهاية لمصلحته , ومثال ذلك الانتفاضة الاولى التي ضربت اروع الامثلة لكل العالم عن صمود شعب فلسطين وبكل مكوناته وازالت عنه الاقاويل بان الشعب الفلسطيني باع ارضه فاحترمنا العالم واحترم تضحياتنا من اجل الحرية والاستقلال فكانت اتفاقية اوسلو التي كان الهدف منها ان يكون جزء من الشعب الفلسطيني حاميا وشرطيا لحماية الاحتلال وهذا الشرطي هو من يتدبر راتبه من التبرعات الخارجية فكان لإسرائيل ما ارادت فوفرت افرادها واعادت توزيعهم ووفرت الاموال لخزينتها ولكن كان المعيق لاستكمال مخططها بعكس اهداف هذه الانتفاضة هو بعض القيادات الفلسطينية المنغصين على الاحتلال مخططاتهم فانطلقت الانتفاضة الثانية وكانت الفرصة للاحتلال باستكمال مخططها من خلال التخلص من بعض رموز هذا الشعب فتم اغتيال الشهيد ابو عمار والشهيد احمد ياسين والشهيد الرنتيسي وابو علي مصطفى وغيرهم من رموز النضال الفلسطيني وكان من نتائج الانتفاضة الثانية تنصيب ابو مازن الذي اعلن مرارا وتكرارا سلميته المفرطة تجاه الاحتلال التي دفعت بالاحتلال ان يتمادى على الشعب الفلسطيني ومقدساته وكان بعهده ان انخلعت غزة عن الضفة الغربية وسعت القوى الدولية الى تعميق هذا الانقسام لتتخلص اسرائيل مما يسمى التواصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزه ,
لقد شعرت اسرائيل مؤخرا انها في اوج انتصارها وان الفرصة مواتية للتفرد بالمسجد الاقصى فالانقسام الداخلي للشعب الفلسطيني والتمزق العربي والحروب الطاحنة فيه بحيث لا يعرف المقتول في هذا البلاد لما قُتل وترى الحليم فيهم حيرانا بمن هو على الحق ومع من يتماشى وسادت الرويبضة فشرعت اسرائيل بتهويد الاقصى وكانت هذه الهبة الجماهيرية في الوقت الذي راهن الجميع ان الشعب الفلسطيني نائم , ولكن الاعتداء على الاقصى لا يمكن السكوت عليه فحضر وزير الخارجية الامريكي محاولا قلب الامور لصالح الاحتلال كما اعتاد الامريكان في الانتفاضات السابقة , فكانت النتائج الاولية للانتفاضة الثالثة تفاهمات مخيبة للآمال مع الملك عبدالله وابو ابومازن بتركيب كاميرات مراقبة داخل الاقصى وان يكون للمسلمين الصلاة ولغير المسلمين الزيارة وهذا بحد ذاته انتقاص للسيادة الاسلامية على المسجد , وبهذه التفاهمات يستطيع الاحتلال ان يراقب عن كثب كل ما يجري حيث رشح عن هذه التفاهمات ان المراقب للكاميرات هم الاحتلال والامريكان فاين الدور الاسلامي في الموضوع واين رقابتهم , ثم لماذا تصبح زيارة المسجد الاقصى حقا لغير المسلمين فبهذه التفاهمات اصبح دخول الغير مسلمين للاقصى حقا لهم وكانت هذه انتكاسة وتحويل لاهداف الانتفاضة الثالثة وحرفها عن النتائج المرجوة .
كعادة الانتفاضات والهبات الجماهيرية السابقة لم يستطع الملك عبدالله ولا الرئيس ابو مازن ان يصلا الى تلبية الحد الادنى من متطلبات حماية المسجد الاقصى او الرقي الى مستوى تضحيات الشهداء والاسرى وكان لوزير الخارجية الامريكية ما اراد ولم يقم احد في استغلال قوة الهبة الجماهيرية الفلسطينية لتحقيق مكاسب على الارض وهي منع دخول الاحتلال الى الاقصى والامتناع عن منع كل المسلمين من الدخول اليه والكف عن تحديد من يدخل ومن لا يدخل والكف عن الحفريات التي قد تؤدي الى هدم الاقصى وافتعال حقائق تاريخية مزورة اسفل المسجد , وكذلك الكف عن مضايقة النساء والمرابطات والشبان , وكذلك اخلاء سبيل كل الاسرى الذين تم اعتقالهم على ذمة هذه الهبة الجماهيرية التي كان المسبب بها هو الاحتلال , وكذلك فتح التحقيق المحايد باغتيال الشبان والشابات والاطفال بدم بارد من المستوطنين ورجال الامن الاسرائيلي , كل هذا وغيره الكثير لم يُطرح على طاولة التفاهمات ....
يتسائل الشعب لماذا لم يخرج علينا احد من المسؤولين ليخبر شعبنا ماذا جرى ؟ والى ماذا تم التوصل ؟ وماذا يريد منا ؟ وما لنا ؟ وما علينا ؟ وهل يرانا الملك والرئيس كقطيع اغنام يوجهونه يمينا ويسارا بمجرد التلويح بعصا الراعي ؟؟؟
ويبقى السؤال الاخير هل حقا يمتلك الملك والرئيس الحد الادنى من الجرأة في حمل لواء شعوبهم والعمل على تحقيق مطالبهم العادلة ؟ ام ان على هذه الشعوب ان تحك جلدها باظفارها ولا تعول على زعمائها الذين يجدون في تلبية مطالب الغرب المتأمر مع الاحتلال الاسرائيلي حفظا لرقابهم وكراسيهم ؟ أم أنّ على هذه الشعوب إن ارادت التحرر فعلا من الاحتلال ان تحدد بوصلتها وهو ترتيب البيت الداخلي اولا من خلال التخلص من هذه القيادات المهترئة المستسلمة المتعاملة ؟؟؟ وبعدها لتقم الدنيا ولا تقعد حتى التحرير ....
No comments:
Post a Comment