Sunday 15 February 2015

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: كيف يحرمك الكشف الطبى من الترشح

 
كيف يحرمُك الكشف الطبى من الترّشُح
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(اليوم السابع 16/2/2015)
مِن مبادئ الإدارة أن يُحدد مُقدِم الخدمة المُستهدَف الحقيقى مِن الإجراءات أولاً ثم يصوغ الإجراءات بما يُلبّى هذا المُستَهدف الحقيقى .. فإذا كان المُستهدف الحقيقى للجنة المُشرفة على الانتخابات هو التضييق على الناخبين لإتاحة الفرصة لأكبر قدرٍ من التزوير (كما كان الحال فى الانتخابات المُباركية) فمن المنطقى أن تأتى الإجراءات فى هذا الاتجاه .. ولعلّ كثيرين يذكرون تلك الأيام التى كان النظام يرفض فيها تطبيق مطلبنا البسيط بأن يكون الانتخاب ببطاقة الرقم القومى بدلاً من اشتراط استصدار بطاقةٍ ورقيةٍ حمراء من قسم الشرطة لاينالها الناخبُ إلا برضاء مأمور القسم! .. فقد كان المستهدف هو إقصاء الناخبين والمرشحين المعارضين حتى يخلو الجو لعمليات التزوير الفجّة كتلك التى أجراها الحزب الوطنى المُنحّل فى 2010.
أما الآن وقد صار المُستهدَف مِن الإجراءات الانتخابية هو تسهيل المُمارسة الانتخابية لكلٍ من المُرشّح والناخب (أو هكذا أعتقد) حتى يأتى البرلمانُ مُعبّراً حقيقياً عن جموع المصريين ويحمى مصالحهم، فقد كنتُ أتوقع أن تأتى الإجراءات مختلفةً عمّا صَدَر عن اللجنة العليا للانتخابات فى الأسابيع الأخيرة.
لى رأىٌ ثابتٌ فى هيكل اللجنة العليا للانتخابات (أى انتخابات) لم أُغيّره .. هذه اللجنة يجب أن يرأسها قاضٍ جليل (لأسبابٍ مفهومة) ولكن عملها إدارىٌ بحت .. هذه ليست لجنةً قضائيةً تُصدر حُكماً (إلا فى آخر مراحلها إعلان النتيجة) وإنما هى لجنةٌ إداريةٌ يرأسها قاضٍ .. ومن ثمّ فلا بُد أن يكون عِماد تشكيلها مجموعة من أعلام الإدارة فى مصر لا يتركون صغيرةً ولا كبيرةً إلا وأعملوا فيها سؤال الإدارة التقليدى "ماذا لو؟".
منذ حوالى عامٍ، اعتذر صاحبنا عن طلب مدّ خدمته بعد بلوغه سن الستين حتى لا يكون متناقضاً مع شعار "لا للتمديد" الذى كان يرفعه مع نُبلاء كفاية فى وجه مبارك .. بعد ذلك مكث شهوراً بلا عملٍ .. لا أحد كلّفه بعملٍ ولا هو ممن يطلبون ذلك .. وقد رضى بنصيبه شاكراً لله الذى جعل مصر مليئةً بالكفاءات التى تَفضُلُه من جميع الوجوه وتزدان بهم المناصب فى هذه المرحلة التى لا تنطبق معاييرها عليه .. إلا أن الأشقاء فى دولة الكويت أحسنوا الظنّ بخبرات صاحبنا وعرضوا عليه عرضاً كريماً للعمل مستشاراً بمجلس الوزراء فحَمَدَ الله الذى جعل رزقه بيده سبحانه لا بيد غيره.
عندما فاتَحه عددٌ من القامات الوطنية فى إمكانية الترشح على قائمة صحوة مصر رغم أن نجاحه يعنى الاستقالة من عمله الجديد بالكويت قال لهم (إن الترشّح لانتخابات البرلمان القادم فرْض عينٍ على كل من يجد فى نفسه الجدارة والكفاءة لأداء الدوريْن الرقابى والتشريعى للبرلمان .. فإذا طلب منك مواطنوك ذلك الأمر أصبح الاعتذاُر خطأً كبيراً مَهما كان عبء وتكلفة الترشح .. ويتضاعف جُرم النكوص فى ظل إقدام رموز فساد نظام مبارك على الترشح دون حياء) .. وأضاف (من السهل إنهاء إجراءات الترشح فى سفارتنا فى الكويت عند فتح الباب رسمياً .. وبحلول مارس سأكون قد أوفيتُ بالجزء العاجل من التزاماتى الاستشارية تجاه الأشقاء .. وعندها يمكننى الاستئذان فى إجازةٍ للإسهام فى الدعاية الانتخابية .. فإذا كلّل الله جهودنا وجهادنا بالنجاح سأستقيل شاكراً للأشقاء حُسن الاستضافة وكَرَم الوفادة لأؤدى واجبى تجاه الشعب المصرى الذى احتضننى وطوّقنى بمحبته طوال السنوات الماضية .. فتمثيل الشعب المصرى شرفٌ لى ولا يُساويه أى عملٍ آخر مهما بلغت مزاياه).
قبل فتح باب الترشح بأيامٍ صدر حُكم أول درجة بإلزام المرشحين بتوقيع الكشف الطبى للتأكُد من لياقتهم بدنياً وذهنياً للممارسة البرلمانية .. أتفهم مسألة إجراء كشف المخدرات والكحوليات ولكننى لا أفهم حكاية اللياقة البدنية، إلا إذا كان مطلوباً من أعضاء البرلمان القادم المشاركة فى ماراثون الدراجات .. وبدا الأمر غريباً ومشكوكاً فى دستوريته فى ظل دستورٍ يُلزم بنسبةٍ من المقاعد لمُتحدى الإعاقة .. وزاد من الشك والريبة أنّ رافع هذه الدعوى أحدُ أذرع أمين تنظيم الحزب الوطنى المُنحّل، وهو حزبٌ اشتهر بأشياء كثيرةٍ ليس من بينها بالتأكيد الدفاع عن الفضيلة ومحاربة المخدرات.
بعد ذلك كلّفت اللجنة العليا للانتخابات وزارة الصحة بتنظيم الأمر .. وهنا بدأ العكّ .. وبدلاً من أن تُدير وزارة الصحة المسألةَ بما يُيسّر على آلاف المرشحين الوفاء بهذا الشرط الجديد المُفاجئ فى الوقت المحدود المُحدّد، بدا وكأن الهدف الأسمى للمسؤولين فى الوزارة هو الاسترزاق من هذا المنجم الجديد .. تَحدّد فى البداية مستشفيان حكوميان فقط (!) .. لماذا لم يُكلف أحدٌ نفسه عناء التفكير فى أن هذا الرقم غير كافٍ بالمرة لعددٍ من المرشحين لن يقلّ بحالٍ عن سبعة آلاف؟ فأى مواطنٍ عادىٍ درس مبادئ الحساب يعرف أنه إذا كانت مقاعد البرلمان حوالى 500 وكل مقعد يتقدم له 15 مرشحاً على الأقل فيكون الإجمالى سبعة آلاف .. ولما هاج الناس تم زيادة المستشفيات المخصصة إلى 20 ثم إلى 40 .. لماذا لم يحدث ذلك من البداية؟. المهم أن تكلفة هذا الكشف خُفضّت إلى 6000 جنيه بعد أن كانت 9000 جنيه (!) .. ويسأل المرءنفسه لماذا؟ لقد أجريتُ كشفاً طبياً شاملاً قبل شهرين فى أحد المستشفيات الخاصة الشهيرة المعتمدة بالجيزة وكان إجمالى التكلفة 1150 جنيهاً.
يوم الخميس 5 فبراير اتصل الفاضل الدكتور عبد الجليل مصطفى بصاحبنا وأبلغه أنه نال شرف الترشح على رأس إحدى القوائم الأربع لصحوة مصر.. وأرسل له مُحامو صحوة مصر الأفاضل قائمةً بالإقرارات والنماذج والتوكيلات المطلوبة للترشح لاستيفائها وتوثيقها من السفارة المصرية بالكويت بمجرد فتح الباب رسمياً صباح الأحد 8 فبراير وإرسالها بأسرع ما يمكن للجنة التنسيقية للحركة نظراً لضيق الوقت المُتاح .. فمحامو الحركة (وباقى الائتلافات) ولجنتها التنسيقية فى سباقٍ مع الزمن لتلّقى أوراق المرشحين وفرزها وإجراء التباديل والتوافيق بها واستكمالها فى ترتيبها النهائى لتقديمها للجنة العليا للانتخابات قبل أن ينتهى يوم الاثنين 16 فبراير .. أى أن آخر توقيتٍ عملىٍ لاستلامهم أوراق صاحبنا هو مساء الخميس 12 فبراير.
تفحّص صاحبنا قائمة الأوراق المطلوبة ووجد بها ما هو ضرورىٌ ومنطقى وما هو غير ذلك .. ولم يتوقف كثيراً عند شرط الكشف الطبى إذ ظنّ أنه سيُجرى حتماً للموجودين بالخارج بأحد المستشفيات المعتمدة من السفارة، لا سيما وأن هناك نسبةً دستوريةً من المقاعد مخصصةٌ للمصريين فى الخارج ,, ولا يُعقلُ أن يُطلب من مصرىٍ مقيمٍ فى أمريكا مثلاً أن يقطع عمله فجأةً ويبحث عن مكانٍ فى طائرةٍ تنقله للقاهرة ليكشف فى أحد مستشفيات وزارة الصحة ويعود للحاق بعمله خلال ثلاثة أيام!.
ليلة فتح باب الترشح مساء السبت 7 فبراير اتصلّ صاحبنا بنائب القنصل أحمد السيد عبد الحليم وعَلِم منه أنه وأفراد القنصلية برئاسة السفيرة/ هالة البشلاوى يُعطون أولويةً لتسهيل إجراءات راغبى الترشح للبرلمان وأنه يمكنه تقديم التوكيلات والإقرارات المطلوبة وتوثيقها واستلامها منهم فى نفس يوم فتح باب الترشح .. ولكنه فاجأَه بأنه لم تصلهم أى تعليماتٍ بخصوص إجراء الكشف الطبى فى الكويت.
أبرقَ صاحبنا للإخوة الأفاضل فى (صحوة مصر) مستفسراً ومندهشاً، فأجابه الدكتور/عبد الجليل مصطفى حزيناً ومندهشاً مثله (لله الأمر من قبل ومن بعد .. لقد قابلتُ المتحدث باسم اللجنة وفشلتُ فى إقناعه بعدة أشياء، من بينها تفويض سفاراتنا فى الخارج فى اعتماد مستشفياتٍ للكشف الطبى فى دُوَلها .. أو مدّ أجل تسليم الأوراق بفترةٍ تسمح لمن يستطيع من المصريين فى الخارج أن يأتى ليُجريه فى مصر).
أبلغَ صاحبنا الدكتور عبد الجليل باستحالة ترشحه عملياً لأنه لن يستوفى شرط الكشف الطبى فى مصر، ليس فقط لصعوبة الحصول على تذكرةٍ فى خلال 24 ساعة فى عز موسم فبراير، ولكن لإخلاله بالتزامٍ أخلاقىٍ تجاه أشقاء وثقوا به وأكرموا وفادته وينتظرون استشارته فى نفس هذين الأسبوعين ولا ذنب لهم فيما يحدث من عك.
مساء الأربعاء 11 فبراير صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء كشف اللياقة البدنية واقتصار الكشف على تقديم شهادةٍ طبيةٍ تؤكد سلامة المرشح الذهنية والنفسية وعدم تعاطيه المخدرات .. فى التفاصيل عَلِمنا أن الشهادة الجديدة لا تختلف عن الكشف القديم فى ضرورة استخراجها من مستشفيات وزارة الصحة المصرية .. أى أنه لاجديد.
صباح الجمعة 13 فبراير أصدر وزير الصحة قراراً بتعديل إجراءات الكشف الطبى بالقدر اللازم لبيان خلوّ المرشح من الأمراض الذهنية والنفسية التى تؤثر على عمله النيابى وأنه ليس من متعاطى المخدرات والمُسكرات، وتم تخفيض قيمة الكشف لتصبح 2850 جنيهاً (يا سلام!!!).
وأصدر أيضاً قراراً وزارياً بتفويض سفارات وقنصليات مصر فى دول العالم بأن تُحدد المستشفى المُعتمد لديها (أخيراً؟ وبعد أن أوشكت الفترة الرسمية على الانتهاء؟ من يُعوضنا عن فترة التأخير؟ كيف يكشف صاحبنا صباح الأحد 15 ويستلم النتيجة ويرسلها بالبريد السريع ليتم تقديمها قبل انتهاء الإثنين 16؟) .. الطريف وإن كان مُتسقاً مع السياق العام للعك الإدارى، أنه حتى صباح السبت 14 وقت كتابة المقال لم تصل أى تعليمات للسفارات بخصوص قرار وزير الصحة!!.
أكتب المقال صباح السبت .. ومن يدرى؟ فقد تصل التعليمات للسفارات باكر أو بعد باكر .. أو بعد إغلاق باب الترشيح .. وقد يصدر قرارٌ بمدّ أجل تسليم الأوراق .. وقد لا يصدر .. وقد تُقام الانتخاباتُ فى موعدها .. وقد لا تُقام.. وقد .. وقد .. وقد .. يا سادة .. هل هذه عمليةٌ انتخابيةٌ؟!!.

No comments:

Post a Comment