وهُوَ عِنْدَ اللهِ عظيم
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(اليوم السابع 22/9/2014)
وباءٌ جديدٌ انتشر على شبكات التواصل الاجتماعى (فيسبوك، تويتر .. إلخ) فى العامين الأخيرين .. ينشر أحدُهم (بسوء نيّةٍ طبعاً) فيديو مبتسراً أو ملفقاً وأحياناً يكون سليماً وليس فيه ما يُشين ولكنه يعطيه عنواناً جاذباً كاذباً، كأن يُسميه "انظر فضيحة فلان مع فلانة" .. فيتولى الآلاف من المُغيبين نشر الفيديو بنفس العنوان الكاذب دون أن يُكلّف أحدهم نفسه بمشاهدته .. ولو حّدّث لوجدوه لقاءً عادياً بين فلانٍ وفلانةٍ لا فضيحة فيه، وأحياناً ليس فيه فلانةٌ من الأصل .. ثم يلقاك أحدُهم فيقول لك (أرأيتَ فضيحة فلانٍ وفلانة؟) فإذا سألتَه (وهل رأيتَها أنت؟) يُجيبك (لا، ولكنها منتشرةٌ علَى شبكة الإنترنت!).
فى قصة حديث الإفك جريمتان على الأقل .. أولاهما بالطبع هى إنشاء الكذبة .. لكن الجريمة الأخرى التى لا تقلّ بشاعةً هى نقل هذه الكذبة ونشرها والتحدث بها (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) ومعنى (تَلَقَّوْنَهُ) أى يرويه بعضكم عن بعض.
الحمد لله أن معظم المصريين منغمسون فى واقعهم المَعيش الواقعى بكل ما فيه من كَدْحٍ وسَعْىٍ ولا يتعاملون مع العالم الافتراضى لشبكات التواصل الاجتماعى (فيسبوك، تويتر .. إلخ) وإن تعاملوا تعامَلوا برشدٍ .. لا أتحدث عن أولئك ولكن عن من يُسّمون "نُشطاء الإنترنت" .. وأستعير توصيف الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت لهم: (نشطاء ذلك العالم الافتراضي هم الأكثر تواجدًا في التعليقات مهما كانت .. ولأنهم حريصون على "كَمّ" تواجدهم دون "كيفِه"، فدائماً يتعجلون .. "يبصقون" تعليقاتهم ليعلنوا عن وجودهم، قبل أن يقرأوا أو يشاهدوا المادة التي يُعلقون عليها).
وقد عانت فاطمة ناعوت نفسها منهم عقب حوارٍ تليفزيونىٍ لها فى الأسبوع الماضي، حَكَت فيه فى موقع الإشادة بأبيها كيف يروى لها قصص الأنبياء فى طفولتها .. فشجّعها ذلك على القراءة المبّكرة وقالت للمحاورة بالنّص (إن قصص الأنبياء تحفّز مخيالَ الطفل أكثر مما يفعل كارتون والت ديزني). فاقتص قراصنةُ الانترنت هذا المقطع من الحلقة الطويلة وأعطوه عنوانا كذوبًا (فاطمة ناعوت ساخرةً: قصص الانبياء في القرآن عاملة زي افلام الكرتون الامريكية!).
لا تقتصر هذه الجريمة على تيارٍ مُعيّنٍ وإنما انحدر الجميع إلى هذا المستنقع .. منذ شهورٍ قليلةٍ وعقب تسرّب أشرطة معيبة لأحد مدربى الكاراتيه بالمحلة الكبرى مع بعض الساقطات، تلّقف خصوم الصديق حمدى الفخرانى من المتمسحين بالدين الإسلامى هذه الأشرطة ووضعوا لها عنواناً مُثيراً ومُسيئاً وكاذباً (فضيحة ابنة حمدى الفخرانى) والأشرطة نفسها ليس فيها أصلاً أى أحدٍ يَمُتُ لعائلة الفخرانى، وتوّلى المُغيّبون والمُغرضون نشرها بهذا العنوان على أوسع نطاقٍ (باسم الدين!) .. ولولا أن الطعنة وُجِهّت لهذه الطبيبة النابهة المثقفة المتدينة (بِجَد) التى عَرَفتها الحركةُ الوطنيةُ المصريةُ قبل أن تعرف أباها بسنواتٍ، ولولا أن ابنتنا الشُجاعة ياسمين الفخرانى ظهرت بنفسها فى أحد البرامج التليفزيونية وفنّدت حديث الإفك وناقليه، لما دُفن فى مهده.
لا تقتصر هذه الجريمة على تيارٍ مُعيّنٍ وإنما انحدر الجميع إلى هذا المستنقع .. منذ شهورٍ قليلةٍ وعقب تسرّب أشرطة معيبة لأحد مدربى الكاراتيه بالمحلة الكبرى مع بعض الساقطات، تلّقف خصوم الصديق حمدى الفخرانى من المتمسحين بالدين الإسلامى هذه الأشرطة ووضعوا لها عنواناً مُثيراً ومُسيئاً وكاذباً (فضيحة ابنة حمدى الفخرانى) والأشرطة نفسها ليس فيها أصلاً أى أحدٍ يَمُتُ لعائلة الفخرانى، وتوّلى المُغيّبون والمُغرضون نشرها بهذا العنوان على أوسع نطاقٍ (باسم الدين!) .. ولولا أن الطعنة وُجِهّت لهذه الطبيبة النابهة المثقفة المتدينة (بِجَد) التى عَرَفتها الحركةُ الوطنيةُ المصريةُ قبل أن تعرف أباها بسنواتٍ، ولولا أن ابنتنا الشُجاعة ياسمين الفخرانى ظهرت بنفسها فى أحد البرامج التليفزيونية وفنّدت حديث الإفك وناقليه، لما دُفن فى مهده.
وعلى نفس المنوال، امتلأ الفضاء الإلكترونى بفيديو عن (فضيحة ابن الدكتور محمد مرسى مع المُذيعة فُلانة) .. مبدئياً لا علاقة للمذيعة القديرة (فُلانة) بهذا الشريط إطلاقاً وإنما هو حديثٌ تليفونى بين أسامة مرسى وإحدى الصحفيات واسمها واضحٌ فى الشريط .. ثم إن الحديث عادىٌ جداً ولا فضيحة فيه، والغضب فيه مفهومٌ ومُبرّرٌ من ابنٍ مقبوضٍ على أبيه فى أعقاب حَدَثٍ جَلَلٍ مثل 30 يونيو .. الفضيحة الحقيقية هى للجهة التى تنصتت وسرّبت وخالَفت الدستور .. وللفضائيات التى أذاعت الشريط كنوعٍ من السبْق الذى تتفاخر به .. وللدولة التى سمحت بهذا الهزْل دون أن تُدينه وتُحاسب مقترفيه.
وقد كانت لى تجربةٌ شخصيةٌ قديمةٌ كِدتُ أن أنزلق فيها لنقل حديث الإفك .. ففى سنوات الستينيات الأولى لم يكن عمرى يزيد على عشر سنواتٍ لم يسمح لى إلا بالتقاط ملخص لخطبة خطيب المسجد فى أسيوط، يُهاجم فيها امرأةً شريرةً اسمها أمينة السعيد تُجاهر بمعصية الله تعالى ولا تكتفى بذلك وإنما تدعو إلى انتشار الرذيلة فى المجتمع .. استقر فى وعيى كصبىٍ صغيرٍ كراهية هذه الشيطانة .. وكررتُ ما سمعتُه على أصدقائى .. وبقيت مشاعرى السلبية تجاه أمينة السعيد.
بعد ذلك بسنواتٍ قليلةٍ وقع فى يدى أحد أعداد مجلة (حوّاء) التى كان أبى القاضى الأزهرى المستنير يشتريها لأمى (عليهما رحمة الله) .. عندما تصفّحتُ المجلة شدّتنى آراء أمينة السعيد فى إجاباتها على أسئلة القارئات .. كانت الآراء بالغة الرُشد والرُقى ولا يوجد بها أى شئٍ مما سمعتُه من قبلُ من خطيب المسجد .. لم تكن تحُضّ على الرذيلة بل كانت تُعنّفُ قارئاتها إذا استشعرت فى شكاواهن خروجاً على التقاليد .. قرأتُ أعداداً أخرى ووجدتُ نفس الخط المستقيم لا تحيدُ عنه .. كلُ ما فى الأمر أنها كانت تدعو إلى حق المرأة فى التعلُّم والعمل وتوّلى المناصب دون تمييزٍ .. ولا ترى فى الاختلاط فى العمل عيباً وإنما تهذيباً وتصدّت لبعض العادات كالختان .. وكلُّها آراءٌ قد تكون محلّ اختلاف البعض ولكنها لا تُبررُ اتهامها بالفجور والترويج له .. شعرتُ بغيظٍ شديدٍ من ذلك الشيخ الكاذب الذى أباح لنفسه قذْفَ امرأةٍ مسلمةٍ من على منبر رسول الله (عليه الصلاة والسلام) وسبّها بالفاحش من القول .. وتعلّمتُ من وقتها ألا أبنى موقفى من أى شخصٍ على ما سمعته من شخصٍ آخر وإنما من قراءتى المباشرة.
بدأتُ أُتابع أمينة السعيد وأقرأُ عنها .. هى أمينة أحمد السعيد المولودة فى أسيوط للدكتور أحمد السعيد أحد زعماء ثورة 1919.. تعرفّت في شبابها على هدى شعراوى التى فطنت لموهبتها وشجعّتها على الالتحاق بالجامعة المصرية، فدخلت كلية الأداب قسم إنجليزي وقت ما كان عميدها الدكتور طه حسين ضمن أول دفعة بنات يدخلن الجامعة في مصر .. ولم يكن ذلك أمراً سهلاً ولا مُستساغاً من المجتمع وقتها .. وحصلت على الليسانس عام 1935 .. ثم تزوجت عام 1937 من الدكتور عبد الله زين العابدين الذى شجعّها على العمل فى الصحافة .. فى سنة 1954 أصدر أمين زيدان مجلة (حوّاء) وكلّف أمينة السعيد برئاسة تحريرها كأول رئيسة تحريرٍ مصريةٍ، ونجحت المجلة نجاحاً كبيراً .. ثم رأست تحرير مجلة (المصور) بعد فكرى أباظة ثم رأَست مجلس إدارة دار الهلال .. وهى أول امرأة مصرية تُنتخب عضواً في مجلس نقابة الصحفيين وأول امرأة تتولى منصب وكيل نقابة الصحفيين .. وكانت عضواً في مجلس الشورى وسكرتيراً للاتحاد النسائي .. وترجمت وألّفت العديد من الكُتُب والروايات القيّمة، وكرّمتها الدولة بوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى ووسام الفنون والآداب من الدرجة الأولى، كما كُرمّت بوسام الكوكب الذهبى.
هذا تلخيصٌ لما قرأتُه وعرفتُه عن سيرة أمينة السعيد .. وقد سألتُ شاباً منذ أيامٍ عما يعرفه عنها فجاءنى من شبكة التواصل الاجتماعى بما كتبه أحد (الدعاة) عن نفس السيرة كما يلى (كان الطبيب المصري أحمد السعيد ذا تطلعاتٍ أوربية ومَيْلٍ لتقليد الغرب وتنشئة بناته تنشئة غربية، ووُلدت له أمينة وهو في الصعيد فانتقل للقاهرة ليُلحق بناته بالمدارس الأجنبية، وفي ظل هذا الفكر نشأت أمينة التي تميزت من طفولتها بالتمرد واللهو .. تعرفت أمينة على هدى شعراوي وهي بعدُ في سنٍ صغيرة، وتلقفتها هدى لتصنع من ميولها الأوربية وسلوكياتها المتمردة ناطقاً شاباً باسم التحلل والارتماء في أحضان الحضارة الأوربية .. كانت ضمن أول دفعة من الفتيات ينتسبن إلى كلية الآداب التي كان عميدها المستغرب طه حسين. ثم انتقلت إلى مؤسسةٍ صحفيةٍ متخصصةٍ فى نشر السموم ضد الإسلام ودعاته، تُدعى دار الهلال، التي أسسها الصليبي الهالك جورجي زيدان الذي وَقَف حياته على تشويه التاريخ الإسلامي وخلفائه الميامين بأكاذيب صاغ بها قصصه المتعددة، التي كتبها بدافعٍ من الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين) .. ذكّرنى هذا (الداعية) الذى بذلك الخطيب الكاذب الذى سمعتُه فى أسيوط .. قلتُ للشاب هلاّ جرّبتَ أن تُنفّذ أمر الله تعالى (فتبيّنوا)؟ فسألنى كيف؟ فقلتُ له هلاّ جربت أن تستبعد الصفات التى كتبها الداعية وتتأكد بنفسك؟ كأن تقرأ بنفسك ما كتبته أمينة السعيد لا ما كُتِب عنها .. واقرأ مؤلفات جورجى زيدان واحكم هل هذا رجلٌ وَقَف حياته على تشويه التاريخ الإسلامى؟ واقرأ إصدارات دار الهلال لتتأكد بنفسك هل كانت فى أى وقتٍ داراً متخصصةً فى نشر السموم ضد الإسلام؟ .. وقبل أن تفعل ذلك لا تتورط فى نقل حرفٍ مما قرأتَ لهذا (الداعية) .. فهو عند الله عظيم.
No comments:
Post a Comment