Wednesday 28 March 2012

{الفكر القومي العربي} article

ماذا يعني إنعقاد القمة في بغداد ؟
صباح علي الشاهر
 
 
 
لم يكن ثمة من يحسب قبل بضعة أشهر، أن بغداد ستكون مقراً لقمة العرب القادمة، خصوصاً بالترافق مع إشتعال التصريحات النارية بين بغداد من جهة ودول الخليج ، وبالأخص السعودية والبحرين والكويت، من جهة أخرى . كانت كل المؤشرات تشير إلى تفاقم الأزمة خصوصاً بعد أن إرتدت ملامح طائفية سافرة، كانت تنذر بأهوال إحتراب لا يعرف مداه.
فجأة، وعلى نحو غير متوقع بدأ الغزل الخجول بين السعودية والعراق، الذي تحول وبسرعة لافته إلى تطبيع للعلاقات، تضمن الإتفاق على العديد من المسائل، من ضمنها تبادل المحكومين، بما فيهم المحكوم عليهم بالإعدام، وحلت التعابير الدافئة المؤكدة على الأخوة بين الأشقاء محل تلك التعابير التي كانت تؤكد إستحالة التلاقي بين زعماء البلدين . وتبع هذا تأكيد البحرين على مشاركتها في قمة بغداد على أعلى مستوى، ثم تطبعت العلاقة بين الكويت والعراق، بعد أن حسب البعض أنها مرشحة للإشتعال، وبالأخص بعد إعتراض العراق على مكان تشييد ميناء مبارك الكبير، وإنتقل هذا الدفء المفاجيء إلى الإعلام الخليجي الذي تفطن إلى أن العراق بلد عربي شقيق، ومحوري، مثلما تفطن الإعلام العراقي إلى أن المصالح التي تجمع العراق بأشقائه في الخليج أكبر من أن يتم القفز عليها.
يرى بعض المراقبين أن القمة لو إنعقدت في موعدها، ولو صدقت التوقعات بأن عدد القادة الذين سيحضرون بأنفسهم سوف لن يقل عن أربعة عشر قائداً، ولو أن من ضمن هؤلاء القادة، قادة الخليج، فإن العلاقات بين العراق وأشقائه الخليجيين ستكون مرشحة للإرتقاء إلى مستويات لم تكن معهودة سابقاً، خصوصاً وأن العراق سيستلم زعامة الجامعة لعام كامل، في مرحلة هي بلا شك من أخطر المراحل التي تمر بها الأمة .
أربعة دول من بين دول الجامعة، يصعب تجاهل دورها، وهي مصر وسوريا والعراق والسعودية، وكل من هذه الدول قاد الأمة عبر تأريخها، وأسهم في بناء وتشييد مجدها المتميز، ومجموع سكان هذه الدول أكثر من نصف سكان الأمة، وهي تملك القسم الأكبر والأهم من الثروات المادية، والتأثير الروحي والمعنوي، إلا أن كل دولة من هذه الدول تشكو من إعاقة ما، فالعراق أحتل ودمر ومزّق، وهو يسترد عافيته الآن، ولو ببطء، وهو بحاجة إلى الدعم ليتسنى له أخذ دوره، أما مصر فهي في أزمة بعد ثورتها، وما زال نظامها لم تتحدد ملامحه بعد، وسوريا، محاربة من أكثر من نصف العالم، وتتعرض إلى ما تتعرض له، وهي مشغولة بتضميد جراحها النازفة، أما السعودية وإن بدت مستقرة نوعاً ما، إلا أنها لا يمكن أن تنبري لقيادة المرحلة، التي تختلف متطلباتها كلياً مع طبيعة الحكم فيها.
ويتميز العراق عن سواه في نقاط أخرى، منها أنه البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك علاقات متينة مع أمريكا من جهة ومع إيران من جهة أخرى، وهو صديق لروسيا والصين، ودول الغرب، وهو على علاقة طبيعية مع سوريا، وليس على الضد من ما يُسمى قوى الممانعة، وبعد تطبيع العلاقات مع دول الخليج فإنه سائر إلى إقامة مشاريع مشتركة بينه وبينها، في مجال النقل الجوي والبحري، وربما إستثمار حقول النفط المشتركة مستقبلاً، وهو على علاقة جيدة مع تركيا، تعبر عنها التجارة النشطة بين البلدين، وإنبوب النفط الذي يربط مؤانيء تركيا بحقول النفط العراقية، ومن الأمور الواعدة التوقيع على أهم عمل خلاق، ألا وهو بناء سد مائي مشترك، والتخطيط لإنشاء القناة الجافة التي تربط ميناء الفاو العملاق بتركيا وأوربا ، بالإضافة إلى أنه بلد يخطط  كي تكون ميزانيته في العام القادم ثلاثمئة مليار، أما في الأعوام القليلة القادمة ، وبعد إنجاز مشاريع النفط والغاز، فمن المتوقع أن يكون صاحب أعلى ميزانية في المنطقة .
كل هذه الأمور يأخذها الشرق والغرب بعين الإعتبار، فلماذا يتجاهلها العرب ؟
والعراق كان وما يزال، وسيبقى عربياً، وعلى قول المرحوم عرفات، شاء من شاء، وأبى من أبى .
يقول البعض أن دول الخليج، وبالأخص السعودية تقرّبت من بغداد، من أجل إبعادها عن سوريا أولاً، ومن ثم إيران ثانياً. قد  يكون البعض، في دول الخليج، وغير الخليج يفكر هكذا، إلا أن مثل هذا الأمر سوف لن يحدث، لأنه إن حدث فإن العراق سيفقد أهم ميزه له  تميزه عن غيره من الدول، ثم أن أمريكا بكل قوتها، وهي كانت تحتل العراق بجيش عرمرم، لم تستطع إبعاد العراق عن إيران، فإضطرت إلى التعامل معه على أنه صديقها وصديق إيران في عين الوقت، لا بل هي تقر بأن تأثير إيران أكثر من تأثيرها على العراق ، وهي الدولة المحتلة له .  
العراق سوف لن يكون كما يريد له الآخرون أن يكون، وإنما كما يريد هو لنفسه أن تكون
 وما يريده لنفسه هو ما تريده له الجفرافية المعجونة بالتأريخ، وما يتلاءم مع الدور الذي عليه أن يلعبه.
تغيير مواقف الآخرين من العراق ليس بسبب تفطن البعض مؤخراً لأهميته، وليس لأجل إبعاده عن محور سوريا وإيران وحزب الله، وإنما لأن اللاعبين الكبار توافقوا على أن يكون اللعب على هذا النحو ، لهذا قرروا وأوعزوا.
العراق يتربع على عرش المصالح الكونية. سيكون قريباً من أمريكا مثلما هو قريب من روسيا، قريبا من الصين، مثلما هو قريب من أوربا، قريبا من سوريا مثلما هو قريب من دول الخليح .
دور العراق محصلة توافق، توافق الكبار، إستوجبته معطيات أكبر من حجوم البعض ، وفوق رغبات البعض، لأنها تتعلق بتوازنات حافة الهاوية التي لا يريد أحد أن ينزلق إليها .

No comments:

Post a Comment