Thursday 19 March 2015

{الفكر القومي العربي} العلاقات العربية الايرانية - حوار يبني جسور الثقة او تباعد تزيده اتساعا تدخلات الاستعمار – عدنان برجي




العلاقات العربية الايرانية: حوار يبني جسور الثقة او تباعد تزيده اتساعا تدخلات الاستعمار
عدنان برجي/ مدير المركز الوطني للدراسات
 
ما كان لتصريح منسوب لأحد مستشاري رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية الشيخ علي يونسي، ان يأخذ كل هذا البعد، وان يحصد ردود افعال واسعة لو لم يكن هناك سوابق في هذا المجال وعدم ثقة بين كثير من الدول العربية وايران.
فقد سبق ان نقلت وسائل الاعلام تصاريح لمسؤولين ايرانيين في فترات متباعدة تتناول سلبا دول الخليج العربي. وكانت الإدارة الايرانية بعد الثورة الاسلامية ترد موضحة ونافية اية اطماع لها في هذه الدول، وبعد تصريح الشيخ يونسي اوضحت السفارة الايرانية في لبنان مجددا ان: "مبادئ السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم على أساس احترام القواعد الدولية، وهي ترى أن عهد الإمبراطوريات قد ولى إلى غير رجعة". كما اوضحت الرئاسة الايرانية على لسان المتحدث الرسمي  فيها مضمون التصريح نافية ان يكون لديها توجه امبراطوري). ثم أكد مستشار مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي، وزير الخارجية الاسبق علي ولايتي، أن تصريحات، علي يونسي، حيال دول المنطقة هي تصريحات غير مسؤولة.
 
كما طالب نواب في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) بإقالة علي يونسي، معتبرين إن "هذا الخطأ الجسيم لا يحل بالاعتذار، بل من الأفضل أن يقوم رئيس الجمهورية بإقالة علي يونسي من منصبه".
ونقلت وكالة «رجاء نيوز» عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي، قوله إن "المسؤولين العراقيين يعرفون أن تصريحات يونسي لا تنطبق مع السياسات الإيرانية، ومع ذلك يجب على الحكومة أن تتحمّل المسؤولية عن تصريحات يونسي".
 
بغض النظر عن صحة التصريح، فالمؤكد انه قدّم هدايا مجانية للتطرف وخدم من لايريد للعرب ولإيران الاستقرار والتفرغ لإنماء بلدانهم وايفاء شعوبهم حقوقها المهدورة تارة بفعل العقوبات المباشرة على ايران وتارة بفعل اعطاء الاولوية لمواجهة المشاريع الاستعمارية والصهيونية عند الدول العربية.
ان ذلك يفتح الباب على طبيعة العلاقات بين العرب وايران. اذ ليس سرا ان بعض العرب وبالتحديد بعد الثورة الاسلامية في ايران يؤيدها لأسباب تتصل بالنظرة الموحدة الى القضية الفلسطينية ومواجهة الاستعمار الغربي اولا، ومن منطلق الوحدة الاسلامية ثانيا. وهناك من لا يؤيد ايران انطلاقا من شعوره انها تخفي اطماعا توسعية لها في المنطقة العربية بما يتناقض ومفهوم الوحدة الاسلامية اولا وقضية الصراع مع الصهيونية والاستعمار ثانيا.
ان من يؤيد ايران من العرب، لا يؤيدها بالتأكيد فيما لو رأى فيها مشروعا امبراطوريا على حساب الحقوق العربية، انما يؤيدها لانها انقلبت على نهج الشاه فعادت "اسرائيل" وانتصرت لفلسطين، عادت الاستعمار وانتصرت للاسلام دينا يوحد ولا يفرق، ويدعو للتعاون بين الشعوب ويرفض الغاء القوميات والخصائص والميزات.
ان توضيح السفارة في ايران ونفي الرئاسة الايرانية لمضمون التصريح امر جيد، لكن يجب استكمال ذلك بترسيخ قناعات مفادها ان في المنطقة ثلاث مكونات كبرى: العرب، ايران وتركيا. وهذه المنطقة كانت وسوف تبقى محط اطماع المستعمرين والغزاة، والخيار بسيط وواضح اثبته التاريخ وتثبته الاحداث المعاصرة. فإما تعاون فيما بين هذه المكونات الثلاث يضع حدا لمشاريع التقسيم التي وإن بدأت في الدول العربية فلن تترك تركيا او ايران بمعزل عنها. واما خلافات وتنافس ونبش احقاد وبناء اوهام، وكل ذلك يشكل المدخل الواسع للنفوذ الاستعماري الصهيوني على حساب الجميع.
ان الحديث عن وهم الامبراطورية الايرانية الحديثة يعطل جهود اللقاء والمصالحة والمصارحة بين ايران والعرب، وبين ايران وتركيا. كما ان استمرار التبعية التركية للاطلسي يلعب الدور ذاته في خدمة الاستعمار والصهيونية، كذلك تغاضي بعض العرب عن دسائس الغرب الاستعماري، الذي لا حليف له يفوق حلفه مع العدو الصهيوني مغتصب فلسطين وقاتل الملايين من العرب ومانع وحدتهم وتقدمهم ورخاء شعوبهم.
ان من مصلحة جميع مكونات المنطقة مد جسور الحوار فيما بينهم، بعيدا عن مصالح  الساسة وتسجيل الأهداف في مرمى الآخرين. ولعل اول المعنيين هم العرب بترتيب بيتهم الداخلي فقد آن لهم ان يدركوا ان العصبية القطرية لم تحدث تقدما ولم تحمي امناً وطنياً ولا امناً قومياً. انهم مطالبون بإعادة النظر بالجامعة العربية سيما بعد ان تخلت امانتها العامة عن دورها الجامع لتصبح فريقا ومحورا يلعب دورا سلبيا ممزِّقا للجامعة بدل ان يكون الاطفائي الذي لا بد منه في كل منظمة اقليمية او دولية.
لقد بات ملحًّا تحريم التدخل السلبي المتبادل بين العرب وإيران في الشؤون الداخلية، او المراهنة على تطورات يتنبأ بها المستعمر او يروج لها الصهيوني، والانطلاق في حوار عربي ايراني بنّاء وهادف وقائم على احترام متبادل. فذلك هو المدخل الحقيقي للأمن القومي العربي ولأمن إيران ولأمن كل دولة عربية، وهو في الوقت عينه المدخل الحقيقي لضمان عدم زج القدرات الايرانية في غير مواقعها بهدف استنزافها. وهو بالتأكيد المدخل السليم لمواجهة الإرهاب والتطرف وليدا مشروع الشرق الاوسط الجديد. ان الجوامع المشتركة المنطلقة من الدين الواحد، والمبنية على المصالح المشتركة، هي المدخل الدائم لكل حوار عربي ايراني، فيما غياب الحوار يفتح المجال امام المتربصين شرًّا بالطرفين لتحويل التباين الى خلاف وتحويل الخلاف الى نزاع، والله سبحانه وتعالى ينهي عن النزاع لأنه يذهب بريح الجميع ويريح الخصوم والأعداء.
ان زمن الامبراطوريات قد ولّى والمصلحة الاسلامية العامة توجب معالجة مشاكلنا بحلول من المنطقة بعيداً عن كل أنواع التدويل.
 
بيروت في 19/3/2015
 
 



No comments:

Post a Comment