يونسي يرينا الوجه الذي لانراه
صباح علي الشاهر
ضجت الأقلام حول التصريح المنسوب لعلي يونسي مستشار الرئيس الإيراني روحاني، وبإستثناء أولئك الذين كانوا وما زالوا يبحثون في الخردة عن شيء ما، فإن التعليقات على العموم كانت ردة فعل مبررة وإيجابية، عكست في أغلبها حرص العراقيين على إختلاف مشاربهم على بلدهم الذي يريدونه سيد نفسه، ورغم الشك الكبير بدقة النقل، خصوصاً وأن الكلام حرّف، أو غيّر معناه عند الترجمة ليكون مُستفزاً إلى درجة لا يمكن هضمها، إلا أنه بمجمله عبر عن رغبة لم تعد مكبوتة في الهيمنة بإدعاء الإنتماء لثقافة واحدة، وربما تعبيرا عن إنتشاء مبكر بنصر بات على الأبواب، سيجعل من إيران قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب، إن لم نقل قوّة عظمى في المنطقة.
أنا شخصياً أرى أن ما صرّح به يونسي، حتى إذا ركنا التحريف جانباً، يعبر عن آراء أوساط إيرانية لها حضور فاعل في الساحة الإيرانية.
في إيران أيضاً قوميون متعصبون، حتى لو إرتدوا العمة، ولبسوا الجبة، وأطلقوا اللحى، والتعصب القومي ليس حكراً على العرب، لسنا وحدنا الذين ندعي أن لنا رسالة خالدة، ترى لماذا لم نسأل أنفسنا ماذا يكون رأي الشعب الإيراني بنا، أو كيف سيكون موقفه منا، لو تُرجم كل هذا الهذيان الذي نتحدث به، مثقفون، وسياسيون، حكام ومحكومون، عن الفرس المجوس، الذين هم أخطر من العدو الإسرائيلي، والذين لا شغل لهم سوى التآمر علينا؟
أكثر من ثمانيين قناة تلفزيونية، ومئات الصحف الحكومية، أو الممولة من أصحاب القرار تنعت الفرس بأحط وأتعس النعوت، على مدار الساعة، وتشنها حربا ضروس بلا هوادة، وبلا هدنة. ترى ألم نفكر أن هذا الشعب الإيراني له كرامة أيضاً، وهو مثلنا، ومثل غيرنا من شعوب الأرض يُستفز من الكلام الجارح الذي يوجه إليه؟
مشكلة الذين كرسوا وجودهم لمحاربة إيران أنهم لا يعرفون إيران ولا الإيرانيين، أقصى ما يذهبون إلية إلتماس شذرات من بطون كتب التأريخ عن بلاد فارس، وكتب التأريخ حافلة بالإيجابي والسلبي، لكنهم لا يختارون سوى السلبي، لا يتوقفون عند فقهاء المذاهب السنية الفرس، ولا العلماء الفرس، ولا الأدباء من أصول فارسية، ولا حتى علماء النحو الفرس الذين كتبوا لنا نحونا، هم كالدجاجة النباشة في الأزبال تبحث عن دود الأرض. توجد في صفحات التأريخ صفحات مشرقة للفرس مثلما توجد صفحات سود، وهم في هذا لا يختلفون عنا، ولا عن غيرنا من أمم الأرض.
ليس ثمة مصطلح أحب إلى قلوب أعداء إيران من مصطلح الملالي، ملالي إيران، ملالي طهران، هل تعلمون أيها السادة أن ملالي إيران أو طهران هم وحدهم الأكثر تأثرا بالعرب، وإحتراماً لتأريخهم ولغتهم؟
يندر أن تجد في إيران من يعرف اللغة العربية من غير الملالي، وبعض التجار.
الدين بضاعة الملة ورأسماله، ووسيلة عيشه، والدين عربي، ليس فقط كقرآن، وإنما نبي الإسلام عربي، وأئمة المسلمين عرب، وقبلة المسلمين في أرض العرب، وأئمة المسلمين أغلبيتهم الساحقة في ديار العرب، لذا فالمسلم الإيراني يهفو إلى ديار العرب، ويتجه صوبها، على العكس من الليبرالي الإيراني الذي هو في قطيعة تامة مع العرب ودين العرب، وثقافة العرب التي يحسب أنها طغت على ثقافته وحضارته، إنه يسعى لإستعادة لغته التي أصبح نصفها عربي، أنه يشرئب إلى الغرب وثقافة الغرب، ويتساوى في هذا الليبرالي اليميني، والشاهنشاهي الملكي، واليساري الماركسي.
قبل أكثر من نصف قرن شاءت الظروف أن أكون هارباً في إيران، هناك قيض لي الإلتقاء باليساريين والعيش معهم، كما قيض لي التعرف على المتدينين أيضاً، كانت طهران منقسمة إلى قسمين، قسم شمالي متحضر، غربي الهوى، وقسم جنوبي محافظ ، في القسم الجنوبي المساجد والحسينيات، وفي الشمال الملاهي والبارات، كانت طهران طهرانين، وقيض لي متابعة أحداث إنتفاضة محرم عام 1963 بقيادة آية الله خميني، حيث كان المعممون يرفعون شعار ( الموت للشاه، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل )، في حين كانت فتيات الهوى الإسرائيليات في الشمال الطهراني ينشرن حبالهن على رواد ملاهي فردوسي ، وخيابون اليزابيث دوفوم، وتجريش، وكان الوطنيون والقوميون الفرس يرضون من الشعارالثلاثي بالموت الأول في حين كانوا يرفضون الموتين الآخرين .
توصلت حينها لقناعة، بعد معايشة عام كامل، أن القوميين الفرس الذين يدعون أنهم من أصول آرية، لا تربطهم بالعرب الساميين أية رابطة، وأن منطلق تقدمهم القطيعة التامة مع العرب وثقافة العرب ودين العرب، وهم بهذا يستشهدون بمصطفى كمال أتاتورك ويرون أن رضا بهلوي، يسير على خطاه رغم أخطائه.
لو أفلح حزب تودة في حينه في مسك البلد فإنه سيربطه بالشمال، بباكو والإتحاد السوفيتي، ولو أفلح الليبراليون بالسيطرة فإنهم سيحدثون القطيعة التامة مع العرب وإرث العرب ويرتبطوا بالغرب، ولم يكن القوميون الفرس ليختلفوا عن أقرانهم الليبرليين في هذا الشأن، وحدهم الملالي كانوا يسبحون عكس التيار، ولم يكن من المتصور في حينه أن يصلوا إلى دست الحكم خصوصاً بعد البروفه الفاشلة في محرم، حيث تم سحق الإنتفاضة بالحديد والنار.
أزعم، وأرجو أن أكون مخطئاً، أن إيران القادمة، أكانت ليبرالية، يسارية أم يمينية، وطنية أم قومية، ستكون أكثر خطورة علينا نحن العرب، هذا إذا ظل شيء أسمه العرب، وعلى قضايانا، وعلى رأسها القضية الفلسطنية، هذا إذا ظلت لدينا قضايا، وإذا ظلت فلسطين على سلم أوليات أي منا، من إيران الملالي الحالية، وهذا إستنتاج لا علاقة له بالموقف الشخصي من ملالي إيران، أو أي من ملالي المنطقة.
نحن أمة توالي من يعاديها، وتعادي من يناصرها، فلا غرابة إذن في إننا نغذ السير قدما إلى الهاوية .
No comments:
Post a Comment