Sunday 11 October 2015

{الفكر القومي العربي} ليتها علمانية يا وزير الثقافة ... بقلم مصطفى عبيد


https://www.albawabhnews.com/list/72/political-life




ليتها علمانية يا وزير الثقافة

                                        

قامت الدُنيا ولم تقعد لأن حلمى النمنم وزير الثقافة قال إن مصر دولة علمانية بالفطرة ، وأن كل محاولات تبديلها إلى دولة دينية أدت إلى دماء ومعارك وفوضى . غضب السيد ياسر برهامى غضبا شديدا ووصف فصل الدين عن الدولة بالكفر ، ووصم المُتسلفنون  على صفحات التواصل الاجتماعى الوزير بالخائن ودعاه بعضهم إلى التوبة ، ورفع بعض آئمة المساجد أكفهم إلى السماء داعين بالهلاك على الرجل .

لم يعُد الصدق منجى فى هذا الوطن الذى تشوهت دماغه فصار كُل ما يُخالف القطيع جُرم وفساد . لم تعُد الحقيقة هى ما يبغيها الناس والرأى العام ، وإنما على معشر الكُتاب والمفكرين وأصحاب الأدمغة أن  يقروا القًبح كما هو أو يصمتوا صوناً لدمائهم و طلباً  للسلامة . أن يجرؤ حلمى النمنم أن يخرج عن الخط ، ويجاهر بالصدق ، ويصدع بالحقيقة فذلك مرفوض وممنوع . أن يقول ما تغاضينا على قوله ، ويُقر كمسئول عن ثقافة وابداع هذا الوطن بأن فصل الدين عن السياسة هو الخلاص والمنجى فهو ازعاج للذات البرهامية وتحدى للحى التُجار البدويين .

لا صيحات أصحاب اللُحى تُزعجنا ، ولا أدعيتهم على المُثقفين ( الزنادقة ) تُرهبنا . لو كان لهم دعاء مستجاباً لدعوا لأنفسهم بالصلاح والهُدى والفهم الواعى لمشكلات الوطن . إن هؤلاء يستغلون جهل الناس بمعنى العلمانية ، وبالصورة السلبية للمصطلح فى مصر ، ففى عصر أنصاف العقول وأنصاف المواهب وأنصاف الثقافة أصبحت كلمة علمانية مُرادفا للكفر ، وصار فصل الدين عن الدولة بمعنى الخروج عن الدين .

إننا بحاجة ماسة إلى اعادة الاعتبار لمُصطلح العلمانية الذى يُنزه الدين ــ أى دين ــ عن أن يستخدمه ويستغله انتهازيون لتحقيق مصالح ذاتية . الدين ليس سُلما إلى السلطة ولا ينبغى ان يكون ، ومَن يعود إلى قراءة واعية للتاريخ الإسلامى ولنصوص الإسلام الخالصة يعى تماما صحة ما ذهب إليه الكاتب الراحل توفيق الحكيم من أن الإسلام دين علمانى . فى الإسلام لا نظام سياسى مُحدد ، وإنما هناك حرية للناس أن تجتهد للشكل الأمثل للحكم .الإسلام  دين ليس به سلطة دينية ، ولا كهنوت ، واختيار الحاكم  فيه لا يعتمد على اختيار الاتقى وإنما الاقوى والأنسب والاصلح .

مصر دولة علمانية . ياليت . نتمناها كذلك . نحلُم بها دولة ترعى حقوق مواطنيها دون نظر لمعتقداتهم . لا فرق بين مصرى وآخر إلا بالكفاءة والإخلاص . لا تجارة بالقرآن ولا اختطاف للافتات الدين لنيل أصوات انتخابية .

لقد هالنى وأنا أراجع تاريخ الإسلام السياسى فى هذا البلد أن أكتشف مخازى وفضائح وبزنس قذر ومظالم وتشويه للإسلام كنتاج لمولد جماعاته . ماذا كسب المصريون من ظهور جماعة الإخوان المسلمين مُنذ مايقرب تسعة عقود ؟ دم ؟ خراب ؟ تدمير ، تحجير للعقول واغلاق للفكر ووأد للتحرر . بل قولوا لى ماذا ربح الإسلام من هذه الجماعة ؟ لقد شوهت الدين وحولته إلى جسر لوصولها إلى السلطة ولاشئ أكثر .

لقد أنجب هذا الوطن فى زمن اللبيرالية الحق قامات عظيمة مثل طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأم كلثوم . فى ذلك الزمن الذى قال فيه مصطفى النحاس زعيم مصر لحسن البنا  أن وضع كلمة " الله " فى برنامج سياسى شعوذة ، ووافقه الناس وأيدوه فولدت النهضة الفكرية والإبداعية .

أما فى زمن النفط ، والوهابية ، والمد المتطرف ، والنقاب فلم تُقدم مصر شئ. ياليتها علمانية يا سيادة المثقف الكبير . ياليتها كذلك .

والله أعلم .

مصطفى عبيد

mostafawfd@hotmail.com

 

 


No comments:

Post a Comment