Monday 29 September 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: قضية القرن الحقيقية

 
 
image
 
 
 
 
 
قضية القرن الحقيقية
قضية القرن الحقيقية الأثنين, 29 سبتمبر 2014 18:5 كتب يحيى حسين عبد الهادى
Preview by Yahoo
 
  
 
 قضيةُ القرنِ الحقيقية
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(اليوم السابع 29/9/2014)
 
انساق الكثيرون وراء الأكذوبة التى رددها إعلام مبارك واصفاً محاكمته بتهمة قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير بأنها محاكمة القرن .. وتطوّر الأمر بأن بدأ بعض أفراد هذه الجوقة المباركية يرتدى ثياب الحكماء وينصح الجميع بأن يكّفوا عن الاختلاف على مبارك فإذا برّأه القضاء فى هذه القضية بالذات (قتل المتظاهرين) ستكون براءةً تاريخيةً لعصر مبارك بأكمله (هكذا !) .. ثم زاد بعضُهم درجةً فى البجاحة والاستخفاف فقالوا إن براءة مبارك فى هذه القضية تعنى إدانة من قاموا بالثورة (حوالى عشرين مليوناً!).
مَنْ قال إن هذه القضية هى قضية القرن؟ .. إن المتظاهرين لم يثوروا على مبارك وينزلوا بالملايين إلى الميادين احتجاجاً على قتل المتظاهرين .. إذ لم يكونوا قد قُتلوا بعد .. وإنما تدفقوا على الميادين ثائرين على فساد الحاكم وبطانته .. وهذه هى فضيحة القرن الحقيقية التى (يُغلوشون) عليها .. وقد صدر حكمٌ دامغٌ فى (فسفوسة) فسادٍ صغيرةٍ منذ أربعة شهورٍ قيمتها 125 مليون جنيه فقط (!) فلم يهتز الإعلامُ لها، ولم نَرَ استوديوهاتٍ تحليليةً ولا خبراء استراتيجيين يُعلّقون على هذا الحكم التاريخى وعلى فضيحة القرن الحقيقية .. فقد مرّ على مصر حُكّامٌ من كل نوعٍ .. مستبدون أو صالحون .. ولكنها المرة الأولى فى العصر الحديث التى يحكم مصرَ رئيسٌ لصٌ ومزوّرٌ (وفقاً للحكم القضائى) .. نعرف جيداً أن هناك ما يُعرف بفساد النظام الذى يُساءَلُ عنه رأس النظام سياسياً .. لكننا هنا نتحدث عن فسادٍ شخصىٍ .. جنائىٍ .. وتلك هى المصيبة الكبرى التى أثبتتها محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أسامة شاهين وعضوية المستشارين حمدى الشنوفى وهشام الدرندلى فى جلسة 21/5/2014 .. فبعد سماع المرافعة الشفوية والشهود ومطالعة الأوراق والمداولة، ثبت للمحكمة على وجهٍ يقينىٍ أن المتهم الأول محمد حسنى السيد مبارك بصفته موظفاً عمومياً كرئيسٍ لجمهورية مصر العربية قام خلال الفترة من 2002 حتى 2011 بإصدار تعليماته المباشرة وغير المباشرة إلى مرؤوسيه برئاسة الجمهورية بتنفيذ أعمالٍ فى المقرات العقارية الخاصة به وبنجليه المتهم الثانى جمال والمتهم الثالث علاء (بشارع حليم ابوسيف بمصر الجديدة وأرض الجولف ومنطقة الميريلاند وشرم الشيخ والقطامية ومزرعة النصر بجمعية احمد عرابى) وصرف قيمتها خصما من ميزانية الدولة وليس من مالهم الخاص .. وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتى تزوير محرراتٍ رسميةٍ واستعمالها .. حيث كان يتم تسوية مستحقات الشركة المُنفّذة (المقاولون العرب) من ميزانية القصور الرئاسية باعتبارها قامت بأعمال التطوير فى قصور الرئاسة (وهو ما لم يحدث) .. بدلاً من نيْل مستحقاتها من المتهمين الثلاثة .. وقد اشترك فى هذه الجريمة آخرون من موظفى رئاسة الجمهورية وشركة المقاولون العرب ومقاوليها من الباطن (تحولوا إلى شهود ملك) ..
وأن المتهمين الثانى (جمال) والثالث (علاء) اشتركا مع المتهم الأول بطريقى الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب الجنايتين موضوع التهمتين السابقتين بأن اتفقا معه على ارتكابهما وساعداه بعدم دفع قيمة الأعمال التى تمت بالمقرات الخاصة بهما من مالهما الخاص وتم صرف قيمة الأعمال المذكورة من ميزانية الدولة المخصصة لمراكز الاتصالات برئاسة الجمهورية دون وجه حق.
وعندما وجد محامى المُدانين أن التهمة حقيقيةٌ وأن الإدانة حتميةٌ، تفتقت قريحته القانونية عن اقتراحٍ بأن يقوم جمال وعلاء بسداد قيمة ما استوليا عليه قبل أن تُصدر المحكمة حُكمها بأيامٍ، ظنّاً منه أن هذا يُسقط العقوبة .. ويبدو أن مهارته الحسابية فى مستوى مهارته القانونية، فقد حَسَب المبلغ المُستولى عليه خطأً (104 مليون و 582 ألفاً و 219 جنيهاً) سددها المتهمان فعلاً بدلاً من القيمة الحقيقية (أكثر من 125 مليون جنيه) ..  إلا أن المحكمة الموقرة فاجأته بأن المادة 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية قد تضمنت على سبيل الحصر بعض الجرائم التى يجوز فيها الصلح بين المتهم والمجنى عليه، ليس من ضمنها الجرائم محل قرار الاتهام.
ومن ثمّ فقد حكمت المحكمة بعقاب المتهم الأول محمد حسنى مبارك بالسجن المشدد 3 سنوات، ونجليه جمال وعلاء بالسجن المشدد 4 سنوات، وإلزامهم برد مبلغ 21 مليونا و197 ألف جنيه (الباقية على ال 125 مليون قيمة المبلغ المستولى عليه) وتغريمهم متضامنين 125 مليونا (ما يساوى قيمة المبلغ المستولى عليه).
وقد قالت المحكمة الموّقرة فى حيثيات حُكمها (إن حسنى مبارك وقد كان رئيسا للجمهورية، ومنّ الله عليه وبوّأه حكم مصر وأقسم على احترام الدستور والقانون وبات نائباً عن شعبه فى إدارة شؤنه وقائماً على أمواله، فكان لزاماً عليه كبْحُ جماحِ نفسه وأولاده وغيرهم عن المال العام، لا يستبيح منه شيئا إلا بحقه .. وكان لزاماً عليه أن يضع حداً فاصلاً بين ماله الخاص والمال العام، إلا أنه وبدلاً من الالتزام بذلك أطلق لنفسه ولولديه العنان فى المال العام يغترفون منه ما شاءوا دون رقيبٍ ودون اعتبارٍ بمن سبقهم .. فقد صدق على بن ابى طالب رضى الله عنه إذ قال "ما أكثر العِبَر وما أقلّ الاعتبار" وخالف المتهم الأول مَن سبقوه وتعففهم فى المال العام، ومَيّز أبناءه وخَصّهم دون وجه حقٍ بأموال الشعب، مُخالفاً بذلك القانون والدستور الذى أقسم على احترامهما)
هذا ما قالته المحكمة .. لكن السؤال الأهم الذى لم تتطرق إليه المحكمة لأن قرار الإحالة لم يتضمنه (ونأمل أن يحظى باهتمام السيد النائب العام) فهو من أين لمبارك ولنجليه مبلغ المائة وأربعة ملايين جنيه التى سددوها للمحكمة؟ وبفرضِ أن ماتم إنفاقه على هذه المقرات من مالهم الخاص وليس من المال العام (وهو ما نفته المحكمة) فهل يجوز لحاكم مصر أن يُنفق هذه الملايين على ديكورات مقراتٍ وفيللات ممتدة من شرم الشيخ إلى القطامية إلى الساحل الشمالى فى الوقت الذى يدهس الفقر فيه حوالى نصف رعاياه ولا يعرف الملايين منهم إلا وجبتين فى اليوم؟ .. ما لم يُحاكَم هذا الرجل على السرقة لوَجَبت محاكمته على السَفَه .. هذه القضية هى قطرةٌ فى بحر فساده  .. ماذا لو فُتح ملف سفريات الهانم إلى أوروبا ومشترياتها هى وصديقاتها من الهوانم الأخريات على سبيل المثال؟ وماذا لو نطق الصامتون من شهود هذه المرحلة فى قصر الرئاسة والخارجية مثلما نطَق موظفو المقاولون العرب فى قضية القصور الرئاسية؟ تلك هى جرائم القرن الحقيقية التى يتعامون عنها ويُركزون على القضية التى عَبَثَ نظام مبارك بأدلتها.
125 مليون جنيه فى قضيةٍ واحدةٍ ! .. يا فَجَرة .. رَحِمَ الله حاكماً حلّت بالأمس ذكراه، كانت له جلسة حسابٍ شهرية مع رئيس السكرتارية يُسددُ فيها المصاريف الخاصة بأسرته من جيبه .. وكان طبّاخُه يخجل وهو يشترى سمكتين فقط لحساب بيت الرئيس لأن السيدة الفاضلة حرم الرئيس قالت إن الأبناء فى رحلةٍ ولن يُشاركها الغداء إلا الريّس .. رَحِمَ اللهُ الريّس.
 

No comments:

Post a Comment