التحالف الدولي.. استنزاف للمال العربي وإمعان بتمزيق الأوطان
عدنان برجي
مدير المركز الوطني للدراسات
في الوقت الذي احتل فيه خطر "داعش" الأولوية في جدول أعمال القمة "الأطلسية"، فإن باقي ما ناقشه الحلفاء الغربيون لم يكن أقل خطورة، خصوصاً في ظل التوتر في العلاقات الغربية - الروسية على خلفية الأزمة الأوكرانية، وخطط التوسع التي ينتهجها "الناتو"، والتي تتجاوز الخطوط الحمراء الروسية..
لقد أكد الحلف الأطلسي، في البيان الختامي لقمة ويلز، أنه "سيرد بحزم ومن دون تردد، على تنظيم الدولة الإسلامية، في حال تهديده لأمن أي من الدول الأعضاء في الناتو، تطبيقاً لاتفاقية الدفاع المشترك" بين دول الحلف.
ويبدو أن ثمة إجماعاً بين الدول الغربية على أن المعركة ضد التنظيم المتشدد لن تلحظ إرسال قوات برية، سوى ضمن إطار محدود على شاكلة مستشارين عسكريين أو ما شابه، وهو ما عبّر عنه رئيس الديبلوماسية الأميركية بقوله "أعتقد أن الخط الأحمر بالنسبة الى الجميع حول هذه الطاولة هو لا قوات على الأرض".
تبع مؤتمر الاطلسي انعقاد مؤتمر جدة الذي اعلن عن قيام تحالف دولي ضد تنظيم "داعش" وقد بدأت الغارات الجوية ضد هذا التنظيم في العراق وسوريا عشية انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة وكأن في الامر سباقا لكسب نقاط محددة يجري تثبيتها سريعا.
يتضح مما سبق ان التخطيط لقيام التحالف الدولي تم بقيادة اميركية اطلسية، فيما رسمت للاخرين ادوار تنفيذية. فالعرب لم تتم دعوتهم للمشاركة في التخطيط بل تمت دعوتهم فقط لتنفيذ قرارات الاطلسي في بلادهم مما يؤكد وبكل أسف النظرية الاطلسية التي تقول ان العرب أدوات وليسوا شركاء.
يقول الدكتور حسن نافعة: ان للولايات المتحدة الاميركية سجلاً طويلاً في استخدام القوة في العلاقات الدولية وفي تشكيل تحالفات دولية للتغطية على اهدافها الحقيقية عند ادارتها الصراعات والازمات الدولية.
ويقول نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان أن دول مجلس التعاون تتعرض لابتزاز سافر من الولايات المتحدة الأمريكية، عبر إعطائها الضوء الأخضر للبغدادي تماما كما فعلت مع صدام سابقا.
ويضيف: ان أوباما يكرر نفس المسلسل الذي اتبعه بوش عندما طلب تحالفا ضد صدام، فأوباما يطلب الآن من دول مجلس التعاون تحالفا ضد داعش، مؤكدا أن هذا كله بثمنه.
ويقول كمال شاتيلا رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني: "إن التحالف الدولي المطروح هو نسخة عن التحالف الذي تم تشكيله عام 2003 وأدى الى تدمير العراق شعباً ودولة ومؤسسات وجيش، وادى الى قتل أكثر من مليون عراقي ووضع البلاد على مشارف التقسيم العرقي والطائفي، كما انه نسخة ايضا عن التحالف الآخر الذي رفع شعاراً انسانياً للدفاع عن الشعب الليبي فقتل أكثر من 60 الفاً ودمر البنية التحتية وضرب المراكز الاساسية للجيش الليبي، فانهارت الدولة وقامت مكانها دويلات ميليشيوية متطرفة دعمها الاطلسي كما فعلت امريكا في العراق. وفي سوريا لا يمكن اغفال تفاهم الأطلسي مع تركيا لإدخال عشرات آلاف المقاتلين المتطرفين من كل انحاء العالم لتنفيذ مخطط تقسيم سوريا تحت شعار إسقاط الديكتاتورية.
ويضيف شاتيلا: لقد وجهت ثورة يونيو 2013 في مصر بمساندة الجيش المصري ضربة نوعية لمشروع الاوسط الكبير، فلجأت أمريكا وحلفاؤها الى اعتماد التطرف المسلح كأداة تقسيمية، لكن أطرافاً من التطرف المسلح خرجت عن طاعتها، كما حصل بعد انتهاء حرب افغانستان وخروج السوفيات، فخافوا على مصالحهم النفطية ومن وصول بعض التطرف الى بلادهم.
إن مشكلة التطرف المسلح لا تقتصر في الانقلاب على جوهر الاسلام الحضاري، بل إنه قوة تقسيم على الارض تخدم مشروع الاوسط الكبير، فالمقاتلون المتطرفون جاؤوا عن طريق تركيا الاطلسية الى سوريا والعراق، وهذا يشكل اكبر دليل على تورط الاطلسيين مع المتطرفين.
ان ما يريده الاطلسي من الحلف الجديد هو استخدام المال العربي لاهداف أطلسية، وتوظيف الدماء العربية لخدمة مصالحه واستكمال مشروع الاوسط الكبير.
إن ما يريده الاطلسي من العرب عدم التعاون مع روسيا ودول البريكس وبخاصة الصين، وتصفية القضية الفلسطينية وتدمير الوحدة الوطنية، ومع كل هذه المخاطر المستجدة على الامة، بدءاً من التطرف المسلح التقسيمي مروراً بالصهاينة ومشاريع الاطلسي، فان باستطاعة الجامعة العربية اذا بادرت مصر والسعودية والجزائر الى التحرك، أن تشكل قوة ردع عربية بديلة عن الاطلسي لانقاذ الوحدات الوطنية العربية من التطرف وكل اشكال التقسيم، أما الانخراط مع الاطلسي في حلف دولي يختزن تاريخاً استعمارياً ضد المنطقة فهو أمر كارثي للامن القومي العربي، وباستطاعة العرب التنسيق من موقع استقلالي سيادي مع الامم المتحدة دون ان تقبل أي دولة عربية باستخدامها مخلب قط لتحقيق أهداف أجنبية. وليتذكر القادة العرب انهم مسؤولون عن استقلال ووحدة وعروبة بلدانهم، وهم مدعوون للتذكر ايضا ان مؤتمر الأطلسي في اسطنبول عام 2004 قرر إضعاف الجيوش العربية ومنع تسليحها، ومنذ ذلك التاريخ والاسطول السادس الامريكي متواجد في مياه فلسطين المحتلة".
بيروت 30-9-2014
adnanbourji@gmail.com
No comments:
Post a Comment