Thursday 14 January 2016

{الفكر القومي العربي} إنهم يبتهجون بقتل العرب

إنهم يبتهجون بقتل العرب

نشر على العربي الجديد

عبد الستار قاسم

ليس أهل الغرب هم الذين يبتهجون بقتل العرب أو الصهاينة، إنما العرب أنفسهم يبتهجون بقتل أنفسهم. هناك في العالم من يكره العرب ويخاصمهم مثل الصهاينة وربما يصيبه الارتياح وهو يرى العرب يقتّلون وتسفك دماؤهم، لكن بالتأكيد هناك عرب يعبرون عن فرحتهم وسرورهم عندما يرون أبناء العرب مدرجين بدمائهم في الوديان وعلى سفوح الجبال وفوق رمال الصحراء وتحت العمارات المدمرة.

إنني أرى السعادة تعلو وجه المذيع وهو يزف لنا خبر مقتل جنود عرب يقف هو ضدهم، وأرى الاستبشار على وجوه الذين يتعمدون الاستماع لهذا المذيع لأن موقفه من موقفهم. لا تصبر القناة التلفازية على زف الخبر الذي تعتبره هي مفرحا، وإنما تتعجل النقل وتزفه لنا فورا لكي نشاركها الفرحة على السريع. قنوات تلفازية تقف ضد النظام السوري، والاغتباط يلفها وهي تقول لنا إن عشرين جنديا سوريا قد تم قتلهم. أما قناة أخرى تؤيد النظام السوري فسرعان ما تعمل على إسعادنا بنقل خبر حول مقتل ثلاثين إرهابيا. واللافت أن القنوات لا تقول لنا أن القتلى عرب، إنما من جنود النظام أو الإرهابيين . العرب بالنسبة لهذه القنوات ليسوا المستهدفين، إنما فقط يتم استهداف "السفلة والمنحطين" من الطرف الآخر الذين يعملون على تخريب الساحة العربية طمعا بالسلطان والمال.

الحرب مصلحة خاصة

كل هؤلاء القتلى الذين تعقد القنوات لقتلهم حفلات الفرحة والابتهاج عرب، وفي الغالب هم عرب من المساكين والفقراء الذين يجرهم أصحاب المصالح إلى أتون الحرب ليصنعوا منهم أبطالا مزيفين يموتون من أجل غيرهم الذين تتطلب مصالحهم إشعال الحروب. أبناء العرب المسحوقين هم وقود الحروب، وأمهات هؤلاء المسحوقين هن اللواتي يفقدن أبناءهن وأزواجهن، ولا ينمن الليالي الطوال حزنا وألما وبكاء وعويلا.لم تخل حروب التاريخ من الزيف والكذب والمصالح، بل إن أغلبها شهدت الفقراء وقودا وأصحاب المصالح سادة لا يمسهم السوء. وهكذا هو الأمر على الساحة العربية، وتلعب بالمواطن العربي أكاذيب الأنظمة التي تحمل اللمسات الوطنية والقومية، ومساخر المناهضين لها بخاصة من المتدينين الذين يحملون مفاتيح الجنة والنار وصلاحية توزيع الحور العين على المعتوهين الذين يتوهمون أن الملائكة ستكون في استقبالهم لزفهم إلى الحسناوات. وبين هؤلاء وهؤلاء يتمزق المواطن العربي وتتمزق المجتمعات وتدفع الأمة تبعا لذلك المزيد من الجهالة والتخلف والانحطاط.

الاقتتال الذي يجري على الساحة العربية ليس اقتتالا من أجل إقامة العدل أو من أجل حسن التوزيع، إنما هو اقتتال من أجل مصالح خاصة للذين يقودونها ويمولونها ويشعلون نيران الفتن والضغائن. مصلحة الأمة العربية غائبة على الرغم من أن كل الأطراف تتاجر بها. النظام السياسي يريد طول العمر، وهو مستعد لقتل الناس وتدمير بيوتهم وتخريب معاملهم ومصالحهم من أجل كرسيه، من أجل عرشه، والمناهضون له يمعنون بقتل الناس باسم الله ودفاعا عن تعاليمه، ولا أظن أن الله بحاجة لقتالهم أو إقامة كلمته في الأرض من خلالهم. ومع هذا يتسابق أولاد الفقراء والمساكين لأخذ دورهم النجس في هذه الجرائم التي تقترف بحق العرب. ولا يقل ممولو هؤلاء المناهضين سوءا عن النظام أو عن قيادة المناهضين لأنهم يدعمون الفتن ويصبون الزيت على النار من أجل أن تبقى النار مشتعلة وتزداد اشتعالا.

صراع الأنظمة العربية

معروف جيدا أن الله سبحانه وتعالى لم يوفق الحكام العرب على الرغم من دعوات خطباء يوم الجمعة لهؤلاء الحكام بأن ينالوا التوفيق. كل دعوات الخطباء على مدى أكثر من ستين عاما باءت بالفشل الذريع ولم يستجب رب العالمين لأحد منهم، وربما يعود السبب إلى أن الخطباء قد يكونون منافقين وكاذبين، أو أن الحكام العرب لا يستحقون التوفيق ولا يسعون إليه. ولهذا نجد أن هناك حراكا عربيا شعبيا ضد نظام، وتقوم الأنظمة الأخرى بتقديم ما يلزم لهؤلاء المتحركين الذين يريدون قلب النظام. إنها الكراهية المتبادلة بين الحكام العرب، والتي تستدعي الحرب وقتل الأبرياء وهدم بيوتهم. هذه أنظمة عربية لم تكن يوما قادرة أو راغبة في تطبيق حكم رشيد يؤدي إلى الخروج من حالات التخلف والجهل والفقر والمرض التي تنخر جسد الأمة، وهي أصرت عبر الزمن على البقاء في دائرة الاستبداد وملاحقة المواطن العربي بمختلف أساليب القمع والتنكيل. هذه الأنظمة لم تحقق انتصارا في أي مجال من مجالات الحياة، فبقي العرب خلف الأمم ومطية لمن أراد ان يمتطي. وهي أنظمة لم تلتزم بمواثيق أو اتفاقيات، ووقف العديد منها مع أعداء الأمة، ومنها من عمل جاسوسا مباشرا للقوى التي عملت عبر الزمن على امتطاء الأمة العربية ونهب ثرواتها. وهي لم تحقق وحدة عربية، وفشلت في تحقيق وحدة وطنية ضمن حدود الإقطاعية التي منحها إياها الاستعمار الغربي.

المذيع والمذيعة

أنت أيها المذيع ما الذي يلاطم خدك لتجعل من نفسك نذير سوء ومنفرا وأداة بيد الخنازير الذين يشعلون الحرب ويقتلون أبناء العرب؟ أنت موظف ولك راتب وربما لا يوجد لديك مصدر دخل عدا هذا الراتب، وأنت في النهاية مجبر على أداء الدور السيء الذي تقوم به، لكن من الضروري أن توازن بين مصلحتك الخاصة المتمثلة بالراتب وبين مصلحة الأمة. وإن كنت مؤمنا بالله ومسلما صالحا عليك أن تعرف أن السير في طريق السوء لا تغفره المصالح الخاصة.

وأنت أيتها المذيعة ما الذي يدفعك إلى عمل يفسد العلاقات بين الناس، وأنت لا ناقة لك ولا بعير بهذا الصراع الدموي الدائر على الساحة العربية. لقد تعب ذووك عليك من أجل أن تتعلمي وتحسني فرصك المالية والاجتماعية والوظيفية في هذه الحياة، ولم يكن الهدف من التعليم المراءاة والنفاق والكذب؟ وإن كنت مؤمنة بهذه الأمة ورفعتها وسؤددها فاعلمي أن هذا لن يتحقق إلا بالوضوح والصراحة والدفاع عن الحق والوقوف ضد الظلم. وإن كنت مؤمنة فاعلمي أن نصيبك في الآخرة سيكون متوازنا مع عملك في الدنيا.

أيها المذيع، أيتها المذيعة: نحن بحاجة إليكم ولعملكم، لكن إن لم يكن صادقا مع الناس فإنه يرتد سلبا ويلحق أضرارا كبيرة بالجميع. مفهوم أن الأنظمة القبيحة وأعداؤها الذين فضلوا القبح على النقاء يريدون منكم لعب دور غير الدور الذي تشتهون. هؤلاء يزجون بكم إلى ميدان الكذب والنفاق من أجل أن تظهر وجوهكم أنتم بالقبح وليس وجوههم هم. هم هناك في صوامعهم وقصورهم لا يظهرون، وإنما يقولون للناس ما يريدون من خلالكم، والكثير مما تقولونه بالنيابة عنهم كذب ودجل وتضليل ويزيغ كثيرا عن الحق والصدق، ويتوحد مع الباطل من أجل تأجيج النفوس بالمزيد ليبقى الدم نازفا. لا يجوز لوجوهكم الجميلة أن يلطخها قبح جدليات الأنظمة العربية التي لا طائل منها ولا فائدة. هم وجوههم قبيحة ومنفرة، وهم لا يريدون لوجوهكم المضيئة أن تبقى مضيئة فيدفعونكم إلى مستنقع المزايدات والفتن والصراعات لتكونوا أنتم أكباش الفداء الذين تلاحقهم شتائم المشاهدين.

يعرف الناس أن الراتب مهم في حياة الإنسان، وكم من الإذلال لحق بالذين يتقاضون رواتبا من قبل الذين يدفعون الراتب. هناك من يعذرونكم على ما تقومون به، لكنهم يرجون ألا تظهر البهجة على وجوهكم وأنتم تقرأون الأخبار. مطلوب منكم أن تنقلوا الأخبار لنا والغضب يظهر على وجوهكم، والأفضل أن تترحموا على أموات الأمة لا أن يكون الخبر بصيغة المتشفي السعيد بأحزان الآخرين. القتلى من كل الأطراف أبناؤنا، ونحن لا نميز بين ابن وآخر، وكلهم ضحايا المسعورين المتنفذين وأصحاب المصالح الخاصة.

الديمقراطية

تفاءل الناس بالحراك العربي منذ أن بدأ في تونس، وكان أملهم أن يتم إنجاز شيء ضد الأنظمة العربية يؤدي إلى نهوض الحرية في الوطن العربي. لم تكن الآمال على قدر النتائج، وتدخلت أنظمة عربية ضد أنظمة نكاية ومن منطلق الكراهية والرغبة في تحقيق تأييد على الساحة العربية. أين هي الديمقراطية الآن؟ لقد تغلبت العرب قراطية (الديمقراطية على الطريقة العربية) على الديمقراطية وبهذا نستطيع أن نقول أن التقليد العربي قد هزم التقليد الغربي. لم تقم الديمقراطية، وبدلا منها قامت حفلات القتل والتعذيب وتمزيق النسيج الاجتماعي والانهيار الأخلاقي. ولهذا نعود إلى السؤال الذي على قنوات التلفاز العربية أن تجيب عنه: لماذا تقحمون أنفسكم في صراعات يدفع ثمنها أنتم والمواطن العربي عموما؟

تأجيج النفوس

المشكلة الكبيرة أن عامة الناس يقعون عادة فرائس لتأجيج المشاعر ويندفعون للتصرف وفق مصلحة الذي أجج مشاعرهم. المنتفعون يستعملون عادة المصالح الوطنية والدينية لتهييج المشاعر، ويضخون الكثير من التحليلات والتشريب الثقافي في الناس من أجل دفعم نحو المشاركة. الناس العاديون يتحركون تبعا لمشاعرهم الوطنية والدينية فيظنون فعلا أنهم يدافعون عن قضية تستحق التضحية. ولهذا تكثر الخطابات الوطنية والدينية وقت الأزمات، ويتم تعبئة العديد من المثقفين والمفكرين لحمل لواء الفتن وثقافة القتل وسفك الدماء. والنتيجة دائما خسارة الفقراء والمساكين وعلو المفتنين بالمزيد.

لو كان حكام العرب عقلاء لأرشدونا إلى ماهية المصلحة الوطنية، ولو كانت لديهم غيرة على الدين لما سرقوا أموال الناس ولما بددوها على الشهوات، ولما أبقوا الأمة متخلفة علميا وتقنيا وأبناؤها يعانون الفقر والمسكنة.

 

 

 

No comments:

Post a Comment