Wednesday, 20 April 2016

{الفكر القومي العربي} article

العلاقة مع الجوار ، قضية ستراتيجية
صباح علي الشاهر
 
كم لدى العرب من حكم يرددونها لكنهم لا يعملون بها، من ذلك " الجار قبل الدار "، هل كنا ، ومنذ أن نشأت كياناتنا الحديثة في علاقة متوازنة، أو مقبولة مع جوارنا؟ وهل سعى جيراننا بالمقابل إلى علاقات متوازنة معنا؟
سنتناول هنا العلاقة بيننا، نحن العرب، وجارتنا الشرقية " إيران"، وجارتنا الشمالية " تركيا"، وعلاقتهما بنا، وسنتطرق فيما بعد " في مقال لاحق" لعلاقة العرب الشمال أفريقيين بجوارهما الجنوبي، المختلف دينياً وعرقياً، أو المتشابه دينيا والمختلف عرقياً.
العرب، والفرس، والترك، أمم كبيرة وعريقة، لها تأريخ حضاري، وهم يتواجدون على بقعة جغرافية بالغة الأهمية، ويمتد تأثيرهم خارج حدودهم الجغرافية لأسباب شتى، ولكونها أمم كبيرة بكل المقاييس، فليس من الوارد أن لا يكون لها دورها الفاعل  في المنطقة، ويخطيء من يتصور، ولأي سبب، أن بإمكانه تحجيم هذا الدور، أو تكبيره أكثر من حجمه الحقيقي، فالنفخ في البالونه يكبرها لكنه لا يقويها .
ليس من الصعب وضع اليد على ذرائع الصراع والإحتراب ، والتي لا تخرج عن ذريعتين " الطائفية" و" العنصرية "، ونقول ذرائع لأن التعدد الطائفي، كما الأثني ليس مدعاة للإحتراب، وإلا لأنقلب العالم كله بعضه على بعض .
يمكن تلمس الصبغة الطائفية في موقف العرب السنة من الفرس الشيعة، وموقف العرب الشيعة من الفرس الشيعة، وبالمقابل يمكن تلمس موقف الحكومة الإسلامية الشيعية من الحكومات السنية، والتنظيمات والأحزاب الشيعية العربية، ونفس الشيء يمكن قوله فيما يتعلق بالحكومة التركية الإسلامية السنية الحالية.
هذه الملاحظة تصدق على الحكومتين الإسلاميتين الحاليتين في إيران وتركيا، لكنها لا تصدق على الحكومات السابقة لوجودهما، مما يؤكد ظرفية هذه الذريعة، وتهافتها، فإيران الشيعية تناصر أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية، كما أنها تدعم حماس السنية، وتركيا السنية تناصر إذربيجان الشيعية، بمواجهة أرمينيا المسيحية، لكنها تتحالف مع إسرائيل عدوة المسلمين وسالبة قدسهم .
الذريعة الطائفية متهافتة للحد الذي لا تقنع حتى السذج، والشيعة لن يكون بمقدورهم مهما بلغ نفوذهم تشييع السنة، والسنة لن يكون بمقدورهم مهما بلغت قوتهم تسنين الشيعة، ولم يستطع الشيعة القضاء على السنة يوم كانت لهم دول وسلطنات وإمارات كبرى، ولم يستطع السنة القضاء على الشيعة يوم كان لهم خلافة ودول بالغة القوة والمهابة، لكن إحتراب السنة والشيعة ، سيجعل أعداد متزايدة من المسلمين السنة والشيعة يتخلون عن الإسلام، حتى في عقر داره، وبالتالي فإن هذا الإحتراب سوف لا ولن يخدم الشيعة ولا السنة، وسيكون وبالاً على الإسلام كله، وعلى الأمن والسلم الدوليين .
ليس ثمة ما هو أسخف من الإصطفاف الطائفي، لأنه يرهن وعيك وفاعليتك بآراء فقهاء عاشوا قبل أربعة عشر قرناً في مجتمع منغلق على نفسه، أنها عملية إيقاف قسري للزمن.
دائما تختلف وجهات النظر في تقييم أحداث تأريخية معينة، وسوف لا ولن يحل ذلك الزمن الذي يتفق فيه الناس، جميع الناس، على تقييم أحداث التأريخ وشخصياته، هل يتفق السوريون الآن على تقييم شخصية بشار؟، وهل يتفق المصريون على تقييم شخصية السيسي؟، وهل يجمع الناس في القرن العشرين على شخصية لينين؟، فما بالكم بمن عاشوا وعملوا قبل أكثر من ألف عام ؟!. إن الأفكار، كل الأفكار، عرضة للقبول والنقد والتجريح، والأشخاص، كل الأشخاص، عرضة  للقبول أو الرفض، ومن الطبيعي أن يختلف الناس في إتباع هذا أو ذاك من المفكرين والمصلحين، والقادة، وحتى القديسين، وصولاً للأنبياء والمرسلين، ولهذا وجد عبر التأريخ مؤمنون وملاحدة، ومؤمنون متحولون إلى ملاحدة، وملاحدة متحولون إلى مؤمنين، ومن هو بين بين ، وسيبقى الأمر هكذا إلى ماشاء الله، ومحاولة قولبة الناس في قالب واحد أمر مستحيل، وعبث لا طائل وراءه.
كيف يمكن لعاقل أن يجعل العبث، وما لا يُفهم عقلياً ووجدانيا، متاريس يتمترس خلفها أعداء وهميين، وخصوم مفتعلين، يصبح هم كل منهم إلغاء الآخر، لا بإخضاعه فحسب، وإنما إبادته؟! ثم يتم نقل هذا الخبال من إختلاف بين الأفراد والطوائف، إلى صراع بين الأمم والشعوب.
لا يغالطن أحدكم فيدعي أن مثل هذا الخبال عند متشددي السنة فقط، ولا عند متشددي الشيعة فقط، ولا عند المتعصبين العرب فقط، ولا عند المتعصبين الفرس أو الترك فقط، وإنما أضحى هذا الجنون عاماً وشاملاً وإن كان بدرجات.
نحن العرب نردد بلا إنقطاع  " كنتم خير أمه أخرجت للناس "، لم نلتفت لـ" كنتم" وإن تفطنا، لوينا الكلام وقلنا المقصود بكنتم ليس الماضي، وإنما الحاضر، ليس هذا فقط بل المستقبل، ولا أدري كيف سوغ المفسرون والشراح لأنفسهم تحويل الماضي الصريح إلى حاضر ومستقبل، ثم أننا لم  نحدد مفهوم " أمة"، كما قيلت في حينها، ولمن قيلت، هل هي أمة العرب، أم أمة الإسلام، أم المقصود بها الجماعة أو العصبة الخيرة التي ناصرت النبي، و تحملت ما تحملت من أجل تغير الحال بما يخدم الناس.
ألبسنا أنفسنا لبوس " خير أمة" وتفاخرنا بما يحق لنا الفخار به، و ما لا يحق، وكان من الطبيعي أن يتعالى بعضنا على غيرنا من الأمم، ولما كان لكل فعل رد فعل، فقد إنبرت الأمم الأخرى، الفرس والترك تحديداً للتقليل من شأننا، ووصفنا ببدو الصحراء، وسلبونا مفاخرنا الحقيقية، وألصقوا بنا ما ليس فينا.  
لسنا على حق، مثلما ليس الفرس والترك على حق، فالله أعدل من أن يجعل الأمم والشعوب مراتب  تتدرج في السمو والرفعة، وفي الخسة والإنحطاط، لقد خلق الله جميع البشر على أحسن تقويم، وخير الناس من نفع الناس .
فان أكون عربياً أو فارسياً أو تركياً أو كردياً، فهذا وصف ونسب، لا يحمل لوحده أفضلية من أي نوع، وإنما تأتي الأفضلية بالعمل الصالح، إن أفضلكم عند الله أتقاكم. أليست هذه بدهيات من ديننا وفكرنا، فكيف أصبحت صفة الفارسية أو التركية أو العربية سبة ومثلبة ؟!
ولماذا علينا مناصبة الفارسي أو التركي العداء، لمجرد أنه فارسي أوتركي . نعم سنناصبه العداء عندما يحتل أرضنا، ويقف مع أعدائنا، أو يناصرهم ضدنا، وهذا ما فعله ويفعله عدونا الحقيقي، الذي إحتل أرضنا، وشرد أهلنا، واستباح دمنا، وهتك أعراضنا، إسرائيل عدونا الذي نحتاج تضامن كل أخيار العالم معنا ، ومساندتهم لنا في كفاحنا الذي ينبغي أن يكون بلا هوادة ضد هذا المحتل الغاشم ، حتى إسترداد حقوقنا ، كامل حقوقنا..
لسنا في حال من البطر بحيث نخلق أعداءاً وهميين، وحتى لو كانت مصالح البعض تتضارب مع مصالحنا، في هذه النقطة أو تلك، في هذا المفصل أو ذاك، فهذا التضارب في المصالح  ينبغي ان لا يتحوّل إلى عداء ينسينا عدونا الحقيقي، وعلينا تنظيم وعقلنة إختلاف المصالح بيننا، بحيث لا تتسبب هذه الإختلافات بأذى لنا ولا بأذى لجيراننا .  
 

No comments:

Post a Comment