أسباب دعم الغرب للإرهاب
عبد الستار قاسم
20/تشرين ثاني/2015
يتحدث هذا المقال عن دعم الدول الغربية الاستعمارية للإرهاب، وبالتحديد عن بريطانيا وفرنسا وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية التي من المفروض وفق وسائل الإعلام أنها بدأت حربا على الإرهاب على مدى سنوات طويلة ودون أن تنهيها. ويبدو أن الحرب على الإرهاب أنتجت المزيد من الإرهاب والمزيد من انتشار الإرهابيين حول العالم، وتهديدهم للعديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة. كتب العديد من الكتاب والمثقفين على مدى سنوات طويلة بأن الدول التي تعادي الإرهاب في وسائل الإعلام هي التي تقدم الدعم للإرهابيين وذلك لأسباب اقتصادية وأسباب أخرى تتعلق بأساليب السيطرة على العالم. وقد أكد كتاب كثر على أن الدول الرأسمالية معنية دائما بالحروب والمشاكل العسكرية وذلك بهدف إيجاد أسواق للسلاح الذي تصنعه هي وتصدره لدول التوتر العسكري.
لم يكن أغلب الإعلاميين على قناعة بأن الدول الاستعمارية الغربية هي التي تؤجج نار الحروب في المنطقة العربية الإسلامية وتدعم الإرهابيين بخاصة أن هذه الدول لا تنفك تتحدث عن حقوق الإنسان وحل النزاعات بالطرق السلمية ونبذ العنف، الخ. ولهذا بقيت صورة الدول الغربية غامضة أمام الجمهور على المستوى العالمي، ومئات ملايين الناس خدعوا بالتنظير الرسمي الغربي ظنا منهم أن الدول التي تسمي نفسها ديمقراطية قادرة على حماية الناس من بطش الاستبداديين وسطوة الإرهابيين.
في المنطقة العربية الإسلامية، خبر الناس وعرفوا دعم الدول الغربية القوي لأنظمة حكم استبدادية متخلفة تنهب أموال الناس وتستبيح أعراضهم وتنتهك حقوقهم، ولولا الدعم الغربي لهذه الأنظمة لانهارت منذ زمن بعيد ولارتاح الناس من ملاحقات الأجهزة الأمنية العربية التابعة للأنظمة. الدول الغربية وبالذات بريطانيا وأمريكا مكنت العديد من أنظمة الحكم العربية وسلحتها ومولتها وقدمت لها الدعم العسكري والديبلوماسي وهي تعلم مسبقا أنها أنظمة قبلية ظلامية لا تستمر في الوجود إلا من خلال قمع الناس والتنكيل بهم ونهب أموالهم. ولولا هذا الدعم الغربي للأنظمة العربية الظلامية لتغير مجرى التاريخ في المنطقة العربية، ولتم تحقيق التقدم العلمي والتقني، ولسارت المنطقة العربية بركب الحضارة العالمية. الأنظمة العربية إرهابية، وهي تمارس الإرهاب ضد شعوبها على مدى عشرات السنوات، وكل من يدعم الإرهابيين إرهابي.
هناك أسباب عدة تدفع أهل الغرب إلى صناعة الإرهاب في المنطقة ودعم الإرهابيين، وهي أسباب متعلقة في النهاية بالمصالح. من هذه الأسباب التالي:
أولا: تمزيق الأمة العربية والوطن العربي. منذ قرون، والغرب يخشى من العرب وحدتهم، ويعمل على كبح جماحهم حتى لا يكونوا قوة يمكن أن تنافس أهل الغرب. ولهذا عملت الدول الاستعمارية على تقسيم الوطن العربي بعد الحرب العالمية الأولى، وكان تركيزها على أرض الشام والعراق لأنها بؤرة حساسة لمستقبل العرب وكيانهم ووجودهم، ولديها من المخزون الثقافي والفكري والحضاري ما يؤهلها للاندفاع بقوة نحو البناء والازدهار والمساهمة في الحضارة العالمية. ولهذا تآمر الاستعمار الغربي المتمثل ببريطانيا وفرنسا منذ البدء على تقسيم بلاد الشام والعراق، وتوزيع الأسلاب على المستعمرين. ونتج عن التآمر اتفاقية سايكس-بيكو، والتي تم شرعنتها عبر عصبة الأمم، وصكوك الانتداب الصادرة عنها. طبعا التقسيم إضعاف لكل جزء عربي، والذي تم تعزيزه بالعمل على زراعة الكيان الصهيوني في فلسطين ليبقى عامل عدم استقرار في المنطقة يؤدي إلى استنزاف الطاقات العربية. وبالإضافة أقام الاستعمار دولة لبنان على أسس طائفية وذلك لتعزيز الوعي الطائفي والذي يهدد وحدة المجتمعات، ومن ثم يهدد وحدة الدول. أما الأردن فأقيمت كدولة لكي تكون منطقة عازلة بين الكيان الصهيوني وباقي البلدان العربية التي يمكن أن تتحرك دفاعا غن فلسطين. وبقيت سوريا الصغرى حاملة للاسم التاريخي لبلاد الشام، والتي لم تنج أيضا من الألاعيب الاستعمارية.
والتمزيق لا يستهدف العرب فقط وإنما يستهدف المسلمين أيضا لأنه كلما تمزق المسلمون تمزق العرب واقتتلوا. العلاقة جدلية بين العرب والمسلمين. العرب لا يستقيمون بدون الإسلام، كما أن الإسلام لا يكتسب اندفاعا إلا بالعرب. هذا لا يقلل من شأن المسلمين غير العرب لكنه يؤكد على أن العرب هم في الغالب البيئة الحاضنة للإسلام. فإذا نهض العرب نهض الإسلامن والعكس صحيح. ولهذا كان من الضروري العمل على تمزيق الصف الإسلامي لكي يتمزق العرب ليس على المستوى القومي فقط وإنما على المستوى القطري أيضا. ولهذا ركز أهل الغرب بالتعاون مع أنظمة عربية على المسلمين من أهل السنة ليجعلوا منهم غلاة بغاة يمسون بكل المذاهب والطوائف الأخرى حتى بأنفسهم أيضا. لقد بدأوا بأفغانستان وجندوا من السنة أعدادا هائبة لتحمل لواء الإسلام المشوه الصورة، وهو إسلام نعصبي تطرفي لا يرى أبعد من رأس أنفه، وعمل أصحابه عن وعي أو غير وعي على الإساءة إلى الإسلام في الدول الغربية وعلى تمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي في البلدان العربية والإسلامية. نجح الإرهابيون برفع مستوى الوعي الطائفي الحاقد، وعززوا مشاعر خوف الأثليات الد\ينية والمذهببية من أهل السنة. فبعد أن كانت العلاقات الاجتماعية بين الناس مسترخية جزأهم الإرهاب إلى مذاهب وفرق عديدة ينظر كل منها إلى الآخرين بعين الارتياب وعدم الاطمئنان والشك. وأدى ذلك إلى قتل المسلمين والعرب بالجملفة، وأثر ذلك أيضا على القوميات الأخرى التي تعيش مع العرب مثل الأكراد والأرمن والشركس.
ومن المهم أيضا أن الإرهابيين أساؤوا جدا للإسلام بحيث أصبح الإسلام أكثر دين مكروها من قبل شعوب الأرض. لقد تلطخت صورة الإسلام بالدماء والفعنف وذبح الناس وحرقهم، وأصبح الدين لإسلامي دين إجرام وكراهية ومجازر. وهكذا يكون أهل الغرب قد حصدوا ثمار ما زرعوا. أرادوا تشويه صورة المسلمين واجتثاث الإسلام من الصدور، ولا شك بأنهم زرعوا مقومات ثقلفية ضد الإسلام سنرى نتائجها بعد سنين.
كان من المؤمل تحقيق وحدة وطنية تدعم الدولة القطرية، وتحقيق رؤية قومية تدعم الوحدة القومية، ومقاربة إسلامية تجمع المسلمين، وماغ تحقق الآن هو اغنهيار النسيجين الاجتماعي والثقافي، وصراعات داخلية متعددة ستحبط المسارات الوحدوية لفترلاة طويلة من الزمن. كما أن الإرهاب أدى إلى دعم الاستبداد من حيث أن الناس يفضلون الاستبداد على غياب الأمن. حاكم ظالم أفضل من قطاع الطرق الذين يهددون أمن الناس.
ثانيا: الهيمنة على العرب
سعت الدول الغربية منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى إبقاء العرب ضعفاء ممزقين لتسهل السيطرة عليهم واستغلال ثرواتهم وجعل أوطانهم مسرحا للنفوذ والسيطرة. ظن الغرب أن العرب قد يشكلون منافسا لأوروبا فيما إذا اتحدوا واستغلوا ثرواتهم بشكل صحيح، وأنهم من الممكم أن يمنعوا تحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود. وأهل الغرب كانوا على وعي بأن العرب لديهم طموح لكي يصبحوا قوة عالمية يستعيدون من خلالها أمجاد ماضيهم التليد. هم يدركون أن العرب في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانوا يتطلعون إلى أعلى ويبحثون عن فرص لإثبات أنفسهم على الساحة الدولية. ربما خسر العرب مثل هذا التطلع بعد سلسلة الإحباطات والإخغاقات التي حققها الحكام العرب، لكن الإسلاميين ما زالوا يؤمنون بضرورة سيادة الإسلام على العالم وإقامة دولة الخلافة التي يمكن أن تنشر العدل والسرم على المستوى العالمي. وهذا ما دعا الدول الغربيبة إلى تكريس فكرة التطرف الإسلامي والتعصب من خلال الإرهاب. لقد استجمع الغرب قواه بالتعاون مع دول عربية من أجل تحويل الفكرة الإسلامية إلى فكرة إرهابية تضعف ولا تقوي وتمزق ولا توحد.
في حالة الضعف تسهل السيطرة على الشعوب وإدارتها بالطريقة المناسبة، وهذا ما صنعه الإرهاب بالعرب. لقد أضعفهم ومزقهم ودمر منظومتهم الأخلاقية وشوه ثقافتهم وجعلهم محط ازدراء من قبل العديد من شعوب الأرض. لقد أصبح العرب في حالة مزرية من الضعف بحيث أخذوا يطلبون العون ممن يكيدون لهم. الدول الغربية تدخلت في عدد من الدول العربية وأطاحت بحكام لصالح الفوضى والاقتتال الداخلي كما يحصل الآن في ليبيا وسوريا واليمن. وبدل أن يعالج العرب مشاكلهم استنجدوا بالغرب لمعالجة هذه المشاكل، ولم يكن الغرب غبيا ليحل المشاكل وفق ما تشتهي النفس العربية. وإذا كان العرب ينشدون الاستقلال في مرحلة من المراحل فإن الإرهاب قد جعلهم أكثر عرضة للهيمنة والاستسلام للإرادة الغربية.
ثالثا: نهب الثروات العربية. لم تكن تسمح الدولف الغربية للعرب بتحقيق ثراء فاحش يمكن أن يغريهم بتطوير أنفسهم وتحقيق العدالة الاجتماعية لجماهير الأمة. ولهذا كانت تعمد دائما إلى افتعال أحداث أمنية أو عسكرية أو مالية تستنزف الطاقات العربية والثروات العربية كلما تراكمت. تهتم الدول الغربية باستمرار باسترداد أموالها التي تدفعها للعرب مقابل مواد الطاقة التي تستوردها منهم. ولهذا تسلط هذه الدول إسرائيل لصناعة الحروب التي تستنزف الأموال. خاض العرب مع إسرائيل عددا من الحروب الفاشلة التي كلفت الكثير من الأموال مما اضطر العرب إلى التزود بالسلامن جديد عالبا من الدول الغربية. الحروب تستهلك الأسلحة وتستنزف الجنود العرب، ويضطر العرب إلى شراء المزيد من الأسلحة للتعويض عما دمرته أو غنمته إسرائيل. الغرب يستوردون النفط والغاز من العرب، والعرب ينفقون أموالهم على شراء الأسلحة من الغرب. الحكام العرب ينفقون مليارات الدولارات سنويا على شراء الأسلحة دون أن يحققوا انتصارا في أي ميدان حربي. والغرب يستعملون أيضا البورصات لاستراداد أموالهم وطاولات القمار. العرب يخسرون الكثير من الأموال في مضاربات البورصات أو نتيجة لهبوط أسعار الأسهم، والمستفيد عادة هم أهل الغرب الذين يهيمنون على السوق المالية العالمية. ولا ييأس أهل الغرب من صناعة الفتن بين العرب أنفسهم لكي يقتتلوا. العرب يدمرون بناهم التحتية ومنشآتهم في صراعاتهم الداخلية، وينفقون أموالا طائلة على شراء مواد وخبرات العرب يدمرون بناهم التحتية ومنشآتهم في صراعاتهم الداخلية، وينفقون أموالا طائلة على شراء مواد وخبرات عادة البناء في الدول الغربية. ومن الممكن أيضا أن يصنع الغربيون حروبا بين العرب وجيرانهم مثلما فعلوا مع العراق وليبيا واستنزفوا الثروات البترولية.
وأخيرا جاء الإرهاب الذي دمر البنى التحتية في عدد من الدول العربية وقضى على مسيرة البناء والتقدم. أحخال الإرهاب عددا من الدو لاعلربية إلى صحاري غير منتجة وأفقرها وجوع شعوبها. الدول العربية بحاجة الآن إلى مئات مليارات الدولارات لإعادة البناء، وغالبا سيكون للشركات الغربية نصيب الأسد في عقود العمل.
الإرهاب استثمار مجزي، ومردوده سريع وأرباحه فورية. فكلما اشتعل الإرهاب في بلد عربي تطمئن الدول الغربية إلى حصصها من أموال النفط العربي. وهذا بالتأكيد ما دعا الدول الغربية دائما لتقديم العون للحكام العرب الذين يمارسون الإرهاب ضد شعوبهم ويضمنون هيمنة الغرب على النفط، وللمنظمات الإرهابية التي تقدم التبريرات للتدخل الغربي في البلدان العربية.
رابعا: طمأنة إسرائيل. الإرهاب آفة عظيمة تحل ببلدان العرب، وكلما انشغل العرب بمشاكلهم الداخلية تطمئن إسرائيل وتهدأ وتستمتع برؤية العرب يسفك بعضهم دماء بعض. صحيح أن البلدان العربية لم تساهم مساهمة فعالة في مواجهة إسرائيل، لكن انشغالها بهمومها الداخلية يبعد الأنظار عن إسرائيل على كافة المستويات السياسية والأمنية والديبلوماسية. انشغال العرب بفتنهم الداخلية يشغل الفلسطينيين أيضا، ويدعوهم إلى توظيف جهودهم لتحاشي الهموم التي تصنعها الفتن الإرهابلية. قوة العرب قد تكون إضعافا لإسرائيل، وطالما بقي العرب ضعفاء تتمكن إسرائيل أكثر من رقاب الفلسطينيين ومن رقاب جيرانها العرب وتبقى لها الهيمنة العسكرية المطلقة.
هذه الأسباب تجيب عن لماذا لم تكن الدول الغربية جادة منذ البداية في المساهمة بإيجاد حل للحرب في سوريا لأن الهدف بالأساس كان تدمير سوريا. لم تتخذ الدول الغربية بخاصة الولايات المتحدة موقفا جادا مما كان يجري في سوريا لأنها كانت معنية بإدارة الأزمة بطريقة يبقى معها نوع من التوازن العسكري بين الأطراف المتحاربة. لقد سمحت للسعودية وتركيا بتزويد المعارضين ببالمال والسلاح، وغضت الطرف عن الأسلحة التي تجد طريقها للنظام، وأبقت الحرب مستعرة على مدى سنين. نال سوريا الدمار وشعبها أنهكه التهجير والقتل وسفك الدماء، وشركات أمريكا تنتظر الهدوء لتنال نصيبها من كعكة الأموات.
No comments:
Post a Comment