Monday 25 January 2016

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: إنما أسقط من حولنا الكلامُ الساكت

 
إنما أسقَطَ مَنْ حَوْلَنَا الكلامُ الساكتُ
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(نُشِر فى البداية 25 يناير 2016)
الأرضُ أرضٌ والسَمــاءُ سَمــاءُ … والمــاءُ مــاءٌ والهــواءُ هــواءُ.
والبحرُ بحــرٌ والجبـــالُ رواسخٌ … والنــورُ نــورٌ والظــلامُ عَمَــاءُ.
والمـــُرُّ مُــــرٌّ والحـــلاوةُ حُلـــوةٌ … والنـــارُ قِيلَ بأنها حمـــــــــــــراءُ.
والحَرُّ ضد البردِ قولٌ صادقٌ … والصيفُ صيفٌ والشتاءُ شتاءُ.
والسهلُ سهلٌ والعَنَاءُ عَنَاءُ … والصُبحُ صُبحٌ والمساءُ مساءُ.
كُلُّ الرجالِ على العمومِ مُذَكَّرٌ … أمَّا النســــاءُ فكُلُهُّن نســـــــاءُ.

هل يمكن أن نُسَمِّى هذا الذى قاله ابن سودون شِعراً حتى لو التزم بقواعد العَرُوض؟ هو كلامٌ مرصوصٌ موزونٌ ومُقَفَّى لكنه بلا نبضٍ ولا يُضيف شيئاً .. وهو بالقطع ليس شعراً وإنما هو (كلامٌ ساكت) .. ولعل أوضح مثالٍ للكلام الساكت هو السيد/ صفوت الشريف وزير الإعلام المُزمن فى العهد المباركى الذى كانت لديه القدرة على التحدث ساعةً كاملةً بكلامٍ لَبِقٍ مُنَمَّقٍ لا تخرج منه بشئٍ ولا تُمسك عليه خطأً ولا صواباً وكأنما كنتَ تستمع إلى (كلامٍ ساكت) .. (كلامٌ ساكتٌ) هو وصفٌ أبدعه الأشقاء السودانيون فى الإشارة إلى ذلك النوع من الكلام الذى لا معنى له .. تتحرك به الشفاه والألسنة لكنها فى الحقيقة لا تقول شيئاً .. وتخط الأقلامُ آلاف المقالات الفارغة التى تملأ الصُحُف ولا تقرأُ فيها شيئاً وكأنها كُتِبَت بالحبر السرى .. الكلام الساكتُ هو البديلُ الديكتاتورى لحرية التعبير.
ضِمن خطة تزييف الوعى الممنهجة، نجحت الأذرع المباركية العائدة فى تشويه قِيَمٍ بديهيةٍ مُجَرَّبَةٍ بعد وَصْمِ المنادين بها بالعمالة والخيانة والجيل الرابع والطابور الخامس وصربيا وبلاكووتر إلى آخر هذه الترهات، فصارت حقوق الإنسان مُرادفاً للاسترزاق، وصار احترام الدستور سفسطة نُخبة، وها هى (حرية التعبير) تتحول إلى مسمارٍ فى نعش الدول .. لدرجة أن أحدهم صَرخ فى وجه مُحَدِّثِه (حرية التعبير دى تبقى خالتك .. عاوزينا نسقط زى العراق وسوريا وليبيا؟) .. لم يُزعجنى حديثُ الخالات والأمهات، إِذْ لم يَعُد سَبَّاً وقذفاً بالقياس لما صِرنا نسمعه فى الإعلام وتحت قبة (البرلمان)، لا سيما وأن كثيراً من سيدات مصر الفُضليات من الخالات والأمهات يحملن بالفعل اسم (حرية) إذ لم يَدُر بِخُلْدِ آبائهن عندما أسموهن أن لفظ (حرية) سيصبح من الألفاظ النابية بعد ثورةٍ عظيمةٍ قامت من أجل الحرية .. لكن أزعجنى ادِّعاءُ أن هذه الدول أسقطتها حريةُ التعبير .. وهل كان فى العراق وسوريا وليبيا حرية تعبير أيها الكَذَبَةُ؟ .. هذه الدول بالذات أسقطها الكلامُ الساكتُ الذى تريدوننا أن نلتزمه لنسقط مثلها (حاشا لله وحَفِظَ اللهُ مصر).
ليس مُصادفةً أن كل هذه الدول الحبيبة التى سقطت كانت نماذج للكلام الساكت والصوت الواحد .. كان فى عراق صَدَّام عشرات الصُحُف المزدحمة بالمقالات التى لا تقول شيئاً إلا تمجيد القائد المعصوم من الخطأ .. وصار بلدُ الشِعر خلواً من الشعراء رغم عشرات المهرجانات الباذخة التى لم يكن يُسمح فيها إلا بالشعر الساكت .. لذلك كان لافتاً أننا لم نسمع طوال هذا العهد الأبكم عن شاعرٍ عراقىٍ حقيقىٍ إلا فى منفى أو قبر .. فالشعرُ حرية .. كان للرجل إنجازاتٌ لعل أبرزها إقامة قاعدةٍ صناعيةٍ حقيقية وتصنيع عسكرىٍ متقدم لَامَس حافةَ السلاح النووى .. ولكن كل ذلك كَنَسَه الكلامُ الساكت .. لأن الصمت يُفاقم الأخطاء .. قُل مثل ذلك على كل من سقط حولنا كسوريا وليبيا ودولٍ أخرى فى سبيلها للسقوط وندعو الله ألا تسقط .. جمع بينها نفس الداء.. اعتبارُ كلِ نقدٍ خيانة وكل صوتٍ مختلفٍ عمالة .. هذه دولٌ لم تُسقطها حرية التعبير وإنما أسقطها قَطعُ الألسنة وإذابة أيدى الكُتاب فى الحامض وتهشيم أنامل رسامى الكاريكاتير .. كل الدول عُرضةٌ للتآمر بلا شك، ولكن الدول التى لا تُحَصِّن نفسها بالديمقراطية تُسّهِّلُ على أعدائها مهمة تدميرها.
أتحدى أن يدلنا أحدٌ على دولةٍ واحدةٍ أسقطتها أو عَطَلَّت نموها الديمقراطية وحرية الرأى .. لكن ما أكثر الدول التي هَوَى بها للقاع الكلامُ الساكتُ وصُنَّاعُ الطغاة.
فاللهم احفظ مصر ولا تُسكِت للمصريين صوتاً ولا قلماً ولا تحاسبهم بما فعل السفهاء منهم.
خارج الموضوع: لن نَمَلَّ من السؤال إلى أن نحصل على الإجابة .. فقد سبق أن اعترف جمال وعلاء مبارك في تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع منذ أكثر من أربع سنواتٍ (قبل أن ينضوى تحت جناح أحمد الزند) بوجود حسابٍ لهما في سويسرا بقيمة 340 مليون دولار (نحو ثلاثة مليارات جنيه) قالا إنه (لا علاقة له بمصر!) .. وقد مَرَّت ثمانية أسابيع ولم نحصل على إجابةٍ لسؤالنا فى الأهرام عن هذه القضية تحديداً .. هل حُفِظَت باعتبارها مالاً حلالاً بلالاً لا علاقة له بمصر؟ هل لا زالت قيد التحقيق؟ أم قيد التصالح؟ نسألُ فهل مِن مُجيب؟.‏‏‏

No comments:

Post a Comment