الدابي ... سلطان العشاق
                                                                                       حسين الربيعي
قد يكون تقرير لجنة المراقبين العرب في سورية ، القشة التي تقصم ظهر المؤامرة الصهيو أمريكية الرجعية ضد سورية ، إذ لمح لافروف وزير الخارجية الروسي إلى ضرورة قرآة التقرير الذي تحايلت عليه الأنظمة العربية وجامعتها ، وربما يتم أستدعاء رئيس اللجنة إلى نيويورك والأستماع إليه من قبل أعضاء مجلس الأمن حيث من المؤمل ان يعقد المجلس اليوم الثلاثاء جلسة حول (الأزمة السوربة) تقف فيها روسيا بالمرصاد لكل محاولات التدخل الدولي في سورية ، فالدابي تململ من محاولات تخريب عمل اللجنة من قبل جهات معينة ، كان قد صرح لجريدة الحياة بتصريح أتهم فيه بصراحة (المعارضة) بالعمل على نقل ملف الأزمة إلى مجلس الأمن بغية تدويلها .
الدابي الذي يبدوا ظاهرة عكس التيار السائد في المنطقة ، وهو تيار الأسترزاق ولو على مصير الأمة ووجودها ، لم يكن ظاهرة عارضة في تأريخ السودان ، ودون الدخول في اعماق التأريخ السوداني ، يمكن الأكتفاء بنموذج من الماضي القريب يمثله المشير عبد الرحمن سوار الذهب ورفاقه في إنقلاب عام 1985 ضد نظام نميري ، لكي نبرهن على صحة قولنا هذا وربط ذلك بما نحن في صدده ... فللحاضر جذور تربطه بالماضي ، فالسودان الذي تتآمر عليه كل قوى الشر في العالم حتى بعد اقتطاع جنوبه ، سوف يظل قويا بدلالة أستمرار مؤامرة تقسيمه حتى هذه اللحظة ، وإذا قيل عن السودان أنه يمكن أن يكون مزرعة العرب لطيب أراضيه وخصبها، فإنه في نماذجه التي لامثيل لها في الوطنية العربية ، مدرسة من الطراز المتقدم الذي لايضاهى .
أستلم عبد الرحمن سوار الذهب السلطة بعد أنقلاب عسكري إثر أنتفاضة أبريل 1985 ضد الحكم الدكتاتوري للرئيس جعفر نميري ، وترأس المجلس الأنتقالي ، وتعهد سوار الذهب بتسليم السلطة بعد عام إلى حكومة مدنية ، وظن الجميع إنهم يستمعون أو يشاهدون مسرحية معادة ، بعضهم سماها أسطوانة مشروخة تعودت العرب أن لايصدقوها ، فيدخلوها من إذن ويخرجوها من الأخرى ، والكل راهن على أستمرار تمسك العسكر بالحكم على غرار ما حدث ويحدث في الوطن العربي ، ولكن سوار الذهب لم يمهل المشككين ، فما كاد العام يمضي حتى سلم العسكر السلطة لحكومة مدنية . لم تكن ثقافة العرب التي تعودت على ( حب الإمارة ولو على حجارة) كما يقول المثل العربي هذا المشهد في حومة الجميع للهيمنة وسرقة السلطة ، ولذلك عرف العرب أن السودان المحاذي لأواسط أفريقيا أو التي يقول عنها بعض الجهلة من سياسيي هذا الزمن العابر (مجاهل أفريقيا) ... إنه ليس بعيدا عن الأمة العربية ، بل هو في قلبها ووسط جماهيرها ، يعرف أمانيها وأمالها في الحرية والديمقراطية ويعاني مع معاناتها، فكان الرجل ، سوار الذهب نموذجا لامثيل له في الوطنية العربية وفي النزاهة وفي الصدق بالعهود .
أما مثلنا الأخر الذي لايزال يتجسم في شكل تموذج للوطنية العربية ، فهو الفريق محمد مصطفى الدابي رئيس لجنة المراقبين العرب ، الذي أرادتها الرجعية العربية ، آداة لتسويغ المؤامرة ضد سورية ، وإجهاض المقاومات العربية كون سورية القاعدة والقلعة الأخيرة لها ، والشريك الحقيقي لكل أنتصاراتها وصمودها أبتداءا من انتصار حرب تموز 2006 في لبنان وانتهاءا بالنصر العراقي ضد الأحتلال الأمريكي ، مرورا بصمود قطاع غزة ومقاومتها .
لقد كنا والشرفاء من أبناء هذه الأمة ، نخاف ان تتحول لجنة المراقبين إلى لجان تفتيش جديدة ، تصنع المبررات للتدخل الخارجي ، كما حدث أثناء الإعداد لأحتلال العراق ، ولكن مزرعة العرب في أفريقيا ، مدرسة للوطنية العربية كما قلنا ، فكان سفر الفريق الدابي كسفر سوار الذهب ، بل هو يكاد أن يكون قصدية اخرى من قصائد الشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري ، أو عمودا في قصيدة من قصائده التي تنبأ فيها بمولودات سودانية من النموذج الأكثر صدقا في الوطنية العربية ، إذا ألا تعتقدون أن الرجل لحد الأن يستحق منا التحية ؟
تمنيت أن أكون في دمشق الحبيبة ، وتحديدا في السبع بحرات ، لكي أرفع صورة للدابي بجانب نصب البطل يوسف العظمة ، ويافطة تحمل معاني الشكر للدابي والمراقبيين العرب الشرفاء ، مكتوب فيها هذا النص من عمود في قصيدة للفيتوري يقول فيها :
 
في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق
صرخت بلا وجه ورقصت بلا ساق
وزاحمت براياتي وطبولي الأفاق
عشقي يغني وفناني استغراق
مملوكك لكني سلطان العشاق     
 
                                                                         بغداد العروبة
                                                                  31 كانون ثاني يناير 2012