Friday, 27 January 2012

{الفكر القومي العربي} دفاعاً عن نزيه أبو عفش... الخوف من الثورة ـ الخوف عليها


http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=2061&WeeklyArticleId=87179&ChannelId=11538&Author=%D9%85%D9%86%D8%B0%D8%B1+%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%AD%D9%84%D9%88%D9%85


دفاعاً عن نزيه أبو عفش
الخوف من الثورة ـ الخوف عليها
الفنان المصري جورج بهجوري (مواليد 1935)





منذر بدر حلوم

ثمة من يخاف الثورة أو يخاف منها، فيقف ضدها أو يمتنع عن تأييدها. وثمة من يخاف على الثورة، فيجهد في تنقية المثال الثوري من شوائب الممارسة الثورية ودمويتها.
أن توصلك تساؤلاتك إلى إعلان اعتراضك على بعض الثورة، يعني أن تضع نفسك في قبضة أوليائها الذين لا يخالطهم شك. أو هكذا يريدون للعالم أن يراهم. فتخيلوا فظاعة من لا يرتاب في شيء، وتخيلوا الأفق الذي ينفتح عليه الولاء المطلق.. الولاء المطلق لأي شيء، خارج النقد والمساءلة والتصويب! «ليس وقته!» يقولون لك. فتجيبهم: «بل وقته، لأن العبرة في العملية الجارية نفسها.. في الفعل اليومي، لا في النتائج!».
يجد غير قليل من السوريين الذين أمضوا حياتهم في العمل على زعزعة النظام وفضح مقولاته وسياساته، حين لم تكن المواجهة المباشرة ممكنة.. يجدون في واقع الممارسة الثورية، وسلوك بعض الشخصيات التي تدّعي قيادة الثورة، ما يدعو إلى الانكفاء، في أقله، وإلى تبني مواقف ضد الثورة، في أشده. ومنهم من ينتهي إلى الإعلان الصريح عن أن الثورة لا تمثله، أو أنها ثورة عدمية لا تصنع أكثر من الموت واستبدال جلادين بجلادين مثلهم. فهل في الممارسة الثورية، على أرض سورية، ما يسوّغ هذه المخاوف والمواقف؟ ألا تؤدي ممارسات ثورية على الأرض يصعب تسويغها وتسويقها، حتى على خلفية وحشية النظام، إلى قطع المدد الشعبي المنقذ للثورة والضامن لنجاحها نحو صيغ أخرى مثيرة للقلق؟

سلمية مسلّحة

منذ إعلان تشكيلات مسلحة تخدم الثورة (لواء الضباط الأحرار، كتيبة خالد بن الوليد.. انتهاء بالجيش الحر) بات الحديث عن سلمية الثورة ليس فقط لغطاً لفظياً بل عسفاً ثورياً سياسياً وثقافياً من نمط خاص. فإما أن تقول بسلمية الثورة كائنة ما يكون التناقض المنطقي بين سلميتها واعتمادها على تشكيلات مسلحة، وكائنة ما تكون الممارسات على الأرض أو تُحسب على النظام، ما يعني الخيانة. وعقوبة الخائن معروفة. هنا يتكشّف بصورة واضحة إلغاءٌ واعٍ لكل رأي لا يُعجَب بالسلاح ولا يعجِب السلاح والقوى الداعمة له، القوى التي وضعت الثورة في سكته ورهنتها له، في مشاركة واضحة للنظام لعبته، وإدخال البلاد في نفق دام ومظلم ومفتوح على اقتتال أهلي وانقسام خطير يهدد وحدة البلاد.. وأما بعد إعلان (المجلس الوطني) تبنيه رسمياً للجيش الحر، الأمر الذي يعني تبني تمويله وتدريبه وعملياته العسكرية، فيفقد الحديث عن سلمية الثورة معناه. فهل تسوغ الممارسة نفسها مخاوف رجال ثقافة وفن مرهفين من نمط نزيه أبو عفش وصولا إلى رفضها.. أم أن في تساؤلي أيضاً خيانة للثورة؟ يبدو أن خيانة العقل، وقيم الثقافة الإنسانية مقبولة بل مطلوبة عند جهة ثورية تبيّض وجهها السياسي اليوم بالدم، بعد أن ساهمت في حرق الأفق السوري الديموقراطي في ثمانينيات القرن الماضي. أليس من واجب المثقفين الأخلاقي والثوري والوطني الاحتجاج على ذلك بل فضحه؟ ليس مقبولا في الثقافة وقيمها القول بغاية تبرر الوسيلة. لا قدسية للأهداف، بل لا قدسية لشيء في ثقافة نقّادة منفتحة. المقدسات والقدسية في الدين وليس في العلم والثقافة. فالهدف الأسمى هو الإنسان وحياته، ولا معنى لحياة تأتي بإلغاء الحياة إلا معنى العبث بأحلام البشر وآفاقهم الروحية والثقافية والمعيشية! إياك أن تطرح تساؤلك على الملأ لأن تلك الجهة وتيك الجماعة سرعان ما تسقطانك في شرك النظام. النظام، حاوية تتسع لكل القذارات، وهو ليس بعيداً عن هذه الصورة، لكن قبحه لا يجمل تلقائياً مناهضيه والثائرين عليه. الجهة ذاتها التي تسيطر اليوم على كثير من القول والفعل، لها تاريخ من الممارسات لا فضل فيها على ممارسات النظام الذي تدفع سوريا خيرة شبابها للخلاص منه. وما أسوأ ما يفعله النظام المتوحش حين يقتل روح التمرد، روح الإبداع في العلم والفن والحياة عموماً، بقتله شباب سوريا الثائرين!! من يُقتل اليوم هم أفضل أبناء سوريا، هم أفقها.

عمليات نوعية، متلفزة

يندر الأسبوع الذي لا يعلن فيه عن تبني التشكيلات الثورية المسلحة عمليات دموية نوعية (ضد حافلات مبيت عساكر عائدين إلى بيوتهم دون أن يتأكد أحد من مشاركتهم في أية عمليات قمع، ناهيك بالسؤال عن الحق في إعدامهم على الطرقات دون محاكمة! وضد سيارات مدنيين يستسهل البعض تشبيحهم، دون أن يوضح لنا كيف يمكن تمييز سيارة مدنيين على طريق عام من سواها فإذا بقتلاها شبيحة! وضد ثكنات جنود يخدمون الإلزامية، وضد مرافق عامة).. وكثير من هذه العمليات (النوعية) تتحقق فيه معاني المجزرة بأبشع صورها وأكثرها وحشية وهمجية، ناهيك بالغياب المطلق للعدالة في الممارسة الثورية القتل السلمي - أم أن الثورة لا تحاج إلى العدالة وغير معنية بها؟! وماذا عن اليوتيوب الذي يصور التحقيق الوحشي الذي قامت به «كتيبة الفاروق» مع أحد عناصر المخابرات الجوية، كما جاء في إعلانها المبتهج؟! هل وحشية هذا الجهاز تلغي وحشية كتيبة الفاروق المستعرضة بالصوت والحركة أم تخفف منها؟ وحشية النظام لا تمنح الإنسانية أو الشرعية لأي فعل وحشي يمارسه أعداء النظام. وإذا كان ذلك يعلن، فثمة ما هو أبشع منه ولا يعلن.. ومن مثاله إعدام جميع أفراد مفرزة الأمن العسكري بعد حصارهم ثلاثة أيام في جسر الشغور، وبعد أن نفدت ذخيرتهم، وبات بالإمكان القبض عليهم.. أم أننا يجب أن نصفق لإعدام القذافي بتلك الطريقة البشعة، من أجل إثبات نظافتنا الثورية. النظافة الثورية تُثبت بالحفاظ على قيم الثورة ومبادئها وأهدافها. فهل لخوف الخائفين مرتكز على الأرض، ولتردد المترددين، وللعنات اللاعنين، أم أننا يجب أن نشتمهم ونبارك القتل الثوري المقدس.. في مواجهة القتل الأسدي المدنس؟ من أين يأتي التدنيس والتقديس؟ القاتل قاتل.. بصرف النظر عن الخندق الذي يطلق منه الرصاص والمدية التي يستخدمها في الذبح، وبصرف النظر عن مستقبلٍ يدلنا بالساطور عليه، كي لا نخطئ الاتجاه. يحلو في مثل هذه الحالات لكثيرين أن يخطئوا الاتجاه.

شخصيات تحت السؤال

وإذا كان الناس عامة وكثير من السياسيين والمثقفين يختزلون النظام بشخصيات ورموز، فما الذي يمنعهم من رؤية الثورة وأفقها عبر رموزها أيضاً فينضم من ينضم إليها وينكفئ من ينكفئ؟ قبح النظام في أعين الشعب الثائر منه والساكت، يكمن في قبح رموزه، وفي تاريخ ممارسات شخصياته.. وليس صدفة أن يتم الحديث إلى اليوم عن إمكانية فوّتها بشّار الأسد لمنع قيام الثورة كان يمكن أن تتحقق لو تمت معاقبة عاطف نجيب ومرتكبين آخرين؟ فكما أن النظام يُكثَّف في رموز فإن المعارضة ينظر إلى أفقها السياسي وإلى وعودها بالديموقراطية والحرية والشفافية والعدالة والأمان من خلال رموزها. فهل أن بعض الشخصيات الفاعلة في السر وفي العلن لا يثير القلق والنفور؟ وهل أن ارتباطات الجماعة لا تثير الريبة؟ ولماذا على البشر أن يصفقوا هنا لمثال ثاروا ضده هناك؟ وإذا أمكن للناس العاديين أن يفعلوا أو يغفلوا عن ذلك فهل من الطبيعي انتظار التصفيق والإغفال من مثقفين عارفين؟
من واجب المثقفين والسياسيين أن يتلمسوا خطوط المستقبل الذي يرتسم الآن، وأن يقولوا كلمتهم قبل فوات الأوان. أم أننا يجب أن نصفّق من جديد لرواية تُؤكّدُ بقوة السلاح والصراخ. (نعم) للثورة، تعني (نعم) لحرية التعبير والتجاوز وتحطيم الأصنام ورفض صناعة أصنام جديدة.. وليس (نعم) لديموقراطية شكلية يفوز فيها أصحاب القوة والمال والإعلام.
(كاتب سوري)


No comments:

Post a Comment