Wednesday, 25 January 2012

{الفكر القومي العربي} العقوبات تصيب الشعوب والتدخل الخارجي يفتت الكيان ولا يكتفي بتغيير النظام - كمال شاتيلا

 

العقوبات تصيب الشعوب

والتدخل الخارجي يفتت الكيان ولا يكتفي بتغيير النظام

 

كمال شاتيلا

 

 

لا نعلم مضمون المداولات التي حصلت في الاجتماع الوزاري العربي ومن هي الدول التي امتنعت عن تدويل الازمة السورية، لكننا نعلم أن مسؤولين عرباً لا يريدون من المبادرة العربية سوى شهادة سلبية ضد النظام السوري يمسكونها كمبرر لاستدعاء الأطلسي وتسليمه شؤون سوريا تحت "مبررات انسانية".

لقد سبق أن اتخذت الجامعة العربية قراراً في العام 2003 بمنع أي دولة عربية من تقديم تسهيلات للأميركيين لاحتلال العراق، لكن بعض البلدان العربية تحوّلت الى منصات عدوان على العراق وبخاصة في منطقة الخليج.

ولقد سبق ونبّهنا مراراً منذ عشر سنوات عن تكامل المشروع التقسيمي الاسرائيلي لسبعة بلدان عربية مع المشروع الاميركي المسمى بالأوسط الكبير، وقلنا إن لدى هذا المشروع أولويات، يضرب بلداً ويحيّد بقية البلدان، ثم يأتي الدور على بلد آخر، في سلسلة متواصلة لا تستثني أحداً. لقد خربوا العراق تحت شعار اسقاط صدام حسين، فإذا بهم يدمرون العراق ووحدته ومؤسساته ومصانعه ويقتلون مليون ونصف مليون ضحية ويهجرون خمسة ملايين نسمة.

ثم تحوّلوا الى السودان، فقسموه بين شمال وجنوب، ثم استولوا على ليبيا تحت شعار اسقاط النظام بعد أن دمّروا بنيتها التحتية وتسببوا بقتل ما يزيد عن ستين ألف مواطن ودمروا الجيش الليبي، وها هي ليبيا اليوم مدمّرة، وموقعاً لصراعات طائفية وقبلية ذات طابع تقسيمي.

ان الصهاينة بدعم الأطلسي لا يريدون مصلحة الشعب السوري ولا الديمقراطية. إنهم يسلّحون مجموعات طائفية متطرفة ومجموعات مسلّحة عرقية ومناطقية، بهدف تقسيم سوريا وانهاء وجودها كقاعدة عربية متقدمة بوجه الصهاينة.

نحن هنا لا ندافع عن أخطاء النظام، لكننا ندافع عن وحدة سوريا وعروبتها واستقلالها والتي يعمل الاطلسي على تصفيتها وضربها كما حصل في العراق والسودان وليبيا. إنهم يرفعون شعار اسقاط نظام عربي، لكنهم يعملون لتدمير كيان وطني، لذلك كله لا يجوز تحت أي شعار أو سبب تقديم مبررات لاستباحة سوريا بالتدخل الاجنبي وبغطاء عربي رسمي.

ان القادة العرب لا يجب أن يحمّلوا ضميرهم حجم الخراب الذي يمكن أن يحدث لسوريا لا سمح الله وجوارها، إذا حصل تدخل أطلسي يمكّن اسرائيل من الهيمنة على كل المشرق..

إننا نتساءل: هل من المعقول أن تقود "دويلة عربية" تستند الى أكبر قاعدة عسكرية أميركية في العالم كل أطراف الجامعة العربية وتسوقهم نحو انتحار عربي جماعي؟.

كل الناس تعلم الآن أن النظام السياسي السوري تغيّر بتغيير الدستور وبمجموعة القوانين الخاصة بالحريات والتعددية، والمرحلة تتطلب عقد مؤتمر وطني لمناقشة واقرار الدستور الجديد والقوانين، ومن المستحيل عودة النظام الى ما كان عليه. مؤتمر وطني  يعبر عن كل مكونات المجتمع من المتمسكين بوحدة وعروبة واستقلال سوريا.

ان العقوبات الاجنبية، وبعضها عربي رسمي للأسف، تضرب مصالح الشعب السوري في حياته ورزقه واستقراره. فهل من مصلحة الشعب السوري انزال هذه العقوبات عليه؟

ألا تتساءلون عن الدولة التي ستلّي تخريب سوريا لا سمح الله في جدول الاولويات الاطلسية؟ لم نسمع منكم يا أعضاء الجامعة العربية كلمة واحدة ضد مشروع الاوسط الكبير، ولم نسمع كلمة بإحياء مكتب مقاطعة اسرائيل اقتصاديا! ولم نشهد منكم أي تحرك جاد لفك الحصار عن غزة وايقاف بناء المستوطنات "الحديثة" التي تبتلع ما تبقى من القدس والضفة العربية!.

أين موجبات الأمن القومي العربي في جدول اهتماماتكم؟ فاذا كنتم حريصين على سوريا، فالمهمة الاولى تكون بوقفة جادة ضد كل أشكال التدخل الأجنبي فيها، والعمل على وقف تمويل وتسليح المجموعات المسلّحة التي تستهدف مراكز القوة السورية بوجه العدو الصهيوني وتستهدف المنشآت الحيوية ومصالح الناس.

لا تتورطوا في سحب الغطاء الرسمي العربي عن سوريا، لأن هذا الأمر هو قمة إرتكاب الكبائر الدينية والعربية بحق الأمة كلها. كونوا جسوراً للمحبة بين المعارضة الوطنية والدولة السورية، فحرب الاستنزاف ضد سوريا تصدّع الكيان وليس النظام، تضرب مصالح الشعب الحيوية وليس النظام، وأغلبية الناس في سوريا مع وقف الفوضى ومع التغيير والاصلاح بدون فوضى تدميرية تقسّم سوريا. فاحترموا ارادة الاغلبية ولا تلتزموا بنهج الاطلسي واتباعه المحليين.

واعلموا يا سادة، إن الولايات المتحدة الأميركية في حالة افلاس وارتباك. ففي ذروة قوتها لم تستطع النجاح الكامل في العراق وفلسطين ولبنان، فهل تستطيع تحقيق ذلك اليوم مع بروز قوى جبارة عالمية تنتزع منها القرار الدولي الأحادي، وبوجود قوى شعبية عربية قوية تواجه المشروع الصهيوني وتعارض الاوسط الكبير.

واعلموا أن أميركا لم تعد تريد التبعية لأي نظام عربي فقط، كما كان يحدث اثناء التنافس السوفياتي الامريكي، انها تريد تقسيم سبع دول عربية بغض النظر عن مدى قرب أو بعد أي نظام عربي عنها. فهي كانت على علاقة خاصة بالمملكة العربية السعودية حينما صدر تقرير مؤسسة راند التابعة لوزارة الدفاع الأميركية الذي يعتبر المملكة محور الارهاب العالمي عام 2003، وأميركا كانت تسعى ولا تزال برغم علاقتها الخاصة بنظام حسني مبارك لتقسيم مصر الى ثلاث دويلات، وهي وإن كانت تتظاهر اليوم بمواكبة العهد الجديد لثورة 25 يناير في مصر، إلاّ أنها تقود أكبر حملة عدائية بواسطة جمعياتها وأحزابها العميلة لضرب الجيش المصري واحداث فوضى شاملة تمكنها من تقسيم مصر الى ثلاث دويلات.

انها حرب التقسيم الاسرائيلية المدعومة أطلسياً، فكيف تسمح قيادة أي دولة عربية بالانخراط في هذا المشروع الرهيب؟ لم تعد المسألة كتابات نظرية عن مشروع الاوسط الكبير، فالمشروع على الأرض العربية اصبح واقعا يتمدد وبدعم حكومات عربية، وهو ما لم يحدث في التاريخ، حيث يجري إستدعاء الاستعمار وتمويل قواته ضد بلد عربي.

لقد تم احتلال وتقسيم العراق وتدمير كيانه والمأساة متواصلة، وتم استباحة ليبيا وضمها لنفوذ الاطلسي بجغرافيتها ونفطها، وتم تقسيم السودان واصبح الجنوب قاعدة اسرائيلية، واليمن يتصدع ويتجه بعض جنوبه الى الانفصال. فماذا تنتظرون لإنقاذ الامن القومي العربي المستباح؟ ماذا تنتظرون للتقليل من الخسائر ووقف إنهيار الكيان العربي؟ هل من المعقول أن تخرج من المنطقة التي قدمت تضحيات هائلة في سبيل تحررها واستقلالها، قوى تستدعي الاستعمار مجدداً الى بلادها؟ هل من المنطق الوطني استبدال الاستبداد بالاستعمار؟ وتدمير حرية الوطن من أجل حرية شكلية للمواطن في ظل الهيمنة الاجنبية.

إننا كحركة شعبية نعتبر أنفسنا جزءاً من حالة قومية عربية مؤمنة ومستقلة عن أي نظام، نناضل في سبيل الحرية والعدالة والكرامة، ونؤمن بالتكامل بين حرية الوطن وحرية المواطن، فلا يمكن للمواطن أن يعيش ديمقراطياً تحت مظّلة الاستعمار المباشر وغير المباشر، ولسنا مع حرية الوطن واستباحة حرية المواطن، فالتكامل عضوي بين الاثنين.

عودوا الى ضمائركم وأمسكوا القضايا العربية بأيديكم ولا تدعوا أية قوة اقليمية أو دولية تقرر مصائر أمتنا، اعملوا لحرية القرار العربي، إعتمدوا على مصادر قوة أمتنا، ولا تقبلوا بالوصاية على الامة العربية.

فأمتنا الى الأمس القريب، كانت منارة لدول عدم الانحياز والرائدة على المستوى الافريقي والقوة الاساسية من قوى آسيا وافريقيا واميركا اللاتينة، وهي الاولى في منظمة المؤتمر الاسلامي العالمي، فهل يجوز ان تتبعثر أمتنا اليوم وتصبح ساحة صراع بين قوى اقليمية ودولية تتناهشها هنا وهناك؟

اننا لا نطالبكم بمعجزات، ولكن على الاقل حافظوا على الوحدات الوطنية العربية، وفرّوا المناعة للكيانات الوطنية ضد الاختراقات التقسيمية، وجّهوا أولويات عملكم لردع المشروع الصهيوني، حافظوا على الكرامة والاستقلال والحرية، وأوقفوا أي تدخل اجنبي في الشؤون العربية.

ان الشعوب العربية نهضت وانتفضت ولا تزال. وبرغم العقبات والصعوبات والاختراقات الاجنبية لهذه الانتفاضات، إلاّ أنها أسقطت جدران الخوف من الاستبداد، وبدأت تسترد حقوقها المغتصبة وكرامتها الوطنية المهدورة.

أصلحوا أحوال بلادكم واستمعوا لصرخات وأنين شعوبكم وميّزوا بين دعوات الحق، وبين شعار حق يراد به باطل. ولن يستقيم حال الأمة إلاّ إذا وعت أخطار مشروع الاوسط الكبير التقسيمي وواجهته بالاتحاد واعتبرت ذلك أولوية نضالية.

 
 
 
  ----------
Lebanese Public Conference
  ----------
 

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
To unsubscribe from this group, send email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
For more options, visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi?hl=en.

No comments:

Post a Comment